يعد المخرج السوري محمد ملص صاحب رؤية وأسلوب خاص في العمل السينمائي، وهو مؤسس سينما المؤلف في سوريا التي تعيد صياغة التاريخ والحاضر من رؤيته الخاصة في صيغة بصرية سينمائية، فمنذ فيلمه الطويل الأول “أحلام المدينة” عمد كعاشق التعبير بالصورة شديدة الاهتمام بتفاصيلها، وجاءت أفلامه القصيرة (اليوم السابع، نكسة ال67، قنيطرة 74، الذاكرة، وفرات) لتؤكد على أسلوبه الخاص في النظر إلى الماضي والحاضر التي تقوم على شاعرية الصورة بخصوصيته الذاتية مع الموضوع.

وفيلم”الليل” في العام 1992، هو الأخير مع المؤسسة العامة للسينما، لينتقل بعدها إلى “باب المقام” بتمويل خاص، و”سلم إلى دمشق” من إنتاج (فرنسي- لبناني)، لينقطع عن عشقه في صناعة أفلام سينمائية لمدة عشر سنوات، ويعود بفيلم جديد عن الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، حيث جرى تصويره في مرسم الفنان الواقع في حي عين كرش القريب من السبع بحرات بساروجا، حارة الورد.

ماذا قال محمد ملص لـ”الحل نت”؟

هناك كانت الكاميرا تأخذ العديد من اللقطات الثابتة للعديد من “بوسترات” معارض يوسف عبدلكي منها “اليدين المربوطة لإنسان” الذي عرض في صالة الشعب في العام 1978، إلى لقطة بوستر” الجنرال” الذي قدم في صالة أورنينا بالصالحية –جادة شرف، في شهر أيار من العام 1978، إلى بوستر “السمكة” خان أسعد باشا في السادس من أيار في العام 2005، بحضوره شخصيا في المعرض لأول مرة بدمشق بعد غياب أكثر من عشرين عاما، وكانت تشرف على المعرض غاليري أتاسي.

عن آلية عمل المخرج محمد ملص على اللوحة الأساسية من لوحات يوسف يقول لـ”الحل نت”: “الصعوبة التي نواجهها في لحظة نريد التعبير عنها، علاقة الشخصيات الأربعة بالنظرات مع من رسمها، لأن اللوحة تنتمي إلى ما رسمه الفنان يوسف عبدلكي بعد العام 2011، ورسم شخصيات نسائية تزور أبناءها أو أزواجها في السجن، فهن كما رسم ينتظرون، وينظرون نحو المتلقي المشاهد العادي للوحة، أي هي عبارة عن بورتريه في نظرتهم ليس للمتلقي، وإنما للفنان الذي رسم، باللوحة أربع نساء وطفلة، كل شخصية من الشخصيات ونظراتها للفنان الذي رسمها، ترى بعد أن أنجز يوسف رسمهم بقية نظراته لهم، وهل تحمل نظراتهم الخاصة لحظة الانتظار؟!”.

وأكد المخرج ملص أن النظرة تختلف بين لحظة وأخرى بالقول: “لأننا بين اللحظة الأولى التي شاهدنا فيها هذه اللوحة التي هي إنجاز عبدلكي لعمله، نحن ننظر إليها لوحة جاهزة، يمكن قراءتها من جديد”.

وحول العلاقة بين الطفلة في اللوحة والفنان في الفيلم، تحدث إلينا: “العلاقة الأساسية من الدافع أو الخيال بين أي سينمائي يكتب هذه العلاقة المرسومة موضحاً دفء العلاقة الوجدانية مع الرسام”.

وأضاف أنه “ليس للفيلم حتى الآن تمويل، نحن نصور صفر إنتاج، وبمبادرة من طاقم سينمائي، فريق تصوير وافق على القيام بالتصوير، وكل ما احتاجه لصالح الفيلم، وقد إمكانيات تقنية ووسائل وأدوات للتصوير ذات أهمية كبيرة للغاية لدرجة أني لم أطلب شيئا إلا كان موجودا”.

وعند سؤاله عن أن الفيلم ضمن سلسلة أفلام التشكيليين السوريين، قال: “هذا الفيلم ليس ضمن سلسلة، أضيف إلى سجلي السينمائي خلال سنوات عمري في الحياة السينمائية، أضافه جديدة في هذه المحاولة لا أسعى لتقديم صورة إضافية لما فعله يوسف خلال الزمن الماضي، أسعى لرسم بورتريه له، ولتجربته على صعيد اللوحات”.

أحاديث يوسف عبدلكي لـ”الحل نت”

الفنان يوسف عبدلكي من مواليد مدينة القامشلي في الشمال الشرقي السوري في العام 1951، درس حتى الثانوية في مدينة القامشلي، وحصل على إجازة من كلية الفنون الجميلة بدمشق في العام 1976، وحاز على دبلوم من الدراسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس بالعام 1986، وحصل على الدكتوراه في الفنون التشكيلية من جامعة باريس الثامنة في باريس بالعام 1989.

وفي سجله حوالي 40 معرضا فرديا كان بدايتها في قاعة معهد الحرية في دمشق بالعام 1973، وصالة الشعب في العام 1978، وتنقل معرضه في المدن السورية “حمص، حماة، السلمية، الرقة، وأورنينا بدمشق في ذات العام)، وأقام معارض في “القاهرة، تونس، عمان، بيروت، الشارقة، صفاقس، البحرين، باريس، الإسكندرية، الكويت، ميونخ، وهامبورغ”.

وما يقارب 42 معرضا مشتركا في مدن متعددة مع أعداد كبيرة من الفنانين، واحتفظت العديد من المتاحف بلوحات له منها “ديني- لي ربان” باثنين من أعماله 1986، ومتحف معهد العالم العربي في باريس اثنين من أعماله 1990 و 1995، والمتحف البريطاني اثنين من أعماله 1993، ومتحف عمان للفن الحديث أحد أعماله 2003، ومتحف الكويت أربعة من أعماله 2004، والمتحف البريطاني ثلاثة من أعماله 2007، ويعمل في مجالات غرافيكية متعددة منذ العام 1968، وصمم مجلات وصحف عديدة منها “الموقف العربي، الأومانيته، القدس العربي، الشروق، الخليج، ملحق النهار، القرار، والأخبار”.

وله أكثر من دراسة عن الكاريكاتير منها “دراسة عن تاريخ الكاريكاتير في سوريا بالعام 1975، ودراسة عن رسامي الكاريكاتير العرب وتقنياتهم من العام 1989”. والمعرض الأخير للفنان يوسف عبدلكي كان في القاهرة في صالة “مشربية للفن” المعاصر من شهر نيسان للعام 2022، عن رباعيات صلاح جاهين الذي قال عنه: “لدي اهتمام استثنائي برباعيات صلاح جاهين، منذ ما يقارب 20 إلى 25 سنة، ومنذ تلك الفترة لدي قرار ذاتي أن أعمل عليهم، وأخيرا أتيح لي فرصة أن أرسمهم من ثلاث سنوات وأطبعهم على بلاكات الحرير”.

ويضيف خلال حديثه لـ”الحل نت”، “رسمت رباعيات صلاح جاهين في 35 لوحة، وهو في حياته كتب ما يقارب 170 رباعية في 62 سنة، لتكون اللوحات معادل بصرية للشاعرية العالية التي اتبعها صلاح جاهين، وهذا أساس المعرض الذي أقمته مؤخرا في القاهرة في شهر نيسان من العام الجاري، والذي أثار كثيرا اهتمام وفضول الإعلاميين والمثقفين والرسامين المصريين، وأعتقد مكانة صلاح جاهين استثنائية في الشعر العامي لعبت دورا أساسيا باهتمام الناس بالمعرض، وأرغب بنقل المعرض من القاهرة إلى الإسكندرية أو غيرها في المستقبل غير البعيد”.

وحول إذا ما كان هناك أفلام أخرى عن حياته أوضح قائلا: “أعتقد كل الأفلام التي صورت عني في السنوات العشرين السابقة، كانت حقيقة جميعها يحكمها منطق الريبورتاج الصحفي، وأن ما يصور اليوم يمكن أن يكون الفيلم الذي نستطيع أن ندعوه سينما فعلاً، والسبب هو رؤية المخرج فعلاً، ووجود إمكانيات لا بأس بها، من جهة ثانية هذا كله أتاح للمشروع أن ينتمي أكثر إلى أجواء السينما، وليس إلى الريبورتاج أو التحقيق الصحفي المصور”.

وعن مدى اختلاف هذا الفيلم عن غيره من الأفلام القصيرة والتحقيقات المصورة قال عبدلكي: “أعتقد أن كل فيلم رؤية خاصة للمخرج، وعندما نرى الفيلم، نتعرف على مدى تركيز المخرج على أعمالي التي صنعتها في آخر الثمانينات لمنتصف التسعينات، أو التي رسمتها عن أمهات السجناء، بينما لو كان مخرج آخر صنع هذا الفيلم لركز على لوحات فترة السبعينات أو على فترة التسعينات أو على العشر سنوات الأخيرة، بالنهاية مهما كانت رغبة المخرج بالرصد الموضوعي للموضوع الذي يعمل عليه، ذلك لا يمنع حضور بصمته ورؤيته الشخصية في العمل”.

وأكد عبد لكي على أنه يحترم “رؤية المخرج، ونظرته للتجربة، والمراحل التي مرت بها، هذه مسألة ذاتية جدا لدى كل مخرج، ويجب أن لا أكون مثاليا أو ساذجا، بأن أي مخرج سيقوم برصد أي فنان، فمثلا لدي عشرات آلاف الأعمال التي لم تشاهد في الفيلم، والتي تدخل ضمن اللوحات أو قطع الحفر أو تصاميم الملصقات أو تصاميم الأغلفة أو رسوم الكاريكاتير، إذا الفنان يريد أن يكون أمين للتجربة، لكي يستعرضها بأكملها إذ يريد أن يحلم 10 ساعات، حلم ساذج من المفروض أن يصبح الفيلم، وبالتأكيد ذلك غير ممكن بالأخير”.

وأشار عبد لكي إلى أن “أي فيلم ليس له قيمة إلا إذا رآه الناس، لتتمكن من فلمك أو لوحتك عليك احترام قدرة الناس ووقتها وإمكانية متابعة 10 ساعات، لا يمكن صناعة فيلم 10 ساعات، ولا مسرحية 10 ساعات، المهم ليس الأمانة للتجربة، وإنما الأمانة لرؤية المخرج ملص أكثر من أن يكون أمينا للتجربة، لأن بصمة المخرج هي شيء أساسي في كل فيلم”.

أخيرا فإن السينما الخاصة التي تسلط الضوء على حياة الفنان السوري يوسف عبدلكي ووجوده في الحياة الفنية التشكيلية والسياسة السورية، عبر رؤية خاصة للمخرج محمد ملص، هي سينما قادرة على الاستمرارية في الحياة السينمائية العربية والعالمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.