علاقات المساكنة بين السوريين في المهجر باتت إحدى الظواهر الاجتماعية اللافتة للانتباه. إذ يواجه المهاجرون السوريون تبعات الاختلاف الثقافي الحاد بين ما ألفوه في بلدهم، والظروف الجديدة في الدول التي استقبلتهم، ولا يقتصر الاختلاف على تفاصيل الحياة وأساليبها، بل يمتد إلى المفاهيم الأساسية التي نشؤوا عليها، وكثيرا مما كان يعتبر سابقا من المسلمات.

وتعتبر طبيعة العلاقات بين الجنسين، وما هو مقبول ومرفوض منها، من أهم المفاهيم المجتمعية في سوريا. وعلى الرغم من أن كثيرا من العائلات السورية في المهجر حافظت على أساليب حياتها التقليدية، إلا أن عددا متزايدا من الشباب السوري لجأ إلى المساكنة، بوصفها حلا مناسبا لتعقيدات الحياة في المجتمعات الغربية.

ولا تعتبر علاقات المساكنة بين السوريين جديدة عموما، أو حتى دخيلة على المجتمع السوري، فقد كانت موجودة دوما، وإن كانت متوارية عن الأنظار، ولا تتسم بالعلنية. اليوم، ومع تغير الظروف، لم يعد كثيرون ممن اختاروا المساكنة مضطرين للاختباء من نظرة المجتمع، وبات بإمكانهم الحديث بوضوح عن آرائهم وتصوراتهم حول هذه القضية.

آراء وتحارب حول علاقات المساكنة بين السوريين

سعد حمودة، موسيقي وعازف عود سوري يعيش في فرنسا، يرى أن “علاقات المساكنة بين السوريين لا يجب أن تكون من المحرمات، وحان الوقت لكي تخرج المجتمعات الشرقية من دائرة المحظورات”.

وردا على سؤال “الحل نت”، عما إذا كان سيحمل الرأي نفسه إن كان ما يزال مقيما في سوريا، أجاب حمودة: “لا أعرف. نحن مجتمع محكوم بالأعراف، والخروج عن هذه الأعراف قد لايكون ممكنا حين يكون المرء مقيما في بلاده. لكن هنا أرى أن هذا ممكن وصحيح، فالمجتمع الأوروبي يساعد على هذه الأفكار ولا يقمعها، بعكس مجتمعاتنا”.

وإذا كان سعد حمودة قادرا على المجاهرة ببساطة بآرائه حول المساكنة، فإن الوضع بالنسبة لكثير من الشابات السوريات مختلف. لمى، فتاة سورية تعيش بدورها في فرنسا، فضلت التحدث باسم مستعار، وقالت لـ”الحل نت” إنها “عاشت علاقة مساكنة، لكنها ما تزال تخشى الحديث عنها علنا، لأن المجتمع السوري سيعتبرها “عاهرة”. فهو ما يزال بعيدا عن تقبّل فكرة علاقة طبيعية دون زواج رسمي”.

وتضيف: “عشت المساكنة لأكثر من عام، ولا أرى فيها خطأ على الإطلاق، طالما أن الشريكين متفاهمان. أعرف أزواجا كثرا غير سعيدين بحياتهم، ويتمنون الانفصال، لكنهم يخشون نظرة المجتمع والأهل، رغم أنهم بعيدون عن الرقابة المجتمعية التي كانت في بلداننا”.

وترى لمى أن “المساكنة حل لإقامة علاقات بين الجنسين، رغم الظروف الصعبة. ففي فرنسا ليس من السهل تكوين أسرة. فلماذا لا نقيم علاقة مشابهة لحياة الزواج، ولكن دون ذلك الرابط الأبدي الذي يجمعنا، والذي قد يؤثر سلبا على حياتنا؟”.

من جهتها تؤكد السيدة رشا علوان، الخبيرة الاجتماعية السورية، أن “علاقات المساكنة بين السوريين ليست جديدة، لكن الفرق الآن أنها باتت أحد عناوين الحداثة، بعد أن عززتها الشروخ الأسرية المتزايدة في الآونة الأخيرة”.

وتضيف علوان في حديثها لـ”الحل نت”: “الانتشار الواسع للشباب السوري في دول العالم، ساهم بازدياد قبول المساكنة وممارستها؛ وأيضا الثقافات الجديدة المختلفة، التي تعرفوا إليها، جعلت ماكان ممنوعا مرغوبا”.

دوافع متعددة وقوانين حامية لعلاقات المساكنة

لكن ما الدافع الأساسي لعلاقات المساكنة بين السوريين، أي العيش المشترك دون عقد زاوج رسمي؟

ربى حنا، ناشطة سورية تعيش في هولندا، ترى أن “العلاقة تخضع بطبيعة الأحوال للموقع الجغرافي، فماهو قابل للتطبيق في أوروبا يختلف عن ذاك الموجود في الشرق. القانون السائد في البلد الذي يقيم به الأفراد مهم في هذه الناحية، والقوانين الأوروبية، كما نعلم، تبيح المساكنة وتحميها”.

وتضيف حنا في حديثها لـ”الحل نت”: “معظم أسباب انتشار هذه الظاهرة أسباب شخصية. إذ يلجأ إليها الأفراد بحثا عن الراحة والأمان، بعد أن أدركوا أن القانون والمجتمع في أوروبا يدعمانها. إنها حرية شخصية، وأنا مع الحريات الشخصية بالطبع”.

حنا تقول إن “الزواج التقليدي قائم على قوانين، أراها باتت قديمة وبالية، لا تلبي دائما احتياجات طرفي العلاقة. أعرف نساء هربن من ظروف عيشهن مع أسرهن، وتزوجن بدون تفكير كاف، بسبب القيود الصارمة في مجتمعنا، وبالتالي فلسن هن من اخترن، بل منظومة الزواج السائدة في المجتمع. وهذا الشرط تغير الآن. فطالما أن طرفي العلاقة بالغان وناضجان، ويعرفان ماذا يريدان، فهي بالنهاية حرية شخصية، تحميها القوانين”.

إلا أن الخبيرة الاجتماعية رشان علوان ترى أن “الهروب من الالتزام أحد أهم دوافع علاقات المساكنة بين السوريين. فالبعض يعتقد أنها تعني حياة سهلة دون ضغوط، ولا مسؤوليات كبيرة فيها، وتحقق مصلحة مؤقتة للطرفين، بعيدا عن الارتباط وقيوده”.

عواقب ليست ببعيدة

وتعتقد علوان أن “علاقات المساكنة بين السوريين ستكون لها آثار سلبية على المدى القريب والبعيد، فمع تقدم عمر من يمارسونها سيرغبون بالعودة إلى تقاليد المجتمع الأصلية، وسيبرز لديهم إحساس بالندم”.

وتتابع: “سيترسخ هذا الإحساس مع الوقت، وقد يؤدي إلى مشاكل نفسية، مثل الإحساس بالوحدة وعدم الانتماء والاكتئاب؛ وأيضا مشاكل اجتماعية، مثل ازدياد التفكك الأسري”.

إلا أن من التقاهم موقع “الحل نت”، ممن يعيشون علاقات مساكنة، لا يبدون موافقين على هذا الرأي، الذي يُغفل، بحسبهم، المشاكل النفسية والاجتماعية، وكذلك الاقتصادية والمعيشية، للزواج التقليدي.

عموما لا توجد أرقام واضحة حول مدى انتشار ظاهرة علاقات المساكنة بين السوريين، فهي تبقى في الإطار الشخصي، الذي لا تدونه مؤسسات الدول الأوروبية، ما لم يطلب الشريكان تسجيل علاقتهما بوصفها علاقة “شراكة مدنية”، مع ما يستتبع ذلك من تغيرات في وضعهما في مجال الضرائب، والتأمينات والخدمات الاجتماعية، وبعض التفاصيل القانونية الأخرى؛ كما لا توجد دراسات اجتماعية استقصائية متخصصة حول الموضوع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.