لا حلول قريبة تلوح في أفق المسار السياسي داخل الملف السوري، هذا الأمر رجحه العديد من المحللين السياسيين خلال إعداد “الحل نت” لهذا التقرير أو حتى في وقت قريب سابق. الآراء التي اجتمعت على رؤية واحدة تفيد بضبابية المشهد السوري هو أمر منطقي إذا ما تم قياسه بتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية. ليبقى السؤال الأبرز هل الدول المتدخلة في الملف السوري تهتم وتتفرغ لإيجاد حل حقيقي وشامل وعاجل للوضع السوري، الجواب قد يأتي بالنفي لجملة من الأسباب، إلا أن الثابت الرئيسي يتمثل بالصورة القاتمة والوضع المتأرجح لمسارات العملية السياسية في سوريا.

مماطلة وتسويف

مصادر خاصة من العاصمة السورية أفادت لـ”الحل نت” برغبة حكومة دمشق في التخلي القريب عن مسار اللجنة الدستورية تحت ذريعة عدم تحديده بجدول زمني، وعدم مناسبة استمراره لوفد دمشق كون أن الاجتماعات يستمر انعقادها في جنيف، وهم (وفد الحكومة السورية) يريدون تغيير مكان الانعقاد إلى دمشق مع تحديد المسار بجدول زمني، وهذا الأمر لن يقبل فيه وفد المعارضة وكذلك أيضا مكتب المبعوث الأممي الذي لا بد أنه سيشدد على ضرورة استمرارية رعاية جنيف لهذا المسار الدولي.

محاولات التعطيل هذه ستكون برعاية روسية ومعروضة على المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، عند أقرب زيارة له إلى دمشق.

عدم إحراز تقدم يذكر نحو التوصل إلى حل سياسي للمشكلة السورية، والدوران في حلقة مفرغة، عبّر عنه الرئيس السوري، بشار الأسد، مطلع الشهر الجاري، خلال لقاء مصور مع قناة “روسيا اليوم”، بأنه “لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”، وهذا يعكس وجهة نظر دمشق حول الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة مع المعارضة السورية، فهل حسم الأسد مستقبل جولات الحل السياسي السوري.

في حين اعتبر الباحث في “مركز أوسلو للشؤون الدستورية والقانونية”، أكرم حلبية، بأن مسار اللجنة الدستورية السورية هو مسار ضعيف النشأة وساهمت مماطلة دمشق وعرقلتها المضي قدما في الإنجاز بإضعاف هذا المسار.

ويضيف بالقول “روسيا تحكمت في هذا المسار بشكل واضح بعد دعمها للعملية العسكرية التي قامت بها القوات الحكومية مطلع عام 2020، وروسيا فعليا هيمنت على الملف السوري منذ تدخلها العسكري منذ أواخر عام 2015. لكن يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيخلط أوراق الملف السوري من جديد”.

ويتابع في السياق ذاته “روسيا تستهلك قدرتها العسكرية في أوكرانيا، وبالتالي لا بد من انسحاب جزئي من سوريا، فمن هو المستفيد، بالتأكيد كل من تركيا وإيران، وبالتالي توترات واسعة محتملة خلال الفترة المقبلة، وتصعيد عسكري قريب ينهي المسار السياسي بالضربة القاضية”.

مسارات سلبية

بالمقابل رأى الباحث السياسي، أسعد شيخ يوسف، بأن مسار التفاوض والحوار منعدم في سوريا، وتؤثر عليها عدة عوامل متداخلة، لا سيما الخلاف الغربي الروسي بعد غزو أوكرانيا، وكذلك التوترات الروسية التركية، على إثر الصراعات بين الطرفين في عديد من الدول، والأبرز هو ملف النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة وتداخله بمسألة الاتفاق النووي الجديد بين إيران والمجتمع الدولي، بالتوازي مع غضب العديد من الدول الإقليمية لاستمرار النفوذ الإيراني في سوريا، وفي مقدمة تلك الدول كل من إسرائيل والأردن.

ويبدو أن مسار الحل السياسي في سوريا، بدأ يواجه خطر النسيان من الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وذلك تزامنا مع الفشل المستمر لمسار اللجنة الدستورية السورية، فضلا عن تحول اجتماعات أستانا للقاءات تسعى الدول الضامنة فيها لمناقشة مصالحها الإقليمية بعيدا عن بحث آليات حقيقية ومناسبة للحل السياسي.

مسار “أستانا” الذي صنعته روسيا قبل سنوات، اختتم منتصف الشهر الجاري محادثاته الـ18، دون أن تأتي الدول الضامنة بأي جديد من شأنه الدفع بالعملية السياسية في سوريا، فأكد البيان الختامي كعادته، على بذل المزيد من الجهود لضمان استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد بمنطقة إدلب السورية.

وشددت كذلك الدول الضامنة في البيان الختامي، على “الالتزام الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على أن هذه المبادئ تخضع للمراعاة والإحترام العالميين“.

ويبدو أن الاستعصاء السياسي في الوضع السوري، ناجم عن تدويل القضايا السورية وربطها بقضايا متعددة المحاور المتصارعة فيما بينها، مما يعيق ويعطل الوصول لحل سياسي سوري.

الديبلوماسي السابق، بشار الحاج علي، كان قد أشار خلال حديث سابق لـ”الحل نت” إلى أن استخدام حلفاء دمشق لا سيما روسيا، للملف السوري، لمصالح إقليمية ودولية، ساهم بشكل كبير في استعصاء الحل السوري.

وأضاف الحاج علي خلال حديثه: “للأسف مازال الانسداد هو الغالب على العملية السياسية السورية، خاصة مع تمسك روسيا بالأسد الذي تعامله كتابع ولا ترى مصالحها مع الشعب السوري، وفي ظل عدم وجود آلية حقيقية لفرض حل سياسي يستند للقرارات الأممية ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن 2254”.

ولعل مسار الحل الوحيد يكون بتحييد سوريا عن كافة الصراعات واعتبارها فضاء جغرافي محايد عن صراعات دول الجوار، بحكم التعددية التي تتسم بها البنى الثقافية والمجتمعية ضمنها.

اللجنة الدستورية السورية، أسست في عام 2019، متضمنة هيئة من 150 عضوا تضم ​​50 ممثلا عن حكومة دمشق، و50 ممثلا من المعارضة، و50 من المجتمع المدني.

ويمثّل 15 عضوا من كل كتلة لجنة الصياغة المصغرة، المكلفة بالبت في مسودة نص لدستور جديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.