الكاتبة والناقدة والإدارية ديانا جبور ذات تاريخ طويل في الحضور الكلي في الحياة الثقافية السورية، فهي احتفت بالمثقفين والمبدعين السوريين بملفات خاصة على صفحات جريدة “الثورة” في تسعينات القرن الفائت، واحتفت بهم في برنامجها الحواري التلفزيوني “طيب الكلام”، وهي التي عالجت العديد من القضايا في أعمالها التلفزيونية من “حنين” إلى “خريف العشاق”، وأخيرا “شرف”. عن عملها الدرامي الأخير، وتفاصيل مختلفة في الدراما السورية، وكذلك إدارتها لشركة “إيمار الشام”، كان لـ”الحل نت” هذا الحوار.

س- العمل الدرامي”شرف” يناقش قضية مفصلية في حياة نساء الشرق، مفهوم شرف “المرأة”. ماذا تريد الكاتبة ديانا جبور أن تخاطب المشاهد السوري- الشرقي من خلال قتل النساء من بوابة “جرائم الشرف”؟

ج- العمل الدرامي”شرف” محاولة لقول أن الشرف أوسع بكثير من المفهوم البيولوجي الذي استكانت الناس له، وأعفت حالها من مسؤوليات الشرف الأوسع، وعملت على أن الشرف البيولوجي يكفي، ونعفي حالنا من تجليات الشرف الأخرى الأخلاقية والسلوكية، وهو محاولة لتسليط الضوء على أن الشرف المفقود أوسع وأشمل بكثير من العذرية والتحديد البيولوجي.

عندما تصادر حقي بالاختيار هذا يندرج من باب قلة الشرف، وهناك أطر مستقرة ومقبولة اجتماعياً، لكن الزوج يمارس عنف ما، أو غريزة منفلتة تجاه زوجته هذا أيضا يندرج من باب قلة الشرف، ليس هناك قلة شرف وأخلاق أكثر من مصادرة حق الحياة.
فمنع حق الحياة تحت ذريعة الدفاع عن الشرف هذا منتهى قلة الشرف، هذه الفكرة الأساسية بالعمل الدرامي، وهو لا يعنى أن العمل عبارة عن دروس أخلاقية تربوية، كل ذلك يندرج في إطار درامي للقول أن هذه الشخصيات من لحم ودم، يمكن تغلط مرة وتصيب مرة، وتحتاج لقدر كبير من التسامح والتفهم.

س- من شارة “شرف” هناك مفردات” دم، تفاحة، سنونو، وصور لمجتمع هذا العمل”. ما هي حكاية شخصية أسيا؟ التي قالت أمل عرفة عنها: “أسيا لم تنتهي بداخلي.. أعطيتها شغفي ودمعي وتعبي وأعطتني متعة ودهشة ومعرفة”، بحضور (صارم، جوان خضر)، والنساء المضطهدات في العمل؟

ج- بصراحة أنا لم أشاهد العمل كاملاً، سوف أشاهده مع الجمهور في منتصف شهر حزيران، لكن شاهدت لقطات ومشاهد، بالحقيقة اعتقد أن أمل عرفة لديها ميزتان تجعل من أدائها قيمة مضافة للورق، أولاً: هي فنانة موهوبة، ثانياً: هي فنانة تعبانه على حالها ومثقفة، لا تتعامل مع السطح الأول، أعتقد أن الحظ أسعفنا بها.

الآن أسيا كانت شاهدة على تجارب دموية، وأمها كانت تقول:” الحقيقة لأهل الفتاة المتهمة، فهي بلحظة ما سألت ذاتها هذا السؤال الأخلاقي، أي أهم قول الحقيقة أو التضحية بحياة فتاة، أو الكذب وإنقاذ حياة فتاة وروحها، وإنقاذ أخوها من الحبس وأمها من تعذيب الضمير، بذلك تنقذ العائلة بأكملها تماما، فتقرر أن تختار الطريق الأكثر رأفة بالضحايا والضحايا المحتملين، لكن هذا طريق يوصلها لمكان يصعب فيه الاختيار ما بين الأخلاق وبين المهنة، وتتورط.
نحن في الدراما نقول: أننا كلنا خطاؤون، ومهم جدا أن نغفر لبعضنا، ومهم كثيرا أن من يرتكب خطأ يرجع يقف مع ذاته، ويصحح مسار الخطأ الذي ارتكبه، وبالتالي الشرف ليس مثلما كان يقال: “شرف البنت زي عود الكبريت يولع لمرة واحدة مع تعدد التجليات للشرف”.
أسيا تعود وتقف مع ذاتها، وتصلح الانحرافات التي أصابت نواياها الطيبة تجاه موضوع شائك.

س- الدفاع عن الحب في” شرف” من بوابة الخطيئة يستدعي جريمة شرف، المرأة ضحية، هل يمكن أن ندافع عن مسألة نبيلة بوسائل دنيئة؟

ج- الحقيقة أن هذا الموضوع بالدراما مطروح بشغف أعمالنا بالقضايا النبيلة التي ندافع عنها، السؤال يشبهني كثيرا، ولا يمكن فرض مسطرة بالحياة، هي أكثر تعرجاً ورحابة من أن نضع مسطرة أو آلة نقيس فيه الزائد عن هذه الآلة أو نأخذ موضوعا لا يأتي على مقاس الآلة، وهذا جواب أشكالي أتركه للمتلقي عند المشاهدة ليتابع لأنه أرغب أن تتفتح إنسانيتنا وتأخذ إبعاد جديدة، كلنا نتعامل مع بعضنا كما لو أننا نخدم عسكرية وليس أي عسكرية، في فرقة نزع ألغام يعني غير مسموح بالخطأ لمرة واحدة وبعدها سينفجر بك اللغم، يا أخي أنا لست خبير ألغام، ولا أخدم العسكرية، أخوض بنهر الحياة وهم يقدم أشكال وألوان.

س- النساء اللواتي يمارسن حريتهن في اختيار (الإنسان، الشاب) في” شرف” والمجتمع يدفعن ضريبة خيارهن، هل الدراما قادرة على تغير واقع “طائفي” أو التخفيف منه في واقع صوت الرصاص فيه أعلى من كل صوت خلال السنوات الأخيرة؟

ج- الدراما تعكس واقعنا من دون شك، وتمارس دور في تغيير الواقع، لكن ليس بين ليلة وضحاها، هي تضع أحجار من نوع، ومن الضروري أن من يتصدى للإنتاج الدرامي أو العملية الفنية الإبداعية أن يكون يمتلك رؤية، ويميز بين نشوة النجاح، أو نكتفي بجلد الذات عندما نريد أن نتعمق أكثر، وهل عرض المشكلات متاح، بمعنى القدرة على الاستيعاب، والسعي للخروج من النفق الأسود الذي نحن فيه، وعرض التباينات على أن الاستمرار بالنفق الأسود قدراً، وهو المعروض بهذه المرحلة، أعتقد أن الدراما ممكن تمارس دوراً في هذا الاتجاه، لكن ليس فوريا، مشروع طويل.

موضوع الطوائف دراميا يؤخذ بحساسية عالية أو بحذر يعني عندنا مشكلة الطوائف بين الديانة الواحدة، ومشكلة الزواج بين الديانات المختلفة، نحن بسوريا لدينا إشكالات كثيرة، أكيد هذا يستحق بحثه في أطار إنساني، وقانوني وديني، وبذات الوقت لا نذهب إلى المكان الذي ننكر فيه كل الموقف الديني، يجب الأخذ بوجهة النظر الدينية المتنورة الحداثية تجاه هذا الموضوع، وهناك في مؤسسات راسخة تحاول أن تقمع هذا الاتجاه وتبعده عن ساحة التأثير، يعني أنا مع أن الأعمال الدرامية ما تقول أنه ما فارقة معي، فتتم مقاطعتك، لكن يمكن اعتماد فتاوى أو اجتهادات متضمنة، يعني قصدي تبني وجهات النظر الأكثر تحرراً وحداثة.

س- إدارة منصة” وياك” لم تعرض العمل الدرامي خلال شهر رمضان نظرا لجرأة القصة المطروحة، هل هناك زمن لطرح الجرأة، وزمن لغير الجرأة؟، أم القصة تشويق للمشاهد؟

ج- كان مقررا زمن العرض، وتم تداول الرأي أن هذا موضوع موجه لفئة عمرية محددة، وشهر رمضان الكريم له طقوسه وأجواءه، وله مناخ عائلي مقدس.
وأفضل للعمل أن يعرض خارج هذا المناخ مع الاستعداد النفسي لتلقيه اليوم.
والجرأة جزء من خاصية الموضوع، وهذا يتطلب راعيه في الأعمال الدرامية الرمضانية، حتى مشهد الحب، ومشهد القتل يحتاج راعيه، وسن المشاهد مفتوح من السبع سنوات إلى السبعين، أما خارج رمضان يصبح الهامش أوسع، ويمكن تخصيص فئة عمرية لمتابعته.

س- هناك اختيار مخرجين شباب من قبلكم مثل مجيد الخطيب و باسم السلكا، ما هو دافع الاختيار؟

ج- هذا خيار، حتى عندما اقترحنا موضوع الشغف أنا ومجيد قدمناه كثنائي لم أذهب لرؤية مخرج (هذا مشروعنا أنا ومجيد)، وأنا شباب رغم عمري، شابة بعقلي وبروحي، فالتقيت أنا ومجيد بالقصة.
في الجيل الشاب مجيد من جيل بشكل خاص دارس تعبان على ذاته لازم نتبناه، ومن حقه أن يأخذ فرصته، وأن يقدم رؤيته، وبالتأكيد رح يقدم شي خاص فيه، قد يشكل إضافة، يعني لازم تلك الوجوه الشابة خاصة التي شرعت رؤيتها ودراستها أن تأخذ حقها، وتقدم رؤيتها.

لا يوجد ثبات في الفن، قصدي الشباب قيمة لأنه الفن يحتاج إلى موجات مثل الموجة الأخيرة في فرنسا، هي ثلاثة أو أربعة نقاد شباب كرسوا سينما لم يلغوا الذين سبقوهم، ولم يلغوا الموازي لهم، الفن يحتاج كل جديد.

ذات مرة كنا بجلسة وفيها ناشطات نسويات ومنهم أجانب، فقالت أحدهن: آسفة ما كنت معكن بالفترة الماضية لأنه ولدت، فسألت ماذا ولدت؟!، قالت للأسف صبي، قلت لماذا للأسف صبي، قالت: بما أن نسوية كنت أفضل أن أنجب فتاة تتبني القضية النسوية.

قلت لها: بالنسبة لي أن يكون رجل نسوي، لا يقل أهمية عن الفتاة النسوية، بالعكس ماذا استفيد أذا بقيت أقول أنا نسوية، والرجل الذي في جواري لا يعيرني الآذان الصاغية، أنا أرغب في شريك نسوي، أكيد هناك وعي فطري، هذا يأتي بالخبرة والاطلاع والثقافة والاحتكاك، وهذا كان محيط لمجيد، وهو من حق وحقيق رجل مؤمن بالقضايا النسوية.

س- العمل الدرامي” على قيد الحب” للكاتب فادي قوشقجي، والمخرج باسم السلكا، أعاد الكبيرين” دريد لحام، وأسامة الروماني” إلى الدراما التلفزيونية، كيف جرى ذلك؟

ج- توفقنا جميعا على أهمية وجود الكبيرين دريد لحام، وأسامة الروماني في “على قيد الحب”، والشركة تملك إيمانا بالكبار أنهم أباء لنا، ولا يجب بأي شكل من الأشكال أن تتم القطيعة معهم على العكس تماما.
والجميل أنه عندما تم عرض العمل الأجيال الصغيرة تأثرت بالثنائية وبنهاية عرض مسرحية “غربة” أكثر بكثير منا نحن الذين نعرف المسرحية، هذا يعني أنك قادر على إحداث تدفق واستمرار لإرثنا الثقافي دون حالات القطيعة القسرية التي حدثت بالفترة الأخيرة.
لا أدري لما لم يتم الاحتفال كما يجب، ربما نحن لا نحب كبارنا أو ربما لعب الموقف السياسي نوعا ما، أي يوجد مواقف سياسية حجمت نوعا ما من هذا الاحتفال، ولكن بالعموم رأيت الكثير احتفلوا بعودتهم أو بثنائيتهم (دريد لحام، وأسامة الروماني).

الهدف من هذا العمل الفني ليس الربح المباشر، بل الرغبة في إعادة ألق الدراما السورية وجاذبيتها الآسرة، والأسماء المهمة التي شكلت وعينا، بهذه الأسماء، ونضيف عليها نادين خوري وجرجس جبارة أقصد جيل كامل.

س- وجود كم كبير من النجوم في العمل الدرامي” على قيد الحب”، إلى جانب فريق فني يحتاج لقدرة إنتاجية كبيرة في الشركة، وإمكانية تسويق جيدة، كيف يتم ذلك؟

ج- هناك محطات قاطعت العمل بسبب وجود بعض الأسماء فيه (حكينا عن الأثر السياسي)، وللأسف هي محطات “مجزية” ماديا، وبالمقابل يوجد العديد من المحطات أخذت العمل وبعضها لا بأس في مستواها المادي، وبالتالي يمكن القول أننا متعادلين من الناحية المادية.
سياسة الشركة هي عدم التقطير، لكن عدم الإسراف أيضا لأن الإسراف لا يفيد ويحدث حالة غير صحيحة، وبالتأكيد عدم التقطير هو شيء أساسي لعملنا، لأن العمل الفني الإبداع يحتاج إلى سخاء، والإنتاج جزء مكمل للإبداع.

ورغم المنافسة الشديدة، وخاصة وجود أعمال تضرب على الوجع حارة جدا مع ذلك فاجأني نسبة الإخلاص والوفاء الهادئ الانسيابي للعمل، لأن الناس تحتاج حالة إلى الحنان والسلم، وحالة الاختلافات والخلافات البشرية التي نملكها مثلا (المقاطعة بسبب الخيانة أو ارتفاع الصوت أثناء الحديث)، أي أننا لا نحدث معركة فقط ونضرب رشاشات ومسدسات من أجل شحنة مخدرات الحياة ليست هكذا فقط، بل الحياة تملك هذا الجانب الحميم والأساسي في العلاقات الإنسانية.
من حسن الحظ لم نقدم عمل من نوع الأعمال المعروضة وقدمنا عمل مختلف تماما ولكن يحتاجه الإنسان.
وأخذت الشخصيات مسارات دون ربطها بالشرط العام، وهذا يعني تقديم دراما طبيعية دون أن تكون معقمة دراما افتراضية تفصلك تماما عن الواقع، وذلك يكون لهدف ما، لا أوافق عليه ولكن أفهمه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة