الدعوة من روسيا وحكومة دمشق لعودة اللاجئين، ليست دعوة جديدة، فقد بدأت منذ العام 2018، وتحديدا بعد اتفاقية التسوية نهاية تموز/يوليو 2018 في الجنوب، وإعادة فتح معبر نصيب في تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، إذ بدأت الدعوات لعودة اللاجئين من قبل الروس والمسؤولين السوريين، عبر وسائل الإعلام الروسية، بدعوى عودة الأمان إلى معظم الأراضي السوري.

وخلال الأعوام الماضية، تكررت هذه الدعوات لأكثر من مرة ومناسبة، على لسان مسؤولين من البلدين. دمشق ولدعم ادعاءاتها بأن الظروف مواتية لهذه العودة، بادرت بدفع روسي لعقد مؤتمر لعودة اللاجئين في دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والذي دعا المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم المناسب لتوفير السكن للمهجرين وعودتهم للحياة الطبيعية، وزيادة مساهمته ودعمه لسوريا، بما في ذلك العمل من خلال تنفيذ المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار المبكر، متضمنة المرافق الأساسية للبنية التحتية مثل المياه والكهرباء والمدارس والمشافي وتقديم الرعاية الصحية والطبية والخدمات الاجتماعية، ونزع الألغام.

لجان المؤتمر تتابع دعواتها!

صباح اليوم الخميس، عُقد في دمشق اجتماع اللجنة التنسيقية السورية الروسية حول عودة اللاجئين، حيث تناول الحضور من مسؤولي دمشق، والروس عدة جوانب تتعلق بعودة اللاجئين.

محمد فايز غازي محمد معاون وزير الداخلية، أوضح أن حكومته تبذل أقصى الجهود لعودة اللاجئين، مبينا أن الداخلية اتخذت العديد من الإجراءات لتسهيل عودتهم، كالسماح حتى لمن لا يحمل أي وثيقة بالعودة ويتم التحقق من هويته من خلال قاعدة بيانات الأحوال المدنية.

أما وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف فقال إن “سوريا تسعى إلى إعادة أكبر عدد ممكن من السوريين إلى أرض الوطن وهذا أولوية كبرى للدولة السورية”.

من جانبهم، هاجم كل من وزير الخارجية فيصل المقداد، والجنرال ميخائيل ميزنتسيف رئيس الهيئة التنسيقية الروسية، الدور الغربي في سوريا، فيما أكد المقداد على دور العفو الرئاسي الأخير في عودة اللاجئين.

إقرأ:عشرات اللاجئين السوريين يغادرون تركيا.. ماذا يحصل؟

ماذا تريد روسيا؟

العقوبات الغربية التي فُرضت على سوريا منذ العام 2011، والتي اكتملت بعقوبات قانون “قيصر”، قيدت الروس في سوريا بشكل كبير، فقانون “قيصر” ينص على فرض عقوبات على أي شركات تقوم بالتعامل مع حكومة دمشق، وهذا بالتالي ما يؤخر انخراط الشركات الروسية في العديد من المشاريع في سوريا وأبرزها إعادة الإعمار، في سبيل سعي موسكو للسيطرة أكثر على سوريا من أجل تحقيق مصالحها الخاصة.

وفي هذا السياق، دعا الجنرال الروسي ميزنتسيف، اليوم خلال اجتماع اللجنة الدول الغربية إلى إنهاء سياسة العقوبات المفروضة على سوريا التي تعرقل نمو اقتصادها، كما تعرقل عودة اللاجئين، بحسب تعبيره.

كما تحدث الجنرال الروسي عن توقيع 23 اتفاقية، ذات طابع استراتيجي بين سوريا وروسيا، مشيرا إلى أن سوريا تهيئ بيئة مناسبة للمزيد من الاستثمارات وفق ادعائه، ولكن وبحسب خبراء في القانون فإن الشركات التي قامت بتوقيع الاتفاقيات تعجز عن العمل بسبب العقوبات، لذلك يصر الروس في كل المناسبات على المطالبة برفع العقوبات، وخاصة قانون “قيصر”.

قد يهمك:خيارات سفر جديدة للسوريين بعد تضييق تركيا والدول العربية والأوروبية

مخاطر عودة اللاجئين

على الرغم من عودة أعداد محدودة من اللاجئين إلى سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن معظمهم يشعرون اليوم بالندم لهذه العودة، فسوريا وإن بدت كما يصورها الإعلام أقل تضررا من الحرب في بعض مناطقها، وأن السلطات الحكومية فيها تقوم بترميم بعض الشوارع والمنشآت، إلا أن العيش فيها بشكل واقعي صعب للغاية، ففرص العمل تكاد تكون معدومة، والموظفون المفصولون يحتاجون للتقدم بطلبات يجب أن تمر على الجهات الأمنية وخاصة مكتب الأمن القومي، لينتظروا عدة أشهر قبل أن تأتي النتيجة بالموافقة أو عدمها على عودة الشخص لعمله الوظيفي، مع العلم أن الرواتب الحكومية لا تكفي إلا لنحو أسبوع من الشهر، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

كذلك لا تزال الأوضاع الأمنية سيئة، فالاغتيالات لم تنخفض وتيرتها رغم ادعاءات دمشق وموسكو بعودة الأمان، وجرائم القتل والسلب والسرقة في ازدياد نتيجة تزايد الفقر، ويضاف لذلك الرعب من المرور على الحواجز الأمنية والتي يمكن أن يتم اعتقال أي شخص بشكل تعسفي.

وقد أشار تقرير سابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “حياة أشبه بالموت”، والذي يتحدث عن عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان، والصادر في تشرين الأول / أكتوبر 2021، إلى أن اللاجئين السوريين الذين عادوا من الأردن ولبنان بين عامي 2017، و2021 ” تعرضوا لانتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري”.

وأضاف التقرير أنه ” لا تزال السلامة والأمن في سوريا في طليعة المخاوف بالنسبة إلى اللاجئين عند اتخاذ قرار العودة إلى ديارهم. وحتى الذين يقررون العودة هم غالبا يفعلون ذلك تحت ضغط شديد، وفي الأردن، تسبب الانكماش الاقتصادي وتدابير الإغلاق الصارمة في تقويض سُبل عيش آلاف اللاجئين السوريين. اللاجئون الذين يقررون العودة إلى سوريا، ليس لديهم في الغالب سوى معلومات محدودة عن الأوضاع داخل البلاد”.

بالإضافة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية التي تنتظر العائدين، حتى وإن حصلوا على تأجيل أولي لمدة 6 أشهر، كما أن الوضع الاقتصادي والبنية التحتية المدمرة، وعدم وجود فرص عمل وانهيار الاقتصاد بشكل عام من أهم الأسباب التي تمنع اللاجئين من العودة، بحسب تقرير سابق لـ “الحل نت”.

إقرأ:عنصرية لبنانية جديدة ضد اللاجئين السوريين.. هذه الأسباب الحقيقية

صعوبات كثيرة، وعوائق لا تزال قائمة تجعل السوريين يتخوفون من العودة إلى سوريا، فهناك الكثير منهم يعتقدون أن عودتهم يجب أن تتم بتوافق دولي وحل شامل للوضع السوري، وبرعاية أممية، فهم كمواطنين سوريين لا يثقون بحكومة دمشق، كما لا يثقون بالجانب الروسي كضامن قصفت طائراته بيوتهم قبل سنوات قليلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة