“ردًّا على بعض التقارير الصحفية غير الدقيقة حول العقوبات الأميركية، يهمنا التوضيح بأنّ العقوبات الأميركية تتضمن استثناءات لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وغيرها للشعب السوري ولن نمنع أي دولة من تقديم هكذا مساعدات. وسنستمر من جهتنا بتقديم المساعدات للشعب السوري”.

بهذه العبارات، صرحت وزارة الخارجية الأميركية على الحملة التي منهجتها الحكومة السورية عبر مسؤوليها في الأمم المتحدة والتي امتدت حتى الممثلين السوريين والسكان المحليين داخل البلاد وخارجها، مستغلة الكارثة الإنسانية التي حصلت بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا ليل الأحد – الفائت، من أجل رفع العقوبات الدولية، مغتنمة جهل الكثيرين ببنود العقوبات ومن تستهدف.

المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، بدوره ذكر الحقيقة ذاتها على حسابه الخاص في موقع “تويتر”، وقال “ثقوا بالحقائق: لا توجد عقوبات أوروبية على المساعدات الإنسانية لسوريا. ما نحتاجه الآن من النظام السوري ومن جميع الأطراف هو معابر حدودية مفتوحة والسماح بوصول المساعدات بسرعة ودون عوائق لإنقاذ حياة السوريين بغض النظر عن مكان إقامتهم في سوريا”.

مخاوف من استغلال الرئيس السوري وأعضاء حكومة دمشق من كارثة الزلزال سياسيا هو ما بدا جليا، خصوصا بعد تخصيص الصحفة الأولى في الصحف الرسيمة المحلية السورية لصور قادة الدول التي هاتفت الأسد وأرسلت لدمشق طائرات مساعدات، لتعزز رواية الحكومة السورية بتأثرها بالعقوبات الدولية؛ لكن هل هنالك دور مباشر للعقوبات بعدم إيصال المساعدات لسوريا.

المساعدات الإنسانية متاحة في جميع الأوقات؟

حتى الآن لم تعرض الحكومة السورية مقترحا لإيصال بعض من المساعدات التي وصلتها من دول عربية في مقدمتها الجزائر والإمارات ومصر والأردن والعراق وعُمان والبحرين وأيضا إيران وروسيا إلى المناطق المنكوبة خارج سيطرتها، رغم معرفتها بأن هذه المناطق ليست بأفضل حال من البؤر التي ضربها الزلزال في اللاذقية وطرطوس وحماه.

حتى الآن، ووفقا لتصريحات الحكومة السورية فإن ضحايا الزلزال وصل إلى 1262 قتيل و2285 مصاب، فيما ارتفع عدد الضحايا في المناطق التي لا تخضع لسيطرة دمشق إلى أكثر من 1400 حالة وفاة، وأكثر من 2700 مصاب، مع وجود مئات العوائل تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة في جميع أنحاء البلاد، كما ارتفع حصيلة ضحايا الزلزال في تركيا إلى 7108 قتيلا و40 ألفا و910 مصابا يعتقد أن أكثر من ثلثهم من اللاجئين السوريين.

بعد أقل 24 ساعة من حدوث الزلزال، صرح سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، أنهم يرحبون بكل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها بعد وقوع زلزال مدمر، لكنه اشترط وجوب تقديمها من خلالهم. بمعنى أنهم لن يسمحوا بالتسليم عبر الحدود من البلدان الأخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها قوات لا تتبع للجيش السوري والتي هي في أمس الحاجة إليها.

بعد هذا التصريح الرسمي لمسؤول سوري ونتيجة للحملة التي بدت أنها ممنهجة، قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، “ليس هناك أي شيء على الإطلاق في قانون قيصر والعقوبات الأميركية يمنع المساعدات الإنسانية والطارئة والأدوية عن الشعب السوري، الولايات المتحدة لا تمنع ولن تمنع أي بلد من تقديم المساعدة الإنسانية للشعب السوري”.

عدم تأثير العقوبات الدولية على الدعم الإنساني في سوريا، لفت إلى أن دمشق فتحت جبهة قوية مستغلة كارثة الزلزال وطلب المساعدات الخاصة فيها حتى لتسيس الوضع وأخذ الحادثة لأبعاد سياسية تناسبها، وهذا ما أكده مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، الدكتور كرم الشعار، بألّا دور مباشر للعقوبات بعدم إيصال المساعدات لسوريا.

الشعار قال لـ”الحل نت”، أنه ومن خلال تواصله مع وزارة الخزانة الأميركية، أشار إلى انفتاحهم لدخول معدات ثقيلة من أي بلد لرفع الأنقاض واحتمال معاقبة الطرف الذي أدخل هذه المساعدات هو صفر بالمئة تماما. مضيفا أن أي جهة باستطاعتها أن تأخذ من وزارة الخزانة موافقة مسبقة وغير مكتوبة في حال كان التنسيق على مستوى الحكومات.

خضعت الحكومة السورية للعقوبات والحظر الدولي عبر مجموعة واسعة من المجالات في السنوات الأخيرة. تم تطبيق هذه العقوبات كوسيلة للضغط على الحكومة لتصبح أكثر عرضة للمساءلة عن أفعالها ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. وتتفاوت قوة هذه العقوبات، فبعضها يستهدف الأفراد والكيانات داخل الحكومة، بينما يؤثر البعض الآخر على المؤسسات التي لها صلة مع الحكومة وتساعدها على تجاوز العقوبات سواء تجارية أو منظمات المجتمع المدني. 

تعليقا على صور طائرات المساعدات التي وصلت من دول عربية وأجنبية إلى مطاري حلب ودمشق، أفاد الشعار أنها “وصلت من دون أي اعتبار للعقوبات ولا التقديم على استثناءات من الدول الأوروبية أو أميركا”، مبينا أن وصول المساعدات للأهالي في مناطق سيطرة دمشق أقل بكثير من المساعدات اللي وصلت لتركيا، إشارة إلى أن ذلك لا يندرج تحت الخوف من العقوبات، إنما “لقناعة الدول المتبرعة الواقعية بأن بشار الأسد وأعضاء الحكومة السورية حرامية”، وفقا للشعار.

اللعبة السياسية والعقوبات

أميركا والاتحاد الأوروبي فرضوا عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية منذ عام 2011، طالت أشخاصا وشركات. العقوبات متعددة وتنص على تجميد الأصول في البنوك الأميركية لأي من الكيانات والشركات والأشخاص الذين فُرضت عليهم تلك العقوبات، ومنع جميع الشركات الأميركية من التعامل معهم. كما بدأت الولايات المتحدة الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات في الحكومة وشركات اقتصادية مرتبطة به بموجب قانون “قيصر”.

الخبير في شؤون العقوبات الدولية، جيفري شوت، أوضح لـ”الحل نت”، “أن أحد الأهداف الرئيسية للعقوبات هو حرمان دمشق من الموارد التي تحتاجها للحفاظ على نظامها القمعي”. وغالبًا ما ينطوي ذلك على استهداف قطاعات البنوك والطاقة والنفط، فضلا عن منع الوصول إلى المساعدات الأجنبية ورؤوس الأموال  التي تدعم المؤسسة العسكرية. علاوة على ذلك، فُرضت قيود على صادرات الأسلحة إلى المنطقة، بهدف منع الحكومة السورية من الحصول على أي معدات عسكرية يمكن استخدامها لمزيد من قمع مواطنيها. 

وفقا لحديث شوت، فإنه لا يمكن إنكار أن هذه العقوبات لها تأثير كبير على قدرة الحكومة على تمويل نفسها، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي ويساعد على تمهيد الطريق للتغيير السياسي الذي تمس الحاجة إليه.

في السياق السوري، وبالنظر إلى أن البلاد بالفعل في خضم أزمة إنسانية حادة وأكثر من نصف السكان بحاجة إلى المساعدة، وفقا للأمم المتحدة. فإن حصر المساعدات والخدمات على الشعب السوري من خلال الحكومة سيكون مخالفا للحدس لحل الوضع الحالي، لذلك فإن دمشق هي من تصر على تمرير المساعدة من قبلها وهذا ما ظهر في تصريح سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، طبقا لحديث شوت.

وبحسب الخبير في شؤون العقوبات الدولية، لا تشمل العقوبات الحالية المفروضة على سوريا أي تقييد على المساعدات الإنسانية؛ لأنها تعتبر مساعدات أساسية لمساعدة أولئك الذين يعانون من أوضاع هشة، داخل وخارج الدولة على حد سواء، ولضمان حصولهم على الضروريات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية. لأنه من خلال تقليل أو إزالة القيود المفروضة على المساعدة الإنسانية، سيكون من هم في أمس الحاجة إليها قادرين على الوصول إلى الموارد الحيوية، دون أي تأثير كبير على القدرات المالية للحكومة ودون تفاقم الأزمة الحالية.

يمكن لأي دولة أن تطلب المساعدة عبر “آلية الحماية المدنية” التابعة للاتحاد الأوروبي، عندما يفوق حجم أي حالة طارئة أو كارثة قدراتها، وسابقا حاول الاتحاد الأوروبي حث دمشق على تفعيل هذه الآلية لدخول المساعدات إلى سوريا، إلا أن حكومة الأخيرة كانت تبادر برفض الآلية على مدى السنوات السابقة.

رفض دمشق كان بسبب شرط وحيد، هو إشراف وفد من أعضاء الاتحاد على توزيع المساعدات داخل سوريا، حيث تريد دمشق التفرد بآلية الاستلام والتوزيع دون إشراف دولي أو أممي، إلا أن كارثة الزلزال التي أتت على وقع أزمة اقتصادية أجبرت الحكومة السورية، أمس الأربعاء، على تقديم طلب لتفعيل الآلية.

مسؤول إدارة الأزمات في المفوضية الأوروبية، يانيز لينارتشيتش، قال إن سوريا فعلت آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي بعد يومين من الزلزال المدمر الذي هز سوريا وتركيا، مضيفا “تلقينا صباح اليوم طلبا للمساعدة من حكومة سوريا عبر آلية الحماية المدنية”، وأشار إلى أن الدول الأعضاء في التكتل متحمسة للمساهمة في تقديم المساعدة؛ تلبية الطلب، حيث سيتولى “مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” التابع للاتحاد الأوروبي بمجرد تفعيله، تنسيق وتمويل المساعدة المقدمة من الدول الأعضاء في التكتل و8 دول أخرى.

استغلال الزلزال سياسيا

لقد وضعت كارثة الزلزال في سوريا ضغطا كبيرا على المشهد السياسي العام للبلاد. ترجع هذه الضغوط إلى حد كبير إلى حقيقة أن الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد استغلت الزلزال بأسلوب ملائم سياسيا لصالحها. بينما تعرضت البلاد لزلزال مدمر منذ يوم الاثنين الفائت، تفاقمت آثاره بشدة بسبب أنشطة الحكومة نفسها.

في المقام الأول، يشير شوت إلى أن دمشق تستخدم الزلزال لإدخال أنظمة طوارئ جديدة من أجل مزيد من المركزية وتوسيع سيطرتها على البلاد. وتشمل أنظمة الطوارئ هذه الإذن بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى لأولئك الذين يُفترض أنهم “يهددون” سيطرتها، بالإضافة إلى التقييد الشديد لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الزلزال. 

نتيجة لذلك، تعرض السكان المتضررون لمزيد من الصعوبات وحرمانهم من الموارد الأساسية. وقد تسبب هذا في أن تصبح الكارثة أكثر كارثية، حيث يتم منع أولئك الذين يفتقرون إلى إمكانية الحصول على المساعدة الكافية من الانخراط في التعافي المناسب.

علاوة على ذلك، أكد شوت أن الحكومة السورية تسعى إلى إسكات أي معارضة محتملة لأجندته السياسية سواء من في شرق أو غرب شمال البلاد مع الاستفادة من الزلزال. وقد جاء ذلك في شكل زيادة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتواجد أمني مشدد، وقمع شامل لأي تعبير عن آراء معارضة من قبل المتضررين. مضيفا “لقد كشف هذا الحاجز القمعي عن النية الحقيقية للنظام التلاعب بالمأساة لضمان نجاح مساعيه السياسية”. نتيجة لذلك، تفاقم الدمار الذي أحدثه الزلزال بشكل غير عادل بسبب الممارسات القمعية ومنهجة بعض النخب للمطالبة برفع العقوبات عنه.

تاليا وطبقا لتحليل شوت، فإن دمشق تستخدم رعب الزلزال لتضخيم وتوسيع حضورها بالخطابات السياسية معتمدة على انفتاح الدول العربية في مساعدة المتضررين من الكارثة. وهذا يشمل استخدام الحقائق الكاذبة والادعاءات التي لا أساس لها لتوليد الدعم لأنشطتها، بالإضافة إلى محاولاتهم المستمرة لغرس رواية كاذبة بشأن العقوبات الدولية وآثارها على السوريين حصرا. وبالتالي ، فإن الأضرار التي سببها الزلزال يتم استغلالها بشكل أكبر لتحقيق مكاسب سياسية.

استخدم دمشق لحادثة الزلزال المأساوي بطريقة سياسية مناسبة لتعزيز سيطرتها على البلاد. وبذلك، فاقمت الآثار المدمرة بالفعل للزلزال، وهي خطوة غير أخلاقية لاستغلال المأساة لتناسب أجندات سياسية. وباختصار، استغلال الحكومة السورية لحدث مأساوي بالفعل هو أمر مخزٍ، وفق ما يراه المحللون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.