تراتبيا٬ جرد زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر خصومه في قوى “الإطار التنسيقي” زمام المبادرة لتشكيل الحكومة القادمة، منذ اللحظة الأولى لإعلان نتائج الانتخابات التشريعية، أي قبل أكثر من ثمانية شهور، بحسب مراقبين. 

وعلى الرغم من فشله بالمضي مع شركائه في التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن” (أكبر تحالف نيابيا بأكثر من 170 نائبا) ضم الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لمعظم القوى السنية، في تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، نتيجة معارضة غرمائه بتحالف الإطار الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، إلا أنه نجح بفرض سياسته. 

إذ تمكن الصدر، وبحسب مجموعة باحثين ومهتمين في الشأن السياسي استطلع “الحل نت” أراءهم، في وضع قوى الإطار بزاوية حرجة، مقابل تطويع حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي إلى جانب مصالحه، وهذا ما دفعه بثقة عالية نحو تقديم استقالة كتله (73 نائبا) من البرلمان، دون التحسب إلى قادم الأيام. 

خطوة الصدر نحو تعليق المشهد السياسي في البلاد إثر استقالة كتلته، ضاعفت من أعباء خصومه الذين يواجهون رفضا شعبيا واسعا، لا سميا بعد فشلهم في تشكيل الحكومة بعد أن منحهم الصدر فرصة ذلك في مبادرة أطلقها في مطلع شهر رمضان الماضي، بشرط عدم اشتراك كتلته فيها.

اقرأ/ي أيضا: سبقه تهديد ميليشياوي.. قصف معسكر تركي شمالي العراق

مبادرات محسوبة

سيناريو تخلله العديد من المبادرات السياسية من قبل الطرفين، كان الصدر دائما السباق فيها، مع شرط ثابت في جميع المناسبات ألا يشترك في حكومة والإطار فيها، وهذا ما لم تقتنع قوى الإطار به لتستمر في محاولات ثنيه عن قراره، معتمدة في ذلك أسلوب الضغط القانوني والسياسي، الذي تمكنت من خلاله طيلة الأشهر الماضية بتعطيل مشروع “الأغلبية”. 

تدافع أدى إلى تعطيل تشكيل الحكومة طيلة الفترة الماضية وصولا إلى إعلان الصدر استقالة كتلته ما زاد من عتمة المشهد، ومع فقدان الطرف الثاني لزمام المبادرة، بالنظر لعدم امتلاكهم النصاب القانوني للمضي بتشكل الحكومة، البالغ 220 نائبا من أصل 329، بات لزوما الوقف على شائعات ترشيح الإطار لزعيم ائتلاف دولة القانون ورئس وزراء العراق الأسبق نوري المالكي للعودة لرئاسة الحكومة، والحديث عن تشكيل الحكومة القادمة وشكلها. 

ويأتي الحديث عن عودة المالكي لرئاسة الحكومة في إطار محاولات جر الصدر للعودة مجددا لطاولة التفاوضات، من خلال اللعب على وتر العداء بين الشخصيتين، لاسيما وأن أصل الخصومة بين الصدر والإطار التنسيقي ومحاولاته إبعاد الأخير عن الحكومة، يتعلق بوجود المالكي ضمن ذلك التحالف، كما يرى المهتم في الشأن السياسي علي التميمي. 

ويقول خلال تصريحات لموقع “الحل نت”، إنه “مع انعدام التفاهمات بين الطرفين، يحاول الإطار استمالة الصدر للعودة للمشهد السياسي، أولا لدرايتهم أن لا حكومة يمكن تشكيلها من دون اشتراك التيار الصدري فيها، كما أن المضي من دونه يمثل رهانا خاسر، في ظل امتلاك الصدر تأثيرا كبيرا على الشارع العراقي وهذا ما يعني أن الحكومة من دونه تعني السقوط في فخ مواجهة الشارع الذي يتقن الصدر التحكم به”.

ويضف، أن “الجميع يعلم أن الصدر والمالكي على عداء تاريخي يمتد منذ عهد الولاية الأولى لنوري المالكي في رئاسة الوزراء عام 2006 ، بالتالي أن الإطار يحاول استبدال انعدام التفاهم بينهم والصدر، من خلال الزج بأسماء خصومه في قلب المشهد، والترويج لامتلاكهم تفاهمات مع باقي الأطراف الأخرى بمحاولة لخلق جوي يستشعر فيه الصدر الخطر ما يدفعه للعودة إلى التفاهم مع البيت الشيعي”

اقرأ/ي أيضا:  العراق يجهل عدد لاجئيه في الخارج 

محاولات يائسة

في حين أن “المضي بتشكل الحكومة على أقل تقدير في الوقت الحالي تبدوا غير ممكنة، لاسميا وأن الأطراف الأخرى من السنة والكرد والنواب المستقلين لم تبدي أي استعداد للمضي من دون وجود التيار الصدري، وهذا ما يجعل النصاب القانوني غير مكتملا أو لعدم توفر نصابا كامل لتشكيل الحكومة، وهذا ما يفرغ حديث الإطار التنسيقي عن حكومة قادمة مفرغا، أو يبدوا كما لو أنه محاولة يائسة”، كما يعتقد التميمي. 

من جهته يرى المحلل السياسي غالب الدعمي أن ” طرح اسم المالكي قضية جدية، لكنها تصدر من داخل مناصريه ومن داخل ائتلاف دول القانون الذين يجمعون عليه، بالتالي إن من يروج للمالكي هي جهات وشخوص مرتبطة به تحديدا، ما يعني أنه لا علاقة للتيار الصدر بالموضوع، خصوصا وأن التيار الصدر قد انسحب وليس له علاقة بمن يصل للرئاسة الحكومة سواء كان المالكي أو غيره”. 

وأوضح في حديث خاص لموقع “الحل نت”، أن “من يحدد وصول المالكي أو غيره للحكومة هي معادلة النواب الذين يدعمونه من ضمن 329 نائبا، فإذا كان هناك نصف زائد واحد داخل البرلمان يدعم المالكي، فسيكون رئيسا للوزراء سواء رضي التيار الصدري بذلك أم لم يرضى”. 

كما أنه “بالدرجة الأولى التوافقات السياسية داخل الإطار التنسيقي هي النقطة الأساسية لإعادة ترشيح المالكي، وإذا ما تم ترشيحه من الإطار فمن المؤكد سيحصل على الأغلبية بأكثر من 200 صوت، على اعتبار أن هناك اتفاقا سيصوتون بموجبه السنة، إضافة إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني سيصوت أيضا لوجود اتفاق بينهم والإطار، فضلا عن الجزء الأكبر من المستقلين سيصوتون، بالتالي أن هناك عدد يكفي لحصوله على رئاسة الوزراء فيما إذا رشح من الإطار، وهذا أيضا يخضع لتوافقات محلية وإقليمية”.

مصالح سياسية

الدعمي لفت إلى أن “السنة بدأوا بالتفاوض مع الإطار التنسيقي للاشتراك بالحكومة المقبلة، كما أنهم ليس لديهم مشكلة في ترشيح أيا كان لمنصب رئاسة الحكومة، لأنهم لا يبحثون سوى عن نسبتهم من الوزارات فمن يمنحهم إياها سيمضون معه، لذلك ليس لديهم مشكلة مع أي طرف كان، لكن أنا على يقين أن ترشيح رئيس الوزراء بما أنه يتعلق بالإطار فلن يكون إلا بضوء أخضر من إيران”. 

وفي الثالث عشر من الشهر الجاري، وجه مقتدى الصدر في بيان له، رئيس “الكتلة الصدرية” داخل البرلمان العراقي حسن العذاري، بتقديم استقالات جميع أعضاء الكتلة إلى رئاسة البرلمان العراقي. 

وكان “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، فاز أولا في الانتخابات التي أجريت في ١٠ تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم. 

بعد الفوز في الانتخابات المبكرة، شكّل الصدر تحالفا ثلاثيا مع “الحزب الديمقراطي” الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان سابقا، مسعود بارزاني، و”السيادة” بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. 

التحالف الثلاثي” سمي بتحالف “إنقاذ وطن”، وبلغ عدد أعضائه أكثر من ١٧٠ نائبا، وكان يسعى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب الإطار التنسيقي.

اقرأ/ي أيضا:  العراق يندد بقصف تركي أوقع قتلى وجرحى بنينوى

معارضة إطارية

قوى “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران والخاسرة في الانتخابات، لم تتقبل فكرة تشكيل حكومة أغلبية، وأصرت على تشكيل حكومة توافقية يشترك الإطار فيها. 

وعاش العراق في انسداد سياسي، نتيجة عدم امتلاك الصدر الأغلبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وعدم قبول “الإطار” بالذهاب إلى المعارضة. 

يذكر أن البرلمان العراقي فشل في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تمهد لتشكيل الحكومة المقبلة 3 مرات متتالية، بسبب عدم حضور الأغلبية المطلقة من النواب لجلسة انتخاب الرئيس العراقي، التي يفرضها الدستور لعقد الجلسة. 

إذ فشل تحالف “إنقاذ وطن” الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية من تحقيق الأغلبية المطلقة وهي حضور 220 نائبا من مجموع 329 نائبا. 

ذلك الفشل، سببه سياسة الترغيب التي مارسها “الإطار” الذي يمتلك 83 مقعدا فقط، مع النواب المستقلين وغيرهم من أجل الوصول لنحو 110 نواب وبالتالي تشكيل الثلث المعطل، الذي لا يسمح بحصول الأغلبية المطلقة، وهو ما حدث بالفعل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.