باتت سوريا، مثل ألمانيا بالنسبة لأوروبا خلال حرب الثلاثين عاما، مكانا لتدخل الدول، بينما يدفع السكان المحليون الثمن.
ففي سياق الغزو الروسي لأوكرانيا والتوترات الروسية الأمريكية، فضلا عن التوترات بين إسرائيل وإيران، تبقى سوريا في مرمى التركيز المتجدد. وجزء من هذا التركيز الجديد معروف.

وفي الفترة التي سبقت الحراك الشعبي عام 2011 وما تبعها من حروب، كانت هناك جهود للولايات المتحدة والغرب للتطبيع مع حكومة دمشق، بحيث تكون جزءا من الغرب وليس من نظام التحالف الإيراني الروسي. حتى أن دمشق كانت تفكر جديا في اتفاق يتعلق بهضبة الجولان السورية المحتلة.

وبالرغم من ذلك، دفعت الحرب السورية دمشق إلى الاعتماد بشكل أكبر على حزب الله، وإدخال الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا للمساعدة في إبقاء الأسد في الحكم. وتدخلت روسيا في العام 2015 بدعوة من دمشق للمساعدة في هزيمة المعارضة المسلحة. ومع هزيمة معظم فصائل المعارضة السورية بحلول العام 2018، جاء دور تركيا للتدخل. فقد أصبحت سوريا، مثل ألمانيا بالنسبة لأوروبا خلال حرب الثلاثين عاما، مكانا تتدخل فيه الدول، بينما يدفع السكان المحليون الثمن.

وقد أدى التدخل التركي إلى تدمير جزءا من شمال سوريا، كما أدى إلى تطهير عرقي بحق الأكراد والإيزيديين والمسيحيين ومنح المتطرفين موطئ قدم كبير في كل من إدلب وعفرين. وأدى دعم التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، لقوات سوريا الديمقراطية إلى هزيمة تنظيم داعش في شرق سوريا. وسيطرت إيران على مناطق نفوذ جديدة من البوكمال إلى جنوب دمشق، ومنطقة دير الزور، فضلا عن مخالب تمتد من حلب وقاعدة T-4. وفي ذات الوقت، بات لدى روسيا قوات وقواعد في اللاذقية ودمشق.

من جانبها، تشن إسرائيل حملتها “بين الحروب” في سوريا ضد التمركز الإيراني، حيث تعمل طهران على نقل وكلائها إلى سوريا، فضلا عن الطائرات بدون طيار وغيرها من التهديدات. وقد تعهد رئيس الوزراء نفتالي بينيت بمواجهة رأس الأخطبوط الإيراني في المنطقة.

وقد نشرت تقارير شائعات عن احتمال خفض روسيا لقواتها في سوريا. وبذلك يمكن لإيران أن تمتد إلى المناطق التي قد تقلل فيها روسيا قواتها. ومن شأن ذلك زعزعة استقرار أجزاء من سوريا. وقصفت إسرائيل قصفت مؤخرا مطار دمشق الدولي، وتعمل دمشق الآن على إصلاح المطار.

كذلك تصعد روسيا الآن في سوريا. ويتناقض هذا “التصعيد”، كما وصفه عنوان لصحيفة “وول ستريت جورنال” لتصرفات موسكو، مع التقارير التي قالت إن روسيا قد تغادر. فقد هددت روسيا المعارضين السوريين المدعومين من الولايات المتحدة في قاعدة التنف بالقرب من الحدود الأردنية. وذكر تقرير آخر للصحيفة المذكورة بأن الولايات المتحدة تراجع سرا خطط إسرائيل لشن غاراتها ضد أهداف إيرانية في سوريا. وناقش هذا التقرير مسائل كانت معروفة بشكل جزئي مسبقا، حيث ذكر وجود تنسيق مع الولايات المتحدة وأنها توافق على الضربات الإسرائيلية. والولايات المتحدة قلقة من أن تلك الغارات قد تؤثر على دورها في مهمة مكافحة تنظيم داعش. وقد أعلنت عن مخاوفها بهذا الصدد بشكل واضح وعلني في تقارير الحكومة الأمريكية التي تعود إلى عدة سنوات ماضية.

وفي كانون الأول من العام 2020، قال جيمس جيفري، الذي شغل منصب الممثل الخاص لإدارة ترامب في سوريا والمبعوث الخاص لمهمة مكافحة تنظيم داعش، لـ”المونيتور”: “لقد دعمنا أيضا الحملة الجوية الإسرائيلية. لقد ذهبت إلى هناك وقابلت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وآخرين، وكانوا يعتقدون أنهم لا يتلقون الدعم الكافي من الجيش الأمريكي، على عكس المخابرات الأمريكية. وكانت هناك معركة كبيرة ضمن حكومة الولايات المتحدة، وكسبنا المعركة”.

وفي مقال سابق نشره معهد “واشنطن”، يقول جيفري: “بينما كانت سوريا دولة مستقلة متحالفة مع إيران، أصبحت الآن معتمدة بشكل كلي على طهران ولم تعد قادرة على التصرف بشكل مستقل. وتواجه إسرائيل تهديدا جوهريا من هذا التحالف الشمالي، ولم يتمكن نظام الأمن الأمريكي من التصرف بفعالية ضده”.

وقد كرر الإشارة إلى ذلك في العام 2018 في حديثه إلى الصحافة قائلا: “نحن نتفهم سبب شعور إسرائيل بأنها مهددة وجوديا من قبل الأنظمة الإيرانية بعيدة المدى في سوريا. وندعم كامل جهود إسرائيل لحماية أمنها القومي”. وتظهر تعليقاته تلك سعي الإدارة الأمريكية السابقة إلى زيادة التنسيق مع إسرائيل، وبمجرد أن أصبحت إسرائيل تحت غطاء منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية، أصبح تحقيق تلك الضربات أسهل وأكثر منطقية.

ومع الأزمة الأوكرانية وقضايا أخرى في المنطقة، تحولت الأنظار الآن مجددا نحو سوريا. ويبقى أن نرى ما إذا كان التركيز الجديد على سوريا سوف يؤدي إلى تغيير في تكتيكات إيران، وكيفية استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتنامي التهديد الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.