يبدو أن استمرار محاولات تهريب المخدرات والأسلحة إلى أراضيه من جنوب سوريا دفع الأردن إلى إدراج المبادرة الجديدة لحل الأزمة السورية على جدول أعمال القمة العربية التي ستعقد في الجزائر بداية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

 رغم التساؤلات التي تطرح حول واقعيتها وفرص نجاحها، فإن الأردن من بين الدول الأكثر تضررا من الأزمة السورية المستمرة وغياب الحلول، وقد وضعت عمّان آمالها في عدد من العوامل التي يمكن أن تحدث تغييرات في الملف السوري، قد تكون من أبرزها الدور التركي في الملف.

في المقابل، ومنذ بداية مسار العلاقة المشتركة بين الطرفين، اتسمت العلاقات الأردنية – التركية بالوفاق الأيديولوجي والسياسي، وترجم ذلك إلى علاقات اقتصادية وتعاونات عسكرية متواصلة، حاليا ومع الحديث التركية بالمصالحة مع دمشق، إلا أن التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط كالخلاف المروج له بين دول “أوبك بلس” وأميركا، وتعدي القوات الإسرائيلية على المشاعر الدينية الفلسطينية التي تعد تحت السيادة الأردنية، تضع الأردن ضمن نطاق السؤال؛ كيف سيكون دوره على استقرار المنطقة.

تلك كلها؛ قضايا ناقشها موقع “الحل نت” في حوار خاص مع أستاذ العلوم السياسية، وعضو لجنة الأحزاب في اللجنة الملكية الأردنية لتحديث المنظومة السياسية، الدكتور زيد النوايسة، الذي وجه خلال مسيرته نحو عدم “التخندق” على أسس طائفية، الذي أفضى إلى ما تشهده الدول العربية، من تقسيمات في المجتمعات، مؤكدا أن الانتماء هو أساس العمل الحزبي، ووجود أحزاب برامجية هو المطلوب في الأردن، بصرف النظر عن التوجهات.

نضوج التسوية السياسية

كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أكد في مقابلة مع صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، في وقت سابق، أن الأردن يحشد من أجل “دعم دولي وإقليمي لعملية سياسية يقودها العرب”، لإنهاء الحرب المستمرة منذ 11 عاما في سوريا، موضحا أن العملية ستشمل السعودية ودولا عربية أخرى، لكن ذلك كان مدفوعا بمخاوف عديدة أبرزها قضية المخدرات والميليشيات الإيرانية على حدوده الشمالية، سعى الأردن لبلورة مبادرة من أجل المساهمة في الحل السياسي في سوريا، وذلك بعد جمع الدعم العربي لهذه المبادرة.

حديث نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية قبل أسابيع لصحيفة “ذي ناشيونال” الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية، والتي أشار فيها أن الأردن يسعى لتبنى موقف عربي داعم لحل سياسي في سوريا، ينطلق بحسب النوايسة، من قناعة الأردن بأنه لا يمكن التعايش مع الوضع الحالي في سوريا وما يخلفه من معاناة للسوريين، ويسبب انعكاساتٍ سلبية على المنطقة بما فيها دول الجوار وأولها الأردن المتضرر من أي وضع غير مستقر في سوريا.

لذلك يرى الأردن أن على الجميع أن ممارسة دور إيجابي في التوصل لتسوية الأزمة السورية على مبدأ خطوة بخطوة وبما يضمن إنهاء “الوضع الكارثي” الذي تعيشه سوريا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية، لذلك الأردن وفقا للنوايسة، يدعم الجهود الدولية التي تسعى لإنجاز حل سياسي يضمن وحدة وسيادة الأراضي السورية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254.

في تقدير النوايسة، فإن “كل الظروف نضجت لنجاح التسوية في سوريا سواء نتيجة الاستقرار الأمني الواضح وسيطرة الحكومة السورية على مناطق شاسعة وعلى المعابر الحدودية باستثناء المعابر على الحدود التركية، والأهم من ذلك هو تبدلات استراتيجية في الإقليم وأهمها المقاربة التركية التي نجحت موسكو وطهران في إقناع أنقرة بإعادة تموضع في الملف السوري؛ لضمان مصالحها في الملف الكردي وفي ملف اللاجئين السوريين في تركيا”.

مضيفا بأنه “لابد من إنجاز حل بالتوافق مع الحكومة السورية وهو ما دعا أردوغان لإعلان رغبته بلقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، ويضاف لذلك تبدل واضح في الموقف الرسمي العربي خاصة الخليجي باستثناء موقف قطر الذي يبدو أنه يستعد لتلين موقفه بشكل تدريجي”.

فيما يتعلق بالموقف السعودي، يعتقد النوايسة، أنه يتطور بشكل كبير، حتى لو لم يتم الإعلان عنه وعودة السفارات، ولكن تبقى عقدة الوجود الإيراني هي نقطة خلاف يمكن تجاوزها في حال إنجاز تفاهمات سعودية إيرانية؛ بخاصة أن بوادر العودة للاتفاق النووي الإيراني تقترب بشكل كبير.

يؤكد النوايسة، أن أي جهد عربي لإنجاز تسوية سياسية يجب أن يترافق بحل اقتصادي بنفس الوقت يضمن عودة اللاجئين السوريين، وضمان تحسن الظروف الاقتصادية، وإعادة إعمار سوريا، بمعنى أنه لا بد من مارشال عربي اقتصادي لإنقاذ سوريا حتى تنجح أي تسوية سياسية.

اللاجئين السوريين ومركزيتهم بالأزمة

قضية اللاجئين السوريين التي تعد مركزية لدول الجوار السوري، حيث صرحت مؤخرا كل من لبنان وتركيا أنهما بصدد تشكيل غرفة لإعادة اللاجئين، وبخصوص الأردن برز اعتقادان أولهما أن عمّان ستأخذ نهج لبنان الصريح بإعادة اللاجئين، والآخر بأن موقفها سيكون ضمن سياق القديم الذي كان في عام 1980 عندما استوطن سوريون معارضون في الأردن.

استمرار العواقب المدمرة للأزمة السورية، وأن اللاجئين لن يتمكنوا من العودة لبلدهم في ظل سوء الوضع الاقتصادي بسوريا، أثار تساؤلات حول انحصار حظوظ الدور الأردني في سوريا بالانفتاح الاقتصادي. خصوصا وأن مؤخرا، أثير ملف المياه الأردنية – السورية، فكانت مطالب الجانب الأردني بضرورة التزام دمشق بتمرير كمية المياه المتفق عليها بين الجانبين، والتي تحدد حصة كل منهما في الأحواض الحدودية المشتركة.

في هذا الصدد، يقول النوايسة، إن الأردن يتحرك مع سوريا اقتصاديا، ولكنه محاصر بالعقوبات الاقتصادية الأميركية وقانون “قيصر”، وبالرغم من محاولة الملك الأردني، عبد الله الثاني، أثناء زيارته لواشنطن العام الماضي استثناء الأردن؛ إلا أن الموقف الأميركي ما زال متصلبا، لذلك يبدو النشاط الاقتصادي والتجارة البينية مرتبطة بغرفتي التجارة والصناعة في البلدين أكثر من كونها رسمية.

وفيما يتعلق بموضوع اللاجئين السوريين، يشير النوايسة، إلى أن موقف الأردن “محسوما” بأنه لن يفرض على أي لاجئ سوري العودة الإجبارية، ولن يسلك الأسلوب اللبناني المحكوم بظروف وبنية المجتمع اللبناني، وهو يتركها طواعية لمن يختار ذلك، ولكنه يعمل مع الجهات الدولية على توفير حياة كريمة، ويقرأ هذا الملف في إطاره السياسي.

وفي معرض حديثه عن الملف المائي بين عمّان ودمشق، لفت النوايسة، إلى أن هناك مشكلة متعلقة بالحقوق المائية للأردن في سد “الوحدة”، وهي نقطة خلاف دائم يسعى الأردن لحلها بالتوافق مع سوريا؛ “السوريين يبدون استعدادهم لحلها لكنهم يتحدثوا عن أن الجفاف وشح الأمطار سبب ذلك، وأنه في حال تحسن الموسم المطري سيأخذ الأردن حصته”؛ في حين أن الأردن يعتقد أن السدود الجانبية والآبار التي تحفر في الجانب السوري تنعكس على حقوق الأردن المائية بشكل سلبي، وهناك مباحثات مستمرة قد تفضي لتحقيق شيء في المستقبل، بحسب النوايسة.

السر هو “التكامل الاقتصادي العربي”

عدة ملفات تحيط الأردن محليا، أبرزها ثبات التعافي الاقتصادي في الأردن في 2022 رغم الأوضاع المعاكسة عالميا، خصوصا في مسار ضبط أوضاع المالية العامة لا تزال عند مستويات مقلقة، وهنا يلفت النوايسة، إلى أنه من الناحية الاقتصادية فإن الأردن تجاوز تداعيات أزمة “كورونا” بالرغم من آثارها الاقتصادية القاسية وعادت جميع القطاعات للعمل، وهو وفق تصوره “إنجاز”، وذلك لجملة من التشريعات التي تشجع الاستثمار، حيث أنجز رؤية اقتصادية شاملة لعشر سنوات؛ من المأمول أنها تساهم بشكل كبير في تعافي الاقتصاد الأردني الذي يعاني من مديونية تناهز 48 مليار دولار أميركي.

بالانتقال للعلاقات الإسرائيلية الأردنية التي تشهد مؤخرا بعض التوترات، خصوصا مع تزامن هذا التوتر مع جهود دبلوماسية مكثفة أجراها العاهل الأردني مع زعماء وقادة الدول العربية وبعض الدول الإقليمية والكيانات الدولية، خلال الأيام الماضية، أبرزهم الرئيس المصري وأمير قطر وولي عهد أبو ظبي، للضغط على تل أبيب لوقف الاعتداءات على مدينة القدس والتحذير من خرق الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى.

يقول النوايسة حول ذلك، إن موقف الأردن من القضية الفلسطينية الذي يتسم بالثبات والمبني على ضرورة إنجاز تسوية تضمن قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1976، وعاصمتها القدس الشرقية والمحافظة على المكانة التاريخية والقانونية للأماكن المقدسة في القدس الشريف وعدم اللجوء للتقسيم الزماني والمكاني ورفض المساس بالوصاية الهاشمية عليها. وهذه “نقاط الاختلاف مع الحكومات الإسرائيلية التي يعززها حالة غياب الحسم ووجود حكومة مستقرة لدى الاحتلال تلتزم بحل الدولتين وفقا لمقررات الشرعية الدولية 242 و338 والمبادرة العربية في بيروت عام 2002”.

وحول القمة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية، ومشروع “الشام الجديد” ذي الطبيعة الاقتصادية والاستثمارية ودور الأردن فيه، أوضح النوايسة، أن بلاده تؤمن بالتعاون الثنائي والثلاثي وبأي صيغة تعاون عربي، ولكنها ليست بديلة عن التكامل الاقتصادي العربي؛ لذلك جاء اللقاء الثلاثي بين الأردن ومصر والعراق في إطار رغبة مشتركة باستثمار الموارد والإمكانيات المتاحة لدى كل طرف الأطراف الثلاثة، وأيضا جاء التعاون الاقتصادي الرباعي بين الأردن ومصر والإمارات والبحرين لاحقا، في إطار الرغبة المشتركة للتعامل مع تحديات الأمن الغذائي؛ وهذا نهج ثابت في سياسة الأردن التي تسعى لتعزيز فرص التعاون المثمر والبناء، وفقا للنوايسة.

أما عن جولات الحوار السعودية الإيرانية برعاية العراق، يرى السياسي الأردني، أن موقف الأردن ثابت في الوقوف مع أي بلد عربي ورفض أي استهداف للأمن القومي العربي وهو يقف مع أي قطر عربي يتعرض للتهديد، بما فيها السعودية التي يرتبط معها بعلاقات استراتيجية وتعاون سياسي واقتصادي وهي الجار الأقرب للمملكة الأردنية، وبنفس الوقت يشجع أي جهد سياسي يجنب المنطقة الصراعات ويسعى لتوظيف القوى الوازنة العربية والإسلامية في خدمة القضية الفلسطينية والتنمية والسلام؛ نجاح هذه المحادثات التي ترعاها العراق سيكون له أثر إيجابي على العلاقات السعودية الإيرانية بالتأكيد وعلى ملفات اليمن والعراق وسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.