ثمة تساؤلات عديدة ترافق التحركات الدولية والعربية وعلى رأسها التحركات السعودية، خلال الأيام الماضية، لا سيما الزيارات الأخيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى دول المنطقة، وأبرز هذه الدول هي مصر والأردن، حيث تناولت بشكل خاص أبرز القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية، ومنها الملف السوري، إذ برزت عدة تساؤلات حول مدى إمكانية تطبيع السعودية مع حكومة دمشق، واحتمالات هذه الخطوة. قبل لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في تموز/يوليو المقبل.

واشنطن هي من تحدد

بن سلمان زار العاصمة المصرية القاهرة، مساء الاثنين، تلتها زيارة مباشرة يوم الثلاثاء إلى الأردن، حيث سُلّط الضوء على أبرز الملفات التي كانت موضع مشاورات بين هذه الدول، والتي تطرقت إلى قضايا تتعلق بالمنطقة، وأهمها الملف السوري.

وفي وقت سابق، كانت رئاسة أمن الدولة في السعودية، قد صنفت على قائمة عددا من الأفراد والكيانات، قالت إنهم منتمون لتنظيمات “إرهابية”، من بينهم ثلاثة سوريين وشركة “القاطرجي” السورية.

وذكر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، خلال اجتماع افتراضي، في أيار/مايو الفائت، عبارة “تثبيت الأمن والوضع الاقتصادي بالمناطق الشمالية في سوريا”، التي تبيّن استمرارية الموقف السعودي الرافض من حكومة دمشق.

وضمن هذا السياق، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فراس علاوي “بالنسبة لزيارة بن سلمان، أعتقد أنها زيارة تعتبر بمثابة تنسيق لمعرفة مواقف الدول التي من المحتمل أن تشارك السعودية مخاوفها تجاه التمدد الإيراني بالمنطقة، وبالتالي هي استباق لزيادة الرئيس الأميركي للسعودية ودول الخليج ،حيث تسعى السعودية إلى تنسيق المواقف ورفع سقف التوقعات والمطالب مع الولايات المتحدة”.

وفي تقدير علاوي أثناء حديثه لموقع “الحل نت” جاءت زيارة بن سلمان لاتخاذ موقف موحد من هذه الدول، وخاصة مصر والأردن، حول التمدد الإيراني والملف السوري ومدى إمكانية فك ارتباط دمشق مع طهران وحول الملف السوري بشكل عام.

وأردف علاوي في حديثه، أن الخوف الأبرز بالنسبة للأردن هو تمدد النفوذ الإيراني على حدوده مع سوريا، وبالتالي كان لا بد من لقاء سعودي-أردني لمعرفة الموقف السعودي من عمليات التهريب التي تحدث على الحدود الأردنية-السورية، واتخاذ موقف مشترك تجاه هذه العمليات، وخاصة أنها تستهدف الأمن الأردني القومي والاجتماعي والاقتصادي من خلال إدخال المخدرات غير المشروعة، لذلك من المؤكد أن المملكة العربية السعودية نسّقت في هذا الشأن مع الأردن.

أما بالنسبة لمدى احتمالية تطبيع الرياض مع دمشق، حسب رأي علاوي، فهناك موقفان عربيان، وأضاف بالقول: “أننا سنشهد تطور أحد هذين الموقفين على حساب الآخر في المنطقة. الموقف الأول وجوب استعادة الحكومة السورية من الحضن الإيراني، وبالتالي إعادته إلى محيطه العربي، وهذا رأي بعض الدول العربية أيضا، لكن السعودية حاليا لا تتحرك في هذا الاتجاه، ولكن ربما يتغلب ويسود هذا التيار ونشهد عودة دمشق إلى الجامعة العربية”.

أما الموقف الثاني، وفق علاوي، إنه لا أمل من انفكاك الحكومة السورية عن إيران، خاصة بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى طهران، والتي عززت العلاقات مع طهران بشكل أكبر، من خلال السماح لإيران بالمزيد من التوسع العسكري في جنوبي سوريا كما في شمالها، ورافق ذلك في الآونة الأخيرة المزيد من الاتفاقات التجارية والاقتصادية، وإتاحة الفرصة للتغلغل الإيراني أكثر، وبالتالي، سيكون هناك معاقبة طهران في سوريا من قبل الدول العربية وعلى رأسهم السعودية، الأمر الذي سيضعف دمشق، وبالتالي يترك الباب مفتوحا أمام بعض التغيير في سوريا.

واختتم المحلل السياسي حديثه بالقول: “كلا الموقفين مفتوحان لفرص التطبيع العربي بقيادة السعودية مع دمشق، لكن التبني والاعتماد سيحدث عند زيارة بايدن للمنطقة، ونتيجة لذلك سيتم اتخاذ أحد الموقفين. لكن يجب ألا ننسى أن هناك فيتو أميركي بالنسبة للتطبيع مع دمشق وإعادة تعويمه عربيا، ولكن لا نعرف مدى جزئية هذا الفيتو”.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت يوم أمس الجمعة، عبر تغريدة على منصة “تويتر”، أنها لا تنوي دعم أي جهود للتطبيع، أو إعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد، داعية إلى محاسبة دمشق ومسؤوليتها على الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين.

من وجهة نظر السعودية وبقية الدول العربية التي رافقتها في عملية التطبيع بدرجة أو بأخرى، فإن التطبيع هو وسيلتها التي لا غنى عنها لإعادة بناء نفوذها في سوريا والحد من النفوذ الإيراني، وهم يرون الآن بأنه يجب الضغط على دمشق لحسم تردده، ولجم توجهه لإقامة توازن محض شكلي بين علاقاته العربية والإيرانية دون تقديم تنازلات للدول العربية، وفق مراقبين.

قد يهمك: تقارب سعودي إسرائيلي.. ما تأثيره على المنطقة؟

مواقف السعودية السابقة

في عام 2021 تحدثت تقارير إعلامية عن زيارة وفد سعودي إلى دمشق يرأسه رئيس المخابرات السعودي، خالد الحميدان، ولقائه بالأسد، ومدير مكتب “الأمن الوطني”، اللواء علي مملوك، واتفاق الطرفان على تطبيع العلاقات، حسب صحيفة “الغادريان” البريطانية.

وقالت الصحيفة البريطانية آنذاك، أن الحميدان سافر إلى دمشق للقاء نظيره السوري في أول اجتماع معروف من نوعه منذ نحو عقد من الزمن.

وفي تقرير لمراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط، أن الاجتماع في العاصمة السورية، الذي جرى في 3 من أيار/مايو الماضي، يُعد مقدمة لانفراج وشيك بين خصمين إقليميين كانا على خلاف طوال معظم سنوات الصراع.

لكن، وزارة الخارجية السعودية نفت الاجتماع، ووصف مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، لوكالة “رويترز”، هذه الأنباء بـ”غير الدقيقة”.

وشدد حينها أن سياسة المملكة تجاه سوريا لا تزال قائمة على دعم الشعب السوري، وحل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة، ووفق قرارات مجلس الأمن، ومن أجل وحدة سوريا.

وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2021، قال المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، إن الأولوية لا يجب أن تعطى لإعادة الإعمار، متسائلا، “ما النصر الذي حققوه إذا وقف زعيمهم على هرم من الجثث؟”، في إشارة إلى بشار الأسد.

وأضاف المندوب السعودي، أن تقارير الأمم المتحدة أظهرت أن الحكومة السورية مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، منتقدا “أولئك الذين أذنوا لموجات المتطرفين”، على حد تعبيره.

العلاقات العربية السورية، شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية تحولات مختلفة، فقد أعادت بعض الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، كان آخرها تعيين البحرين سفيرا فوق العادة لها في العاصمة، ولكن لم ينتج عن تلك العلاقات، أي آثار إيجابية على هذه الدول أو على سوريا، وخاصة الشعب السوري.

التواجد الإيراني في سوريا، وسيطرة إيران على معظم القرار السوري، كانت أسبابا مهمة لنجاح ما سُمي بالتطبيع العربي مع دمشق.

وأشار مراقبون خلال حديثهم لـ”الحل نت” مؤخرا، إلى أن الأردن قام بفتح خط للعلاقات مع دمشق بعد العام 2018، من أجل التبادل الاقتصادي، ومن أجل ضبط الحدود بين البلدين، ولكن ذلك لم ينجح بسبب إفشال الميليشيات الإيرانية له، من خلال تواجدها على الحدود الأردنية.

وفي سياق متصل، فإن دمشق تولي أهمية لإيران أكثر من الدول العربية، ففي لقائه الأخير مع قناة “روسيا اليوم”، شدد الرئيس السوري بشار الأسد، على أن علاقته مع إيران “لا يمكن أن تحددها أي دولة”.

لذلك، فإن المحاولات العربية لإبعاد سوريا عن إيران باءت بالفشل حتى الآن، وأن ارتباط دمشق بطهران ارتباط بنيوي، فالأسد يلعب على التناقضات بين روسيا وإيران، ومصالحهما بالدرجة الأولى، ويبتز الخليج ودول المنطقة بأكملها من خلال الوجود الإيراني في سوريا، فهو لديه ورقة ضغط قوية لا يمكنه التنازل عنها، وفق مراقبين.

وعليه، فإن هذه التحركات العربية وفرص تطبيع السعودية مع دمشق وجهود بعض الدول العربية لهذا التقارب وفك الأسد من الحضن الإيراني، لن يأتي بأي نفع على هذه الدول، ولا على القضية السورية والشعب السوري، بل ستزيد الأمور سوءا، لأن هذه العلاقات، وما يمكن تقديمه من دعم لدمشق، سيفتح الباب لإعادة تأهيل دمشق، التي ارتكبت جرائم بحق الشعب السوري لا يمكن وصفها، أي سيمكّنها من الاستمرار في نهجها ضد الشعب.

قد يهمك: أدوار سعودية وأردنية في الملف السوري.. ما الذي سيحصل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.