لم يكن ينقص القطاع الزراعي المتدهور في سوريا، سوى تصريحات أعلى مسؤول في الوزارة التي يكشف فيها عن سرقات كبيرة داخل هذا القطاع تؤثر بشكل كبير على استمرارية ما تبقى من إنتاجيته.

القطاع الزراعي الذي بات في أدنى مستويات إنتاجه في سوريا، يهدد الأمن الغذائي فيها، إلى جانب المصاعب التي يعانيها لاسيما بسبب التغيرات المناخية وموجة الجفاف التي ضربت بالبلاد منذ سنوات.

الأمر لم يتوقف على ذلك، فهناك فجوة كبيرة بين التصريحات والوعود الحكومية من جهة، والمشكلات والعقبات التي يواجهها المستثمرون في القطاع الزراعي من جهة أخرى، حيث اعترف وزير الزراعة السوري بأن ما يحدث في القطاع الزراعي غير منطقي من حيث غياب الدعم الحكومي والرقابي، وقال في هذا الصدد: “نحن نسرق بعضنا”.

الوعود الحكومية “حبر على الورق”

خلال اللقاء الذي عقد يوم أمس السبت مع المستثمرين الراغبين بالاستثمار في القطاع الزراعي وبحضور كل من وزراء الزراعة والاقتصاد والصناعة، نوقشت العديد من النقاط التي أظهرت الفجوة الواسعة بين التصريحات والوعود الحكومية من جهة، وبين المشكلات والمعوقات التي يواجهها المستثمرون في القطاع الزراعي من جهة ثانية.

ووفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأحد، كانت الوعود والتصريحات الحكومية من الوزراء خلال الاجتماع تدعي المقدرة على إيجاد الحلول من خلال تعاون شفاف وصريح مع المستثمر، وأنهم على استعداد لتقديم كل الدعم والتسهيلات لاستثمار كل الإمكانات المتوافرة في القطاع الزراعي، في حين يرى المستثمرون أن حكومة دمشق تريد تشجيع الاستثمار قولا ولكنها تعرقله في فقرات مشروطة ضمن القوانين الصادرة.

كما وطالب المستثمرون أثناء هذا اللقاء، بأن تغير الحكومة نظرتها للمستثمر، لأنها تراه حسب أحد المستثمرين “يبيض ذهبا”، وأن تكون الأولوية لإعطاء الزراعة كامل الدعم.

بدوره، وزير الزراعة محمد حسان قطنا أكد أنه لا يوجد حتى الآن أي مشاريع استثمارية حقيقية في القطاع الزراعي، سواء في سلسلة الإنتاج أم تأمين مستلزمات الإنتاج أو بالتسويق. وأشار قطنا إلى أنه خلال العامين الماضيين قدمت الوزارة أكثر من 60 مشروعا للاستثمار فيما لم يتقدم حتى الآن أحد لمشاريع استثمارية كبيرة.

كما واعترف قطنا إن ما يحدث غير منطقي، فليتر المازوت تبيعه الدولة بـ500 ليرة سورية ويتم شراؤه من السوق السوداء بـ7000 ليرة، أي “نحن نسرق بعضنا” وفق قوله.

وشدد قطنا على عدم إمكانية منح مستثمر أو تاجر صغير أو صاحب مسلخ رخصة تصدير. “يجب أن تكون الاستثمارات بمشاريع أكبر من ذلك حتى يتم إعطاؤه الرخصة، وهذا ما يغيب عن الساحة السورية، لا سيما في ظل الظروف الحالية التي لا تشكل بيئة آمنة لكبار المستثمرين”.

وحول هواجس المستثمرين، زعم قطنا خلال تصريحه لـ”الوطن” المحلية، “نحن مستعدون لإعطاء أي مواطن سوري ما يحتاجه للاستثمار في منطقة البادية لزراعة النخيل وكل ما يحتاج من الأراضي من 200 إلى 5000 هكتار لزراعتها بالتشاركية وفق القوانين”.

وبيّن قطنا أن “لدى الوزارة خريطة واضحة لربط الإنتاج النباتي والحيواني والتسويق والاستثمار والتفاعل مع اتحاد الفلاحين، لكن عندما تطرح المشكلة نحتاج إلى حلول حقيقية”.

وفي تقرير سابق لصحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا، أشار إلى تعرض القطاع الزراعي في موسم 2021 ـ 2022 إلى كم كبير من الصعوبات والمعوقات، وفي مقدمة هذه المعوقات تأمين مادة المازوت الأساسية لري محاصيل الحبوب والقطن والشوندر والحمضيات والخضار والفواكه.

وقد كشف وزير الزراعة قطنا، في الشهر الماضي أن كمية المازوت بالسعر المدعوم المباع لقطاع الزراعة في الموسم الحالي بلغ 47.6 مليون ليتر من إجمالي الكمية التي تحتاجها الزراعة والبالغة 221 مليون ليتر وفق ما هو مخطط من قبل الوزارة أي بنسبة 21.5 بالمئة فقط.

وبحسب التقرير، فإن النسبة أو الكمية كبيرة جدا وهي مؤشر على أن الدعم لقطاع الزراعة كان محدودا جدا، مشيرا إلى أن الآليات الحكومية غير فاعلة، فالكميات المصادرة من المازوت تقدر بالأطنان وليس بآلاف اللترات، ولو كانت الجهات المكلفة بتوزيع المادة جادة بإيصالها إلى المنتجين وليس لتجار السوق السوداء عبر آليات فعالة تمنع تسربها، لكان القطاع الزراعي ارتوى بنسبة أكبر من المازوت المدعوم.

قد يهمك: سوريا: المازوت الأسود يحرق أسعار الثوم والفواكه للأثرياء

تغيّر ثقافة الدعم!

ضمن السياق ذاته، طالب رئيس اتحاد الغرف الزراعية السورية محمد كشتو المستثمرين بتغيير ثقافة الدعم التي يطلبونها دائما من الحكومة وأن يكون الخروج من الدعم كيفيا، لافتا إلى أنه كيف يستقيم أن نظن أن الحكومة تستطيع وحدها تأمين الأسمدة والمحروقات والبذار والأراضي وغيرها من المطالب، متسائلا لماذا لا يقدم المستثمر مبادرات مع الاحتفاظ بحقه في الاستثمار والربح.

وأشار كشتو إلى أن الاستثمار في القطاع الزراعي يحتاج إلى تشريعات أكثر تفصيلية ورؤية أوضح، ودعوة المستثمرين والعاملين في هذا المجال للتوجه للاستثمار في القطاع الزراعي الذي هو من أربح الاستثمارات.

وبالعودة إلى تقرير صحيفة “البعث” المحلية، الذي نشر مؤخرا، فقد أوضح أن أي خطة زراعية لا تؤمن لها المحروقات الضرورية لتشغيل محركات ضخ المياه للمساحات المروية لن تجد طريقها للتنفيذ، والدليل أنه في عام القمح لم تتمكن الحكومة من شراء أكثر من 400 ألف طن من القمح.

كما أن المحروقات ضرورية لمحاصيل أخرى كالقطن والشوندر السكري والتبغ فهي تؤمن المادة الأولية لدوران عجلة الإنتاج في معامل القطاعين العام والخاص، ولا تقل أهمية المحاصيل الأخرى عن الاستراتيجية كالشعير والذرة الصفراء (لتغذية قطاع الدواجن والثروة الحيوانية) والبطاطا والحمضيات والبندورة.

وعليه، فإن الزراعة في سوريا، تعاني من جملة من العوائق والمشكلات، فهناك ارتفاع في أسعار المازوت، والأسمدة بشكل كبير، وفي مقابل ذلك يعاني المواطنون من انعكاسات هذه الارتفاعات على أسعار الخضار والفواكه، وكل ذلك يحدث أمام أعين الحكومة دون أن تتدخل بشكل حقيقي لدعم هذا القطاع الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في سوريا، والذي اعتاد السوريون على العيش من منتجاته وعائداته لسنوات طويلة.

قد يهمك: خسائر جديدة لمزارعي التبغ في سوريا.. هل ترتفع أسعار الدخان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.