لا يبدو أن موسكو ثابته على رأي واحد، فمن الواضح أن إعلان أنقرة عن نيتها لشن عملية عسكرية في شمال سوريا، جاء بعد أن نقلت روسيا عددا كبيرا من قواتها إلى خارج البلاد بسبب غزوها لأوكرانيا، وعلى الرغم من التصريحات السابقة لروسيا حول رفضها للعملية، والتطمينات التي تلقاها القائد العام لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الثلاثاء الفائت، من قائد القوات الروسية في سوريا، العماد ألكساندر تشايكو، برفض بلاده لأي عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية، ليست سوى أحاديث مبتذلة، وفق مراقبون.

انتهاء اللقاء الروسي التركي، الذي عقد أمس الأربعاء في أنقرة، كشف عن ضوء أخضر للعملية العسكرية التركية غربي الفرات، حيث بيّن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، موقف بلاده من العملية العسكرية التركية المرتقبة شمال سوريا، لافتا أن هناك شبه توافق مع تركيا بهذا الشأن، دون اكتراث داخل الأروقة التركية، عمّا سيخلفه التقارب التركي الروسي من غضب غربي، لا سيما بعد إصرار موسكو على استمرار غزوها لأوكرانيا.

خطر جديد أمام أنقرة

لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوحدة صغيرة قوامها 900 جندي في شمال شرق سوريا، وذلك بشكل أساسي لمنع عودة ظهور تنظيم “داعش”، تعاون واشنطن مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في هذه المنطقة من أكثر القضايا الشائكة في العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة، ومن المحتمل أن تتعارض عملية تركية جديدة مع المصالح الأميركية على الأرض، مما يزيد من تفاقم الخلاف الدبلوماسي بين تركيا وحلفائها الغربيين بشأن بيع الطائرات الحربية الأميركية، والعلاقات مع روسيا، وتوسيع الناتو.

يشير المحلل السياسي الروسي، أليكاس موخين، إلى أن  العمليات المتتالية لتركيا في شمال سوريا لا تخضع لأي تفويض دولي، إلا أن الظروف الحالية فتحت الباب أمام أنقرة للمضي في مشروعها، لا سيما وأن روسيا، مشغولة بالغزو المطول لأوكرانيا، وقد لا يكون لديها الوقت والموارد لمنع توغل تركي جديد.

ويضيف موخين، في حديثه لـ”الحل نت”، أن المسألة بالنسبة للقيادة التركية هي تقييم المخاطر التي تنطوي عليها، ستعارض الولايات المتحدة أي عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، وفق ما أعلنه وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكين، مبينا أن واشنطن “تدعم الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”، ومن المحتمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نفس الموقف.

ويؤكد موخين، أن موقف الولايات المتحدة إذا ما نفذت تركيا تهديداتها، سيكون بفرض المزيد من العقوبات عليها، فالعلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأميركي جو بايدن معقدة، وفي السنوات الأخيرة وقعت حوادث خطيرة للغاية بين جيشيهما على الأراضي السورية وفي مجالها الجوي، وبالرغم من بعض التفاهمات بين البلدين، إلا أن هذه المرة ستكون المخاطر التي تتعرض لها أنقرة أعلى من المعتاد.

الجدير ذكره، أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، جدد التأكيد على “القلق العميق” الذي تشعر به واشنطن بشأن العملية العسكرية التركية في سوريا، وخلال مؤتمر صحفي، عقده أمس الأربعاء، قال “لقد أكدنا أننا ما زلنا نشعر بقلق عميق بشأن المناقشات حول النشاط العسكري المتزايد والمحتمل في شمالي سوريا، ولا سيما تأثيره المحتمل على السكان المدنيين هناك، ونواصل الدعوة إلى الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار القائمة”، معربا عن إدانة واشنطن “لأي تصعيد يتجاوز هذه الخطوط”.

الروس ينسحبون للأتراك

خلال المؤتمر الصحفي، للوزيري الخاريجة التركي والروسي، قال لافروف، “نأخذ بعين الاعتبار قلق أصدقائنا الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم”، مؤكدا أن بلاده ستعمل مع تركيا بشكل مشترك على إخراج أولئك “الإرهابيين” من المنطقة، دون تحديد من المقصود.

عقب اللقاء الثاني، نقلت صحيفة “حرييت” التركية، عن مراسلين زاروا مناطق العمليات المخطط لها من قبل القوات التركية في شمال سوريا، إن بدء العمليات سيكون خلال هذا الأسبوع.

الباحث في موقع “الأمن والدفاع العربي”، ليث عبيدات، نقل لـ”الحل نت”، عن مصادر عسكرية تركية، إن القوات الروسية، التي كان لها ثاني أكبر وجود في تل رفعت، غادرت المنطقة خلال اليومين السابقين، مضيفا أن أنقرة لا تتوقع أن تحاول القوات الحكومية السورية صد أي هجوم تركي، بضمان روسي.

وأضاف عبيدات المطلع على الشأن العسكري التركي حاليا، أن الجيش التركي و”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، أكملوا بالفعل استعداداتهم وقد يبدؤون العملية في أي لحظة، وحاليا يجري تقييم الوضع لتقييم السيطرة على كوباني إذا رأت القيادة السياسية ذلك ضروريا، مبينا أن الاستعدادات العسكرية التركية لشن هجوم على تل رفعت ومنبج قد اكتملت.

وكانت الصحيفة التركية، قد قالت في وقت سابق، إنه “خلال المفاوضات مع روسيا، توقفت جميع الاستعدادات للعملية المخططة في منطقة عين عيسى بالأطراف الشمالية لمدينة الرقة السورية، حيث لم توافق روسيا على تلك العملية، بسبب مرور  الطريق الدولي (إم 4) الذي يربط مدن الحسكة والرقة ودير الزور شرقا وحلب شمالا، وأرسلت تعزيزات جديدة لهذه المنطقة”.

مباحثات عسكرية تركية روسية

منذ اصطدامها بالرفض الدولي والأميركي، وتهديدات بدءها عملية عسكرية محتملة في الشمال السوري، تسعى تركيا للحصول على بعض الموافقات وحتى إن كانت من روسيا لفسح المجال أمامها للتحرك عسكريا ولو بشكل محدود على الحدود السورية التركية.

وتسعى أنقرة عبر اللجوء إلى استمالة روسيا، إلى الضغط على الأوربيين والأميركيين، من أجل الاستيلاء على المزيد من الجغرافيا السورية شمالا، وذلك بحجة إقامة “المنطقة الآمنة” التركية.

وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بحث مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، الأوضاع في سوريا وأوكرانيا وذلك خلال مكالمة هاتفية جمعت الجانبين الثلاثاء الفائت.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها إنه “بمبادرة من الجانب التركي، أجرى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو محادثات هاتفية مع وزير الدفاع الوطني التركي خلوصي أكار، وتم التركيز بشكل رئيسي على تبادل الآراء والتقييمات للوضع في أوكرانيا وسوريا“.

وأكد الجانبان بحسب البيان الروسي، على أهمية استمرار التعاون الوثيق في سوريا الموجه للحفاظ على استقرار طويل الأمد في المنطقة.

الجدير ذكره، أنه رغم الرفض الدولي، عاود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قبل أيام، بتجديد تهديداته بشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، بحجة إنشاء “منطقة آمنة” على عمق 30 كيلومترا، وبالتالي إبعاد “وحدات حماية الشعب” المكون الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” عن حدوده والتي تشكل خطرا –بحسب أنقرة- على الأمن القومي التركي.

لكن أردوغان غيّر لهجته فيما يخص المناطق المشمولة في العملية المحتملة، حيث حدد بوضوح أمام البرلمان أن العملية العسكرية لن تشمل شرق الفرات، بل غرب النهر فقط، وتحديدا في منبج وتل رفعت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.