بوتيرة متسارعة، بدأ المشهد أكثر قتامة داخل حركة “امتداد” النيابية التي انبثقت من ساحات الاحتجاج العراقي الذي اندلع في أواخر 2019 واجتاح البلاد مطالبا بجملة من الإصلاحات الجوهرية في قلب النظام العراقي، والخلاص من القوى التقليدية التي تسيدت المشهد منذ 2003 وحتى الآن، لا سيما منها المقربة من إيران.

ففي الوقت الذي عقد فيه طيفا واسعا من المحتجين العراقيين، أمالها على أن تكون كتلتهم “امتداد” التي وقفوا إلى جانبها وحثها لخوض السباق الانتخابي، البديل الناضج والحصان الأسود للعبور في العملية السياسية إلى عقد سياسي واجتماعي مدني جديد، سرعان ما بدأت الحركة بالتصدع والابتعاد عن أهدافها الأساسية نحو التفكك.

ولم تحافظ “امتداد”، التي فازت في الانتخابات التشريعة المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021، بـ9 مقاعد نيابية، على استقرارها لتبدأ بوقت قياسيا مرحلة من الانشقاقات الداخلية في وقت وصفت به الحركة لحظة فوزها بالانتخابات بالضد النوعي وحجر الأساس لمشهد سياسي جديد في عراق لا مكان فيه للقوى التقليدية، التي يتهمها المحتجون بالفساد والتسبب بقتل المتظاهرين في احتجاجات “تشرين”.

وعزا المنشقون أسباب انشقاقهم عن الحركة وإدانتهم لرأيسها في أكثر من مرة، بسبب خروج الحركة عن ميثاقها الذي قطعته مع الجماهير، وانخراطها في غمار العمل السياسي “الأسود” الذي حتم عليها الجلوس مع بعض القوى التقليدية، وانحيازها في الجلسة الأولى لانتخاب رئيسا لمجلس النواب إلى جانب محمد الحلبوسي المتحالف مع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الذي يتهمه بعض من المحتجين بتورط أتباعه بمقتل عدد من المحتجين، وتصويت عدد من أعضاء الحركة لصالحه.

https://twitter.com/251xz/status/1532738699179528192?s=21&t=cdDGGhcUGz6b6-NbBOhx7Q

اقرأ/ي أيضا: لعنة الحلبوسي تعصف بـ”امتداد”.. هل يفقد المحتجون العراقيون كتلتهم النيابية؟

امتداد ولعنة الحلبوسي

ومنذ ذلك الحين، بدأت المشكلات تأخد في داخل الحركة.حتى أعلن 5 أعضاء من الصف الأول للحركة الفائزين بعضوية مجلس النواب في الثاني والعشرين من أيار/مايو الماضي، تعليق نشاطاتهم في الحركة لأسباب تتعلق بنهج الحركة وخروجها عن مبادئ “تشرين” بإشارة للحركة الاحتجاجية، وتفرد أمينها علاء الركابي بقرار الحركة المصيري، بحسب وثيقة تلقاها موقع “الحل نت”.

وفي تعليق من قبل الأمين العام للحركة علاء الركابي على ذلك، قال إن “امتداد جاءت شوكة في عيون الأحزاب، ومن الطبيعي أن يتم استهدافها لأن امتداد تتحول في وقت من الأوقات إلى “مارد” يبتلع هذه الاحزاب ويزيحها من السلطة بطريقة سلمية وإن طال الزمن”.

ولفت إلى أن “الاحزاب تسخر كل إمكانياتها لضرب امتداد يوميا وصناعة رأي عام لهدف ابتزاز الحركة”، مشيرا إلى أن “الحركة لن تسلك الأساليب النجسة في العملية السياسية، كما تسلكها الأحزاب”.    وأردف: “سنجعل أي فاسد في امتداد عبرة لمن يعتبر، وذلك بعد اكتمال التحقيق حول شبهات”، وهذا ما دفع الأعضاء الخمسة إلى إعلان انسحابهم من الحركة مباشرة، كما لوح الركابي بـ“حل حركة امتداد خلال شهرين!”.

أحداث توالت تباعا وبشكل مفاجئ، ليعلن الأمين العام لحركة، علاء الركابي، اليوم الجمعة تجميد عضويته في الحركة ولمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، وقال في بيان تلقاه موقع “الحل نت”، إن “امتداد .. هي الحب الكبير .. هي المشروع الحلم .. هي بارقة الأمل والنور في هذه الظلمة .. الأمل بمستقبل أفضل لهذا البلد”.

استمرار تصدع امتداد

وأضاف: “أخلصت للمشروع بكل ذرة من كياني، وقدمت كل ما أستطيع، ولم أبخل على المشروع بشيء أبدا، وساهمت بكل طاقتي بكل ما أستطيع في كل مفاصل ومراحل إنشاء هذا الكيان السياسي الأمل”.   

وتابع أن “امتداد تبقى في قلبي مع كل نبضة وإلى آخر نبضة في قلبي وآخر لحظة في حياتي، وسأبقى أنظر للمشروع على أنه أمل وأبقى ادافع عنه وأفديه بروحي، لكن من أجل العراق ومن أجل امتداد أعلن عن تجميد عضويتي في جميع مفاصل الحركة الإدارية والنيابية ولمدة ستة أشهر قابلة للتجديد ولغاية عقد المؤتمر العام الأول الذي يخصص حسب النظام الداخلي لانتخاب أمين عام جديد وأمانة عامة جديدة”.

بالتزامن مع إعلان الأمن العام، أعلن عضو المكتب السياسي للحركة أنور عزيز اليوم الجمعة، تعليق عضويته في المكتب السياسي ومن جميع مفاصل الحركة، لحين عقد المؤتمر العام الأول.  
  
  
وقال عزيز في بيان اطلع عليه “الحل نت”، إنه “بسبب تجاوزات الأمانة العامة لحركة امتداد على النظام الداخلي الذي هو بمثابة دستور الحركة، ومحاولتها لتأسيس أعراف لا تنسجم مع النظام والعمل المؤسساتي أعلن تعليق عضويتي في المكتب السياسي ومن جميع مفاصل الحركة لحين عقد المؤتمر العام الأول”.  

اقرأ/ي أيضا: استقالات جماعية من “حركة امتداد” التشرينية

حالة صحية

وفي الشأن هذا٫ عد رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري أن “الانشقاقات حالة طبيعية وصحية في العمل السياسي، ولا سيما في الكيانات السياسية الناشئة، وتحدث في الغالب بسبب عدم النضوج السياسي وفقر التجربة لدى الحراكات الجديدة، وهي بطبيعة الحال إذا حدثت في كيان سياسي أو حزب معين، فإن بقية الكيانات المدنية الجديدة ستتأثر، لكن هناك تمييزا لدى الشارع العراقي، وأن هذا الفرز سيخلق في النهاية جيلا سياسيا واعيا، ونضوجا في التجربة السياسية والحزبية والحراكات الجديدة”.

وأوضح في حديثٍ مع “الحل نت” أنه “لا يمكن الحكم مبكرا على تجربة لم يبلغ عمرها عام واحد بالفشل، لكن بالمجمل فإن الخلافات التي تحدث بين كيان معين، ويتحمل هذا الكيان صورة سلبية تؤخذ على العمل السياسي الناشئ، لذلك لا بد من أن تراعي هذه الكيانات التي تعاني من خلافات أنها محط تناول الجميع، ولذلك يجب أن يتم تدارك الأخطاء بشكل نوعي”.

من جهته، يقول المهتم في الشأن السياسي، علي الغريباوي، إن “النظرة إلى امتداد تمثل طموحات السواد الأعظم من العراقيين الناقمين على العملية السياسية والقوى التقليدية والإسلامية منها على وجه الخصوص، لفشلها في قيادة المشهد منذ نحو عقدين، بأن تكون الحركة هي المنقذ للمشهد الحالي”.

لكن “ما تمر به الحركة مؤسف للغاية، وينذر بنتائج وخيمة، لاسميا وأن امتداد باتتت تمثل الحركة الاحتجاجية، والتيار المدني في العراق حاليا، بالتالي أن فشلها وعدم قدرتها على مواكبة الحالة السياسية في البلاد وتجاوز التحديات، هذا يعني تحقيق غاية الأحزاب التقليدية المتربصة التي تعلم جيدا أن في حال نجاح امتداد في دورتها الحالية، يعني انتهائها تماما في المستقبل”، وفقا للغريباوي.

كما أن “قلة الخبرة وحداثة التجربة لا شك تنتج عنما تمر به امتداد، لكنه في طبيعة الحال ستكون هذه الاحداث حالة صحية لمستقبل الحركة، لما ستضيفه من خبرة، وبلورة للجوهر الحركة”.

اقرأ/ي أيضا: العراق: هل تنجح مبادرة “امتداد” لإنهاء الانسداد السياسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.