رشاد كوكش، المخرج والممثل السوري، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، عمل في مديرية المسارح والموسيقا، ممثلا، ومخرجا، ومخرجا مساعدا في العديد من المسرحيات منها (بحر، المهرج، الشعلة، مقام إبراهيم وصفية، النيزك، لا تدفع الحساب، العرس، كل شيء في الحديقة، والميراث)، وفي التلفزيون عمل مع العديد من المخرجين كمخرج منفذ ثم مخرجا في المسلسلات (رزمة نقود تأليفا وإخراجا، بيت جدي، العقاب، ظل الحكايا، وحوازيق)، ويصور حاليا العمل الدرامي الجديد “الكرازون”.

“الحل نت” كان له هذا الحوار الخاص مع الكاتب والمخرج السوري، رشاد كوكش، والذي تناولنا فيه جديد أعماله، ورأيه في الدراما والمسرح بسوريا.

المزاج العام مع “كسر عظم”

المزاج العام يتغير بين سنة وأخرى، بين موسم درامي وآخر، يقول كوكش، في تصنيفه لـ “حوازيق” في كل اللقاءات الإعلامية، “كنت أقدمه كعمل لطيف، لم أصنفه كوميدي بحت، لم أقل دراما، وصراع أجيال أو خلافات عائلية، قدمت دراما لطيفة قد تلقى القبول أو الرفض، وكوضع طبيعي، لا يوجد عمل في العالم يلقى القبول بالإجماع عليه، قدمت جهدي من أجل عمل لطيف، تحمل بعض الشخصيات معاناتها ومشاكلها لتفرغها في الفندق، ويقومون الناس(الضيوف) بتبني مشاكلهم، وفقت ببعض الحلقات، ولم أوفق ببعضها الآخر”، يقول كوكش لـ “الحل نت”.

لكن المزاج العام بسوريا في الموسم الفائت كان مع (كسر عضم، ووقف التنفيذ)، السبب، وبحسب كوكش، أن الناس شاهدت همومها ومشاكلها وأوجاعها، وحياتها اليومية، ونحن لم نقدم تلك الأوجاع، قدمنا شيء شفاف ولطيف وخفيف، وهذا الشيء ينطبق على بقية الأعمال مثل “بقعة ضوء”.

النص أساس العمل الدرامي

في تعليقه على النص الدرامي في” غفوة القلوب” يقول كوكش، إنه عندما تم رفعه على  قناة “يوتيوب” التابعة للمؤسسة العامة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني  في وزارة الإعلام، لم يلقى صدى كبير حينها، لأن توقيت عرضه على المحطات السورية كان رديئا جدا، ما دفعه للتواصل مع زياد الريس المدير العام آنذاك، للنقاش معه حول ذلك، ويتابع أنه بعد فترة وجيزة لاقي صدى كبيرا، وحقق حضور جيدا، حيث ارتفعت نسب مشاهداته بشكل كبير على منصة “اليوتيوب”، مرجعا ذلك، بأن النص كان جيد جدا.

 

حيث أن أساس أي عمل درامي هو النص سواء مسرح أو تلفزيون أو سينما، ولا يمكن لأي مخرج أو أي جهة منتجة، أن يعملوا من نص درامي رديء شيء عالي المستوى أو شيء جيد، النص الدرامي ملهم، ويلهم الشخصيات والإخراج، والإضاءة والتصوير، وفق كوكش.

 كوكش تحدث لـ “الحل نت” عن عمله الدرامي الجديد، “الكرازون”، حيث يقول إن، الاسم موجود بالأدب العربي “الكرازون”، هو رجل متستر، أو رجل متخفي، أو مختفي بقرار منه، أو برغبته الشخصية، وليس قصرا عنه، وقد كتب النص الكاتب مروان قاووق، ورنيم عودة، وتبنت شركة “أفاميا” النص، وقد أجري عليه تعديلات، ليست منه فقط، لأن العمل كان من قبل تسلمه الإخراج بين أيدي عدة مخرجين قبل وصوله لكوكش.

يبدأ “الكرازون” حكايته عن رجل ثري يذهب إلى لبنان، ليرى موضوع الأزمة المالية الاقتصادية فيه، ويلاحق أمواله وأعماله ويحدث تفجير ميناء بيروت ويتعرض للأذى، والأذى غير قاتل، وعندما يأتي صديقه السوري اللبناني، ينقذه ويقوم بمعالجته، ويأخذه للمشفى، ويفكر في تلقين ابنته درس كما لو أنه مات، وهي (مستهترة، مبذرة، مشاكسة، شرسة، قوية، ولا تفقه شيء في أمور الحياة)، لأنها تحت جناح أبوها الذي يحميها، ويبقى سؤال لو اختفى هذا الرجل، ومات، ماذا سيحصل لابنته. 

ابنته تعلم بأنه اختفى بالتفجير، لأنه لم يعد يجب على هاتفه، ويقوم بتدبير تلك اللعبة بمساعدة صديقه الصائغ، ويعود إلى سوريا ليراقب ابنته ماذا حدث لها.

قد يهمك: آخرها في “كسر عضم“.. أبرز الشخصيات الشريرة في الدراما السورية

وقعت البنت في مأزق، وهناك عشرات المتربصين بثروة عدنان بيك (أسامة الروماني) ينتظروا موته حتى يحصلوا عليها، منهم أخوه وزوجته، وصديقه التاجر، ورجل أعمال آخر، أبدى أن له ديون على عدنان بيك، لذلك تكون الثروة له، وليست لعدنان بيك، ويعمل بها، تتداخل الأحداث وتتشابك، بحسب حديث كوكش، أن العمود الفقري للحكاية هي رحلة الفتاة من اللاوعي إلى الوعي.

فتاة نامت على المليارات، واستيقظت لتجد نفسها على الحصيرة، رحلة شاقة ومؤلمة، ولكن ستنضج الفتاة، وتقطف ثمار هذه التجربة، بإشراف الأب المختبئ المتستر الذي يتابع ابنته من خلال الصائغ، الذي يكون مرافق لها ويخدمها، وينقل للأب أخبارها.

على هامش الحكاية، خط درامي يرفد العامود الفقري للمسلسل، بعصابة تتعاطى وتتاجر بالمخدرات، وتقع بيد العدالة آخر المسلسل، وعدنان بيك يلقن أخوه درس قاسي لمحاولته أن يرمي ابنة أخيه لأجل الورث، هذه الحكاية بشكل عام، نتمنى أن نحاول تقديمها بشكل لطيف وتلاقي القبول المطلوب، يقول كوكش.

تنميط البيئة الشامية

سألنا المخرج رشاد كوكش، لماذا هاجمت دراما البيئة الشامية، ووصفتها بأنها” دراما كاذبة”، وأنت ابن حي القيمرية الدمشقي وتعرف كل خبايا الشام، وأخرجت أكثر من عمل دراما شامية، لماذا الصورة السياحية للشام التقليدية، ألا توجد صورة حقيقية للشام القديمة والحديثة في الدراما السورية؟!

في التسعينات انتشرت” الفانتازيا التاريخية”، واندثرت، وكان لها ما لها، وعليها ما عليها، وقد جاء بعدها أعمال الدراما الاجتماعية البوليسية الخفيفة، يقول كوكش، ويتابع خلال حديثه، لـ “الحل نت” بأنه يعتب على المحطات وليس على المنتج، لأن لها دور إعلامي، والدور الإعلامي المتكامل يكون، بأن لا يقدم مساوئ المجتمع الشامي الدمشقي القديم، التي تذكرها تلك الأعمال.

في أي عمل خليجي أو مصري أو صعيدي، إذا عملت على ذم الصعيديين هل سيسمحون بإظهار هذه العيوب؟! هل ستقبل التلفزيونات المصرية؟! هذا يعني أن تتحمل المحطات مسؤوليتها الإعلامية ودورها التوعوي.

عندما تقول المحطات للمنتج أن هذه الأعمال لا نريدها بعد الآن كلهم سيبتعدون عنها، وبالتالي سيبحث عن أسلوب آخر، وخاصة أن غالبيتهم يتبعون لوزارة الإعلام، ويوجد رقابة على ما يقدمون، رقابة من الدولة وليس رقابة أفراد، يوجد لعبة سيئة تلعب تجاه دمشق كمدينة وسكان وأهل، بتلك الفترة يوجد شيء مريب، عندما أقوم بتكريس دمشق بتلك الصورة، والمرأة الدمشقية المغلقة، أو الرجل ذو العقل الخشن والقاسي، للمعلومة أول طبيبة تخرجت عام 1920، وفي العام 1908، كان لدينا أول معهد للحقوق، و23 جريدة بالعشرينات والثلاثينات والأربعينات، و34  مجلة بدمشق لوحدها.

يريدون الشام كما قلنا (العقيد، والمرأة عندما تلف ورق العنب، وتحفر الكوسا وتدق كبة، والمرأة الثرثارة، وبنت الحارة، والرجال الذين يسحبوا” الشنتيانة”، والرجل الذي يذبح أخته، وهذا كان نادرا ما يحدث).

ليس لها عمر محدد

توجهنا بسؤال لكوكش، حول الكثير من الفنانين ممن تجاوزت أعمارهم فوق الستين، ويعملون بشكل جيد، كيف تجد عقلية المؤسسات الفنية التي تحيلهم كمخرجين وممثلين إلى مرحلة التقاعد، رغم إنها مرحلة النضج الفني؟!

بشكل عام يوجد أشخاص في دراما التلفزيون، ونحن بحاجة لهذا العمر. يوجد نقص لدينا. مضيفا بأنه قد ارتحل عدد من الأسماء الكبيرة وليس لهم بديل، ولا يزال يوجد لدينا (أسامة الروماني، سليم صبري، وعلي كريم)، فنحن نستفيد منهم ونكبر فيهم، إلا أن هناك مشكلة، وهذه المشكلة لا تقتصر على الممثلين، بل هي موجودة في الإخراج، وأقول هذه المهنة لها عمر دون شك ونحن للأسف لا نحترم هذا الشيء.

فعندما يتجاوز أحدنا سن الـ 70 نقول بإنه قد كبر، نحن على ما يبدو، وعلى حسب عاداتنا (يا أخي الكبير ريحووه)، لكن هذا الكلام لا يتماشى مع الفن، ربما يتماشى بعمل (تكسير الحجار، النجارة، الحدادة، والميكانيكي)، بالفن لطالما هم بقوتهم وعطائهم الفني والفكري، يجب أن يعملوا.

من حق الشباب أن يأخذوا فرصهم، ولا أقبل أن أعمل على حساب شخص آخر، طالما هناك أكثر من (30 أو 35) مسلسل بالسنة، هل يعقل ألا يوجد مكان لـ (3 أو 4) من هذا الجيل؟!

وصفت شركات الإنتاج إنها تريد الأعمال الأقل تكلفة والأكثر تسويقا “هذا في القطاع الخاص” أما القطاع العام “المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني” ما هو وضعها، وأنت عملت معها في “غفوة القلوب”؟!

يجيب كوكش على ذلك، بأنه يوجد خلاف بوجهة نظر الإنتاج بين مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، عن القطاع الخاص، لكن للأسف، وهذا الشيء معترف فيه، أن الإمكانيات لمؤسسة الإنتاج التلفزيوني ضعيفة، وخاصة بعد 11 عاما من الحرب، إنهم يعملون بالحدود الدنيا، وعندما كانوا يعملون بالحدود العليا، لم يقصروا أبدا، قدموا أعمالا مهمة، وقدموا نجوما، ومخرجين، وكتاب، وموسيقيين لم يتوقفوا أبدا، وهذا شيء يحترم لا نستطيع إنكاره.

اقرأ أيضا: هل الدراما السورية واقعية؟

عملت وكان معي ممثلين أحبهم (حسام تحسين بك، نظلي الرواس، مرح جبر، أحمد الأحمد، رامي الأحمد، وجيانا عنيد)، كانوا بمحلهم الصحيح، وبودي لو كان معهم أسماء أخرى من نجومنا المعروفين، لكن إمكانيات المؤسسة لا تسمح.

هنا تكمن ميزة القطاع الخاص أنه قادر على إحضار نجم ونجمة يكونوا هم واجهة العمل وباقي زملاؤنا الآخرون، وللأسف أجورهم ليست منصفة، أي لا أحد يأخذ الأجر الذي يستحقه، يوجد ظلم، أي عندما نقول أن فلان وفلانة هم النجوم البارزين في سوريا نحن لدينا (7 أو 8) رجال سوريين، و(4 أو 5) سيدات هن نجوم.

مؤسسة الإنتاج هذه إمكانيتها، زياد الريس، أو الآن أحمد الخضر، أو قبله ماهر عزام، كانوا واضحين هذه إمكانيتنا يجب أن نتحرك فيها، ويجب أن نتابع العمل.

والتسويق يحتاج إلى دراسة وحل، ولست صاحب شركة منتجة حتى أفهم هذه المسائل، لديهم أزمة.

بداخل كل منا طفل

سألنا كوكش أيضا عن عمله في مسرح الأطفال،  كمخرج وممثل، وعن أهمية هذا المسرح له، ليجيب، عملت مخرج مساعد ومساعد مخرج مع كل من المخرجين نائلة الأطرش، ومانويل جيجي، وحسين إدلبي، ومحمد الطيب، وأيمن زيدان، وأسماء كثيرة ممن كانوا يعملون مسرح بتلك الفترة، ذهبت باتجاه مسرح الأطفال لأني شعرت بداخل كل منا طفل، وكانوا أطفالي صغارا، والعائلة كانت بسن الطفولة، أولاد أخي، وأولاد أختي أجمعهم في المنزل بالمناسبات كالأعياد، كنت أنا الراوي، وفيما بعد رغبت بنقل تلك الحكايا إلى المسرح، لأعرضها بصريا، فالطفل يكون في المسرح صادقا لا يخبئ مشاعره ويعبر عنها مباشر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.