عادت الدعوات حول توحيد البيت السياسي الشيعي إلى الواجهة مجددا، بعد أزمة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق حاليا، لإيجاد حل، من شأنه التسريع بتشكيل الحكومة العراقية.

والبيت السياسي الشيعي تجمع أنشأه السياسي العراقي الراحل أحمد الجلبي، بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، بغرض توحيد كلمة القوى السياسية الشيعية. وقد شاركت فيه أحزاب وتيارات مختلفة، مثل حزب الدعوة والتيار الصدري، قبل أن يتعرض لانشقاقات كبيرة.

وتطالب قوى الإطار التنسيقي اليوم، المعروفة بولائها لإيران، بإعادة إحياء “البيت”، بعد وصول صراعها مع التيار الصدري، حول تشكيل الحكومة، إلى طريق مسدود. فهل سيؤدي توحيد البيت السياسي الشيعي من جديد إلى انفراجة سياسية في العراق؟

لماذا يصر الإطار على توحيد البيت السياسي الشيعي؟

أعلن الإطار التنسيقي أكثر من مرة عن رغبته في توحيد البيت السياسي الشيعي. وجاءت أخر تلك الدعوات على لسان علي الفتلاوي، القيادي في الإطار، والذي أكد على أهمية التوافق مع الصدر، بهدف توحيد البيت الشيعي.

ولم تسفر عن هذه الدعوات أية نتيجة، بحسب مصدر مقرّب من الإطار التنسيقي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، عازيا هذا الفشل إلى “تمسك الصدر بموقفه الرافض للعودة إلى البيت الشيعي”.

ويؤكد المصدر لموقع “الحل نت” أن “رغبة الإطار في إعادة توحيد البيت الشيعي تنبع من رغبته بالحفاظ على وحدة الموقف السياسي لشيعة العراق، حفاظا عليهم من التشتت بين المكونات، وتاليا فقدان ثقلهم السياسي”.

ويعتبر المصدر أن “عدم التوافق بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري سيمهد بما لا شك فيه لمشاكل أخرى، خاصة وأن تفرّد الصدر بتشكيل الحكومة سيؤدي الى استبعاد جزء كبير من ممثلي الشيعة من العملية السياسية، وهو ما لا يمكن السكوت عنه”، حسب تعبيره.

لماذا يرفض الصدر العودة الى البيت السياسي الشيعي؟

زاد توظيف مصطلحي “البيت الشيعي” و”المكون الأكبر” في تصريحات الإطار التنسيقي خلال الآونة الماضية، باعتبار التركيز عليهما ضامنا للحقوق السياسية لشيعة العراق. ولكن على ما يبدو فإن مقتدى الصدر، والذي يعد أحد أركان السياسة الشيعية، غير مقتنع بهذين المفهومين.

ويرجع سبب ذلك إلى “عدم رضا الصدر على توصيف الإطار التنسيقي بالمدافع عن الشيعة”، بحسب مصدر في التيار الصدري، يزعم أن “هدف الإطار من هذا التوظيف السياسي للطائفة الشيعية ينحصر في رغبته بتولي السلطة”.

ويلفت المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، في حديثه مع موقع “الحل نت”، إلى أن “حرص الصدر على أصوات ناخبيه، الراغبين بتولي التيار الصدري مهمة تشكيل الحكومة، هو سبب آخر لإصراره على موقفه”.

ويُعتقد أن للصدر خلافات أخرى غير معلنة مع البيت السياسي الشيعي، ويستند هذا الرأي إلى تغريدة نشرها على صفحته الشخصية في تويتر، مطلع كانون الأول/ديسمبر 2020، دعا فيها الى “ترميم وتوحيد البيت السياسي الشيعي، وفق منهج إصلاحي خال من الفاسدين”. ولم يصدر عن قادة البيت الشيعي أي ردة فعل تجاه هذه التغريدة.

تجاوز التكتلات الطائفية

يعتقد البعض أن إنشقاق الصدر، وعدم اهتمامه بتوحيد البيت السياسي الشيعي، هو نتيجة لإدراكه طبيعة التغيرات السياسية القادمة، وضرورة ابتعاده عن التكتلات المذهبية، وهو ما نجح فيه، وفشل في استغلاله خصومه في الإطار التنسيقي.ً

الباحث السياسي علي البيدر يرى أن “العملية السياسية العراقية تكونت أساسا وفق تقسيم المكونات، ولكن التغيرات السياسية الأخيرة دفعت البعض إلى تجاوز هذا التقسيم نحو تحالفات أوسع. مثل تحالف إنقاذ وطن، الذي يشارك فيه سياسيون شيعة وسنة وكرد، بقيادة التيار الصدري”.

وقال البيدر لموقع “الحل نت” إن “هذه التطورات لم تناسب بعض الأطراف المحلية والإقليمية، والتي ترى في مثل هذه الائتلافات المتعددة الطوائف تهديدا لمكتسباتها السابقة، وهو الدافع لمحاولات عرقلتها”.

وكان القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي قد اتهم، في تصريح سابق، أطرافا دولية لم يحددها بـ”محاولة إثارة الفتنة بين الشيعة”.

مقالات قد تهمك: الصراع الشيعي-الشيعي في العراق: هل بإمكان الصدريين السيطرة على محافظات الجنوب؟

الدور الإقليمي في تفكيك البيت الشيعي

وفي السياق نفسه يرى أستاذ العلوم السياسية المتقاعد عثمان الموصلي أن “الدور الإقليمي واضح جدا في الإنسداد السياسي الحالي، إذ تحاول إيران إجبار الصدر على التفاوض مع أذرعها السياسية، أو تحييده عن طموحاته على الأقل”. ويعزو ذلك إلى “خشيتها من فقدان دورها، بوصفها مركز السياسة الشيعية في المنطقة، والذي يعتبر العراق أحد أهم مرتكزاته. فيما يشكل الصدر تهديدا لهذا الدور”.

كما يشير لموقع “الحل نت” إلى أن “تركيا تلعب دورا مماثلا في العراق للدور الإيراني، إذ تعتزم تغيير الخارطة السياسية للبلاد، بما يتيح لها فرض سيطرتها، بديلا عن الهيمنة الإيرانية الحالية”.

ويستند في رأيه إلى “وتيرة التصريحات السياسية التركية، التي تؤكد نية أنقرة استعادة أمجاد الدولة العثمانية، في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا”.

الدور الخليجي ليس بمعزل عن التدخلات الإقليمية في العراق، إذ “يبدو التقارب واضحا بين حلفاء الصدر من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، وهما البلدان الطامحان للسيطرة على المشاريع الإستثمارية والاقتصادية في العراق”، بحسب الموصلي.

وفي ظل ذلك يستبعد أستاذ العلوم السياسية المتقاعد “إمكانية توحيد البيت السياسي الشيعي. والأرجح أن كلا من الإطار التنسيقي وتحالف إنقاذ وطن يتجهان نحو التفكك، نتيجة لارتفاع حدة الصراع، دون الوصول الى حل”.

وشهد البيت السياسي الشيعي عدة انشقاقات داخلية سابقا، أثناء إنتخابات عام 2018، وإنقسام حزب الدعوة إلى جناحي المالكي والعبادي، إضافة الى انسحاب التيار الصدري منه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.