أجرت مجلة الـ “فورين بوليسي” لقاءاً مع إلهام أحمد، رئيسة اللجنة التنفيذية في مجلس سوريا الديمقراطية، في ضوء زيارتها الأخيرة إلى واشنطن. فبعد الاستسلام لمطالب الولايات المتحدة لسنوات لدى الزعيمة الكردية بعض الشروط الخاصة بها اليوم.

فقد خسر الأكراد السوريون أحد عشر ألف مقاتلاً في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة لدحر تنظيم “داعش”، واجمعوا بالاتفاق على عدم التفاوض مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن وفي الأسابيع القليلة التي سبقت الاجتياح التركي لشمال سوريا في التاسع من الشهر الحالي، عملت القوات الأمريكية على سحب دفاعاتها من على طول الحدود التركية. لذا، فإن تنحي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المشهد، أعطى الضوء الأخضر لبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجومه الدامي على شمال سوريا، والذي كان صدمةً كبيرة بالنسبة لأحمد. فبحسب احمد، تسبب الاجتياح التركي حتى الآن بمقتل ما لا يقل عن 250 كردي من ضمنهم عدد كبير من الأطفال وأجبر 300 ألف شخص على الهروب من منازل أجدادهم، بينما اختفى 300 شخص آخر.

وبعد الانسحاب الغير متوقع، قام ترامب بفعل عكسي آخر، حيث أعلن عن نيته إبقاء قوة أمريكية صغيرة في شمال سوريا للحفاظ على حقول النفط الغنية في المنطقة بعيداً عن متناول بشار الأسد وحليفته إيران. إلا أن الأكراد هذه المرة سوف لن يذعنوا بسهولة للمطالب الأمريكية. “إذا لم يكن الحضور الأمريكي في المنطقة مفيداً لنا عندما يتعلق الأمر بالاستقرار والأمن وإيقاف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فلن يكون موضع ترحيب”، أخبرت السياسية أحمد الفورين بوليسي خلال حديثها عبر مترجم.

وليس واضحاً ما إذا كان لدى الأكراد قوة كبيرة لمنع الجيش الأمريكي من الحفاظ على وجوده في شمال سوريا. إلا أن الميزة الوحيدة التي يتمتعون بها الآن هي الدعم الروسي، ومن غير المرجح أن تهتم موسكو للوجود الأمريكي المتبقي بالقرب من حقول النفط المرغوبة. فبالإضافة إلى ضمان من الرئيس الأمريكي بأن شعبها سوف يكون آمناً، تريد احمد أيضاً من الولايات المتحدة الاعتراف بمجلس سوريا الديمقراطية كحزب سياسي سوري شرعي وأن تدعم تمثيلهم في اللجنة الدستورية السورية المشكلة حديثاً.

ففي مؤتمر السلام الذي استضافته روسيا في العام 2018، اقتُرح على اللجنة التي أعدتها الأمم المتحدة إعادة صياغة الدستور السوري. حيث تتكون اللجنة من 150 عضواً من ممثلين عن المعارضة المدعومة من قبل تركيا وحكومة الأسد والمجتمع المدني، بينما تم إهمال منطقة الحكم الذاتي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا بشكلٍ واضح. فتقول أحمد: “لقد ساعدتنا الولايات المتحدة عسكرياً، إلا أنها لم تساعدنا أبداً على المستوى السياسي”.

وتسعى أحمد خلال زيارتها هذه إلى واشنطن إلى لقاء مباشر بترامب، ربما إلى جانب الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية الذراع العسكري لمجلس سوريا الديمقراطية.
وخلال لقاءها مع الفورين بوليسي في مكتبها في واشنطن، طرحت المجلة أسئلة عدة على السياسية أحمد. فبعد أسبوعين من القتال والإعلان المؤقت لوقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، يبدو الآن أن روسيا وتركيا تقاسمتا شمال سوريا. وعند هذه النقطة، ما هي أفضل نتيجة بالنسبة لكم؟ تتساءل المجلة. فترد أحمد بأنه ليس هناك إجابة واضحة. فما نسمعه هو نية القوات الأمريكية بالبقاء. ولكن كيف سوف يكون هذا البقاء لا هم يعرفون ولا نحن نعرف. نحن نريد أن نعيش حياتنا وحماية كرامتنا الإنسانية. فهناك حملة تطهير عرقية تنفذ ضد شعبنا، ليس فقط ضد الأكراد وإنما ضد المكونات السكانية الرئيسية المتواجدة في شمال شرق سوريا. فالمنطقة التي تستهدفها تركيا ليست فقط منطقة كردية. إن غالبية السكان في تلك المنطقة هم من السريان والعرب والمسيحيين. إنهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم. وتضيف بأنه هناك حاجة ملحّة لوقف هذا المشروع التركي وإيقاف عواقبه.

وعند سؤالها عما إذا كانت القوات المدعومة من تركيا ملتزمة بوقف إطلاق النار، أجابت أحمد بالنفي، مضيفة أن الهجوم في منطقة كوباني وبلدة رأس العين الحدودية لا يزال مستمراً. وحيث تقول أحمد: “فقط انظر إلى مقاطع الفيديو التي تم تسريبها والتي تصور أفعالهم. لقد شاهدنا تسجيل فيديو للجيش الوطني السوري يقوم بالتمثيل بجثة مقاتلة كردية، ويدوسون جثتها بينما يرددون شعارات الجهاديين. واليوم، شاهدنا تسجيل فيديو لهم حيث يختطفون امرأة عربية كانوا يدّعون أنها كانت مقاتلة، لكنها مدنية. إنهم ينفذون أحكام إعدامات عامة، ينهبون ويستولون على أملاك الناس. البعض من قادتهم هم من تنظيم داعش”.

وعندما سألتها المجلة عن المستقبل الذي تريده لشعبها، أجابت أحمد بأن مشروعهم يتلخص في إقامة دولة لا مركزية، حيث توجد مجالس مدنية محلية وحكومات محلية تضمن حقوق المكونات السورية المختلفة، وتضمن حرية الدين وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين. مضيفةً بأنهم يريدون ضمان حقوق الشعب الكردي في الدستور السوري الجديد. وتضيف قائلة: “نحن لسنا ضعفاء. ما زلنا أقوياء. ويمكننا التحدث عن هذه القضايا”.

وكان الجنرال مظلوم عبدي قد شكر الرئيس ترامب على جهوده لوقف الحرب، لكن أحمد انتقدت الإدارة الأمريكية في شهادتها أمام الكونغرس. وعند سؤال المجلة عن السبب، أجابت أحمد بأن عبدي شكر ترامب على تدخله لوقف التوغل التركي وعلى جهوده لوقف الحرب. بينما هي انتقدت الإعلان المفاجئ عن انسحاب القوة الأمريكية والكارثة التي وقعت مباشرة بعد الانسحاب مشددة بالقول: “سوف أنتقد هذا التصرف دائماً”.

وعند سؤالها عما إذا كانت تشعر أنهم تعرضوا للخيانة من الإدارة الأمريكية، أوضحت أحمد أنهم تلقوا وعوداً كثيرة ليس فقط من ترامب وإنما من مسؤولين أمريكيين آخرين بأنهم سوف يبقون حتى يتم التوصل إلى اتفاق سياسي وحتى يتأكدوا من هزيمة تنظيم داعش بشكلٍ تام بما يؤكد ضمان تمكين الأمن والاستقرار في شمال شرق سوريا. لكن لا شيء من ذلك تحقق قبل أن تنسحب القوات الأمريكية. مضيفةً أن الأسوأ من كل ذلك كان السماح للأتراك باستخدام المجال الجوي السوري.

وعند سؤالها عما إن كانوا سيتفاوضون مع نظام الأسد بعد مغادرة الولايات المتحدة؟ أجابت أحمد: “لقد حثّنا المسؤولون الأمريكيون قبل ذلك على التريث والانتظار، كانوا يقولون لنا دائماً بأنه إذا ما تواصلنا مع النظام السوري فسوف ينسحبون من المنطقة. اليوم وبعد التوغل التركي بدأنا بالطبع بالبحث عن خيارات أخرى. لن ننتظر الآن أي اقتراح أو توصية من أي بلد آخر”.
وعند سؤالها عما إذا كانت تثق بالروس كونهم يتحدثون إليهم أيضاً، أجابت أحمد بأنهم كانوا يثقون بالأمريكيين أيضاً، لكنهم ومع الأسف فتحوا المجال الجوي أمام تركيا. مضيفةً أن الروس أيضاً لا يمكن الوثوق بهم عندما يتعلق الأمر بذلك, وأضافت قائلة: “لدينا خبرة سابقة مع الروس في عفرين”.

وعند سؤالها هل بقاء الولايات المتحدة في شمال سوريا عند هذه النقطة يعقد الأمور بالنسبة لكم؟ أجابت أحمد بأن لبقائهم فوائد ومضار. فهذا سوف يعقد الأمور، لكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون للبقاء الأمريكي بعض السمات الإيجابية. وتضيف: “نحن بحاجة إلى بعض الضمانات من الولايات المتحدة: أولاً، المساهمة في الوصول إلى حل سياسي في سوريا وأن لا يُترك الحل السياسي فقط في أيدي نظام الأسد. ونريد أيضاً أن نشارك في العملية السياسية. لقد تم استبعادنا حتى الآن. أحد الشروط هو التسوية السياسية التي نحتاج إلى أن نكون ممثلين فيها”.
إذاً، إذا ما رفضت الولايات المتحدة الموافقة على هذه الشروط، تسأل المجلة، هل سوف تخبرين ترامب بأن القوات الأمريكية لن تتمكن من البقاء في المنطقة؟ فتجيب أحمد: “بالطبع”.
وتتابع المجلة: تنظر تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية كفرع من وحدات حماية الشعب (YPG) التي لها صلات بحزب العمال الكردستاني (PKK)، ما هي علاقتكم بحزب العمال الكردستاني؟ لتجيب أحمد: “ليس لدينا علاقات تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني. نحن لسنا جزءاً من الـ PKK. نحن لا نتلقى أوامرنا من حزب العمال الكردستاني. لكن يجب أن نسأل أنفسنا عن سبب تأسيس حزب العمال الكردستاني في المقام الأول وعن السبب الذي أدى إلى وصفه بمنظمة إرهابية. السبب لأنه يقاتل داخل تركيا دفاعاً عن الشعب الكردي. ولأن تركيا دولة تابعة لحلف الناتو فقد صنفوا حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية. حزب العمال الكردستاني لم يستهدف أبداً مصالح الولايات المتحدة ولا أي دولة أخرى في حلف الناتو. إنه يشكل مشكلة فقط لدى تركيا”.

وتختم المجلة لقائها بسؤال أحمد عن رأيها بقول ترامب أنه على الولايات المتحدة أن تغسل يديها من الشرق الأوسط حيث يقاتل الناس بعضهم البعض منذ مئات السنين من أجل “رمال ملطخة بالدماء”. فترد أحمد بالقول: “ليست الشعوب من تقاتل بعضها البعض، إنما الأنظمة الاستبدادية هي التي تفعل. ليس الناس ضد الناس. إنها الحكومات أو السلطات ضد الناس. يمكنا نحن جميع السوريين من أكراد وعرب العيش مع بعضنا البعض بسهولة لو لم تتدخل تركيا. فلمدة ثمانية سنوات متواصلة من الحرب استطعنا في شمال شرق سوريا من أن نعيش سوياً، عرب وأكراد وسريان، وكنا الجزء الأكثر نجاحاً في سوريا. الناس هناك هم تماماً مثل أي أناس آخرين. يريدون السلام ويريدون الاستقرار وهم لا يحبون القتال”.

ترجمة (الحل نت)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.