بعيداً عن نجومية الصف الأول للأعمال الدرامية التسويقية التي تدير حولها العديد من الشركات الإنتاج الدرامي المعارك لحيازة ترند إعلاني أو إعلامي للمساهمة في الأكثر مشاهدة ومتابعة.

 فإن أهمية ما ينجزه الكثيرون من الممثلين يتجلى بعنوان بسيط هو الإخلاص للتمثيل كفن ومهنة، والاشتغال على الشخصيات التي يؤدونها في كل عمل درامي، وكأنهم ذاهبون إلى اختبار القبول الذي سيحسمون فيه مصيرهم عبر الطريقة الفنية للواقعية الجديدة من خلال المهمات والأفعال الفيزيولوجية البسيطة، إلى خلق حياة الجسم الإنساني، ومن خلق حياة الجسم إلى خلق حياة الروح الإنسانية، وعبرها يتولد في الداخل الإحساس الواقعي بحياة الدور.

 عملية بناء الشخصية تنبع من البيئة التي يستقى منها الكاتب الدرامي مادته الأولى والتي لا تنحصر بقرية ما، أو حي شعبي، وإنما من البيئة التي نشأت فيها الشخصية، حتى لو كانت بيئة خيال علمي.

وهذا أول ما يظهر لدى البيئة المحيطة بالمؤلف الدرامي، الذي عاش فيها من وسط اجتماعي فيه من التراكم الثقافي والفكري وما هضمه من هذا الإرث الأدبي والفني والشعبي الموجود في البيئة التي ستعيش فيها الشخصية.

وجوه شبابية

الدراما السورية تحظى لهذا الموسم بالعديد من الوجوه الشابة التي عملت على تعزيز حضورها، ويتجلى ذلك في أكثر من عمل درامي يعرض على شاشات المحطات الفضائية.

دانا مارديني بمسلسل عاصي الزند تتوسط أنس طيارة يمين وتيم حسن يسار - مواقع التواصل الاجتماعي
دانا مارديني بمسلسل عاصي الزند تتوسط أنس طيارة يمين وتيم حسن يسار – مواقع التواصل الاجتماعي

وفي مقدمة تلك الشخصيات في مسلسل “الزند، ذئب العاصي” الممثلة “دانا مارديني، نجاة” التي عززت من حضورها الدرامي في شخصية الممرضة داخل المشفى وخارجها، وفي الحياة الاجتماعية التي تعيشها على هامش العمل من خلال تفاعلها في الحلقات الأولى مع أخت عاص وولديها، وعند معرفتها بموت والدها “جريس جبارة”، إذ عبرت عن حزنها وانزعاجها بالصمت، ورد الفعل في الوجه، ما يعبر عنه طبياً بالقوة التي تصيب الوجه، ولا تستطيع العودة إلى الحالة الطبيعية للوجه إلا بعد مرور فترة زمنية إلى جانب العلاج.

أداءها يتعمق عبر رد الفعل بعيداً عن الضجيج والصراخ الذي يعج به الموسم الدرامي، وتعطي لحظات الحزن والفرح حقها، إذ تفرح عند شراء عاصي القرية، وانتزاعها من براثن الباشا.

الشخصية الثانية في العمل هي” أنس طيارة، الباشا”، الذي استطاع تحقيق حضور كبيراً في مواجهة الأداء القوي للنجم “تيم الحسن، عاصي”، فالباشا هي الشخصية الأساسية التي تقوم بالفعل في ريف نهر العاصي عبر تثبيت سيطرته وهيمنته على الإنسان والأرض والمحصول، وكل ما يؤكد استمرارية الأرستقراطية الفلاحية في إعادة إنتاج الإقطاعية، المتحالفة مع العسكر العصملي، كجزء من دولة السلطنة العثمانية.

هذا التحالف يظهر عندما يعتقل هذا العسكر “الزند” على أبواب قاعة المزاد حول القرية التي يرغب الباشا في استمرار الهيمنة والسيطرة عليها من خلال الشراء المباشر، ولا تفرج الدورية عنه إلا بعد أن يلتقي أفرادها الرشوة في أكياس الذهب، وهذا ما يمنحه فرصة دخول المزاد في مواجهة الباشا. لنجد الأداء الجيد من قبل “أنس، الباشا”، في الرد على حركات عاصي في رفع سعر القرية بالمزاد، ويفضح الباشا أخت الشخصية التي ترافق “عاصي” وعلاقته بها.

ويكثف نورث شخصية الباشا بالتعجرف النرجسي، بسبب تشربه الاستبداد وضرب الناس بالكرباج منذ الصغر، ولم يعطِ أخته فرصة للزواج من خلال رفض زواجها من “محمود أغا، جابر جوخدار”.

الشخصية بالأداء والأسلوب

من الشخصيات المؤثرة التي غادرت العمل بالموت. هي شخصية “عفراء، نانسي خوري” التي ضحت بنفسها من أجل إنقاذ أخيها عاصي من ضربة خنجر غادرة، وهي التي ضربت أخيها لحظة وصوله إلى بيته في القرية، في دفاعها عن ذاتها وأولادها. وللموسم الثاني تموت شخصية نانسي، ففي العمل الدرامي “كسر عضم” ماتت شخصية “نهى” قبل نهاية المسلسل.

 نانسي خوري في "الزند" - موقع "فوشيا"
نانسي خوري في “الزند” – موقع “فوشيا”

 إن الشخصيات التي تختارها الممثلة نانسي خوري مؤثرة وحقيقية ابنة الواقع السوري المكسور المهمش والضعيف في “كسر عضم”، وفي “الزند” ابنة الواقع الفلاحي المغلوب على أمره ينفذ ما يرسم ويخطط له، وعندما يتقدم ليتخذ موقفاً واضحاً يدفع ثمن هذا الموقف حياته.

الشخصية في أي عمل درامي لا يتوقف على عدد المشاهد التي تقف فيها هذه الشخصية أمام كاميرا المخرج، وإنما بالحضور الفاعل، وأسلوب أداء المشهد، فالضربة الأولى التي تقع على رأس عاصي عند عودته هي مفتاح الدخول إلى العودة إلى حياة القرية.

 وتظهر في حياة “عاصي” من جديد في كهفه الجبلي شخصية “شمس، رهام القصار” حبيبته السابقة التي سعت إليه بين كهوف الجبال لكي تذكره بذاتها، وحبها القديم، لكنه لا يتنكر لتلك اللحظات الحميمية، ويخاطبها بأن تلك اللحظات مضت في حالها وبزمانها إلا أنها ترد على كلماته بأنها: مازالت محفورة في ثنايا قلبها، لذلك قطعت هذه المسافات للوصول إليه، وأن تلك اللحظات دمرت حياتها، ولم تعد تستطيع العيش بدونها، وتدعوه أن يجدد تلك اللحظات، لكن حياة عاصي أصبحت في قطاع ومكان آخر كقائد لعصبة من المتمردين، ولا يعطي هذه الدعوة فرصة للحياة.

 المشاهدون عاشوا لحظات لن تنسى مع المغنية البدوية “سناء الغجرية، سارة فرح” التي أدت دور في مضارب البدو حيث يشتري “عاصي” وزملائه صناديق الذخيرة، وترقص سناء للموجودين في الخيمة الكبيرة حتى انسجم العسكر العثماني، وساند الغناء وموهبتها وصوتها القوي المميز في حضور جاذب ولافت للانتباه، وإلى جانب ذلك حازت أغنية الشارة النهائية في العمل الدرامي الزند على حضور كبير لدى المشاهدين والمستمعين التي أدتها الفنانة السورية مها الحموي حيث أصبحت رنة خاصة بسبب الصوت الحنون.

الوجوه الوردية تغزو الشاشة

في العمل الدرامي الخفيف “صبايا6” من تأليف محمود إدريس، وإخراج فادي وفائي هناك عدد من الصبايا اللواتي عملن في الأجزاء الخمسة السابقة، وهن “ديما بياعة، جيني إسبر، ميرنا شلفون، نورا العايق، دوجانا عيسى”.

بوستر مسلسل "صبايا 6" - ET بالعربي
بوستر مسلسل “صبايا 6” – ET بالعربي

 مع الصبايا انضمت لهن “لين ضحية، ميرا، وندى برهوم، سارا”، وتلعب ميرا دور بلوغر في نقل إعلانات أنواع من الألبسة والمكياجات والألوان، وهي مهنة عصرية تقوم بالإعلان عن المواد عبر أدوات التواصل الاجتماعي، وتفسح المجال لكي تتعرف الأجيال الجديدة عن أنه ليس كل ما يبث على السوشل ميديا حقيقي، ويمثل الواقع، فالعمل من خلال المنزل الذي تقيم به، هي وزميلاتها من أجل ترند فردي أو جماعي. 

وإلى جانب ميرا نجد زميلتها سارة التي تظهر في علاقة ندية معها، وفي متابعة كل ما يخص شؤونها، فالعلاقة متعددة مع ميرا حتى أنها معها بالغرفة ذاتها في شقة نور والصبايا، ودائماً تحاول سارة ترقيع كل الهفوات التي تقع فيها ميرا، وتعمل في مشروع الصبايا في قسم المحاسبة.

لكن أكثر الصبايا موقفها على الصراط المستقيم دون مراعاة للتقاليد والعادات، وتعبر عن هذا الموقف دون مواربة هي “نورا العايق، هلا”، وتصدر موقفها كما يسمى بالعامية “دجني ..دجتك العافية”، وهذا ما يستدعي غالباً تدخل ميديا أو نور لإنقاذ الموقف وعلاقتها مع الصبايا الأخريات.

من الممثلات التي حققن ظهوراً كبيراً هذا الموسم “دوجانا عيسى، ملك” في العمل الدرامي “زقاق الجن” من تأليف محمد العاص وإخراج تامر إسحاق، إذ إن علاقتها بأبن عمتها الذي يتحدث إليها من خلف الجدار، ومن بوابة الدار الكبير، وتلعب هذه العلاقة دوراً كبيراً في تخريب وجودها بين أسرتها ككل، ما يدفع جدها “أيمن زيدان، أبو نذير” إلى إطلاق حكم قتلها بسبب ما يسميه العار الذي جرته  لعائلتها وأخواتها الشباب، ويحاول أخويها قتلها، لكن أخيها “مروان، حسن خليل” يمنع أخوته من قتلها، ويذهب بها إلى بيت عمها “أنور، وائل زيدان”، ويخوض حوار مع زوج عمتها جمال العلي من أجل إقناعه بضرورة تزويجها لأبنه الذي كسر ظهره، وفعلاً يستطيع ذلك، وهذا ما ينهي حالة الظهور الفردي لملك، لتعود إلى حظيرة نساء العائلة في سياق عمل البيئة الشامية.

من الوجوه الجديدة التي حفرت اسمها شخصية “زهرة، تنسيم باشا” في مسلسل العربجي من تأليف عثمان جحا، ومؤيد النابلسي وإخراج سيف الدين سبيعي حيث تصبح لها قضية خاصة بها، بسبب التآمر على أبيها “عبدو الوحش”.

 هناك شخصية “ليندا، حنين خالد”، في العمل الاجتماعي “الكرزون” من تأليف مروان قاووق، ورنيم عودة وإخراج رشا كوكش، وهي تنتمي إلى العصابة التي يقودها “ربيع، ليث المفتى”، إذ تجسد دوراً يعزز حضورها من خلال علاقتها مع “أديب، قاسم ملحو” الذي تقتله بالشراكة مع ربيع، وتسرق كل أمواله، والذهب الذي في بيته.

بينما يحقق الممثل الشاب “تيم عبد العزيز، بارود” في العمل الدرامي “النار بالنار” من تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز حضوراً متميزاً من خلال بيع اليانصيب “اللوتو”. اللبناني الذي ينادى عليه “حزي لوتو” واليانصيب السوري في الحارة البيروتية.

أخيراً، إن الحضور الشبابي للممثلات والممثلين السوريين في الموسم الدرامي الجديد يؤكد على أن حيوية الدراما السورية بغض النظر عن الموضوعات التي تتناولها في قربها أو بعدها عن المشاهد السوري فهذا الحضور يشكل نواة مشهد درامي جديد في الحياة الدرامي السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات