ما تزال أزمة المياه في العراق قائمة دون معالجات حقيقية، حتى بدأت الآبار تجف في بعض المناطق في البلاد بشكل واسع، لانخفاض المنسوب المائي في نهري دجلة والفرات، وجفاف بعض البحيرات، وانعكاسه على مستوى المياه الجوفية.

وعلى الرغم من الوعود الحكومية في إيجاد حلول لتلك المشكلات، إلا أن للقضية أبعاد إقليمية، لم تجد تحركا جدّيّا إلى اللحظة، على اعتبار أن العراق يعتمد في إيراداته المائية على دول الجوار بنسبة 70 بالمئة، في حين أكدت وزارة الموارد المائية، اليوم الثلاثاء، أن القضية بحاجة للتعاون مع دول الجوار لتقسيم المياه بعدالة، فيما حددت إجراءين للحفاظ على مياه نهري دجلة والفرات.

وقال مدير عام المركز الوطني لإدارة الموارد المائية حاتم حميد لوكالة الأنباء العراقية “واع“، وتابعه موقع “الحل نت“، إنه “خلال العشرين سنة المنصرمة، ظهرت لدينا حالات جفاف متعاقبة بدأت تقل فترات حدوثها، إذ كانت كل 10 سنوات وحالياً كل 3 أو 6 سنوات نشهد سنة فيها شح، ثم بنحو سنتين أو 3 سنوات.”

ولذلك، فإن “هناك حاجة ملحة، للتعاون مع دول الجوار لتقسيم المياه بصورة عادلة مع العراق لكونه دولة مصب، وهو الأكثر تأثرا بالشح المائي“، مشيرا إلى أن “العراق يعتمد في إيراداته المائية على دول الجوار بنسبة 70 بالمئة، و30 بالمئة تتولد داخل البلاد“، بحسب حميد.

كما أضاف، أن “التغيرات المناخية الطارئة خلال العشر سنوات السابقة، أثرت بشكل كبير في الإيرادات المائية، في حين أن هناك مسعيين: الأول إقليمي بالاتفاق مع دول الجوار على حصص مائية تضمن حقوق العراق، والآخر داخلي وطني تتبناه الحكومة العراقية”.

اقرأ/ي أيضا: هل يعود العراق “لاتفاقية الجزائر” لإنقاذ نهري دجلة والفرات؟

أهداف المشروع؟

تلك المساعي “من أجل تنفيذ المشاريع التي وردت بالدراسة الاستراتيجية للوزارات القطاعية، وعلى رأسها وزارات الموارد المائية والزراعة والإسكان والبلديات وأمانة بغداد، لاتخاذ إجراءات كافة، لتنفيذ هذه المشاريع من أجل التكيف مع نقص الإيرادات المائية وترشيدها“، وفقا للمدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية.

ولصعوبة المسار الإقليمي، فإن العراق يجب أن يسير بالتوازي مع المسعى الوطني، كما يقول حميد، ويشير إلى أن “الوطني يجب أن يكون بأيدينا، وتخصيص المبالغ لتنفيذ المشاريع ،وتقليص الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي“.

وأكد أن “ذلك وحده يوفر لنا كميات كبيرة من المياه بالإمكان تعوض النقص الحاصل“، موضحا أن “هناك مشاريع على تلك الوزارات التي ذكرتها تسعى من خلالها الحكومة توفير الأموال اللازمة لغرض تنفيذ هذين المسميين لغرض الحفاظ على نهري دجلة والفرات“.

بالمقابل، يقول المهتم بالشأن البيئي العراقي عاصم الحلاج، في حديث خاص لموقع “الحل نت“، إن “الحديث عن جهود وطنية لمعالجات المشكلات المائية، هو أشبه بذر الرماد في العيون، لاسيما وأن العراق يعتمد في ثلثين من مياهه على التدفقات الإقليمية من تركيا وإيران“.

ويضيف أن “النظريات الوطنية، التي يتم الترويج لها، ودعمها من قبل الحكومة ،هي فقط لإضفاء حالة من الأمان في الرأي العام، وضمان عدم انعكاسه عليها بسبب نقمة الشعب، خصوصا الفلاحين ،والمناطق التي تعتاش على الزراعة، وتعتمد على المياه. وباتت اليوم عاطلة بسبب الشح المائي“.

اقرأ/ي أيضا: الثروة الحيوانية مهددة بـ “الانقراض” في العراق

ترف تنظيري

الحلاج يرى أن “الترف التنظيري والمشاريع التدعيمية التي تشهد رواجا في الوقت الحالي، هي ليست سيئة أو خاطئة، لكنها في توقيت حرج، من حيث عدم توفر الاستقرار الحكومي، والذي له تأثير مباشر على المستوى المادي، والقرار في تنفيذ تلك المشاريع، وثانيا من حيث حجم الأزمة التي أدت لتراجع مناسيب دجلة والفرات إلى 70 بالمئة، وجفاف الأنهر، والروافد التي تعتمد على إيران“.

إذ أن “الأزمة متفاقمة، وأثرت بشكل كبير على الأراضي الزراعية، التي شهدت خروج 13 مليون دونم من الرقعة الزراعية، والتوقعات تشير إلى احتمالية حدوث هجرة على مستوى السكان القاطنين في محاذاة الأنهر، ويعتمدون في أرزاقهم عليها، بالتالي الوضع ينبّئ بخطر، لا سيما وأن الثروة الحيوانية بدأت هي الأخرى بالتأثر، لذلك ليس هناك  وقت للحديث عن معالجات خجولة، أو إستراتيجية، الوضع بحاجة إلى حراك دولي“، بحسب الخبير البيئي.

وأشار إلى أن “القضية تحتاج إلى التحرك بشكل سريع باتجاه التوصل إلى اتفاق، مع تركيا وإيران لإقناعهم في إعادة التدفقات لوضعها الطبيعي لتدارك الأزمة الحالية، ومن ثم التوجه نوح الحلول المستديمة“، مبينا أنه “في حال عدم استجابة الجانبين فهناك خيار اللجوء إلى تدويل القضية في مجلس الأمن الدولي، وقطع التبادل التجاري مع الدولتين، اللتين تعتمدان في اقتصادهما على الاستهلاك العراق والتبادل التجاري بشكل كبير“.

الجدير بالذكر، أن الأمم المتحدة حذّرت في وقت سابق، من أن منسوب نهري دجلة والفرات في العراق ينخفض بنسبة تصل إلى 73 بالمئة، ودعت إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه.

وأوضح المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سامي ديماس أن “العراق يشهد مظاهر قلة الأمطار، وتأثيرها في مناسيب نهري دجلة والفرات، بنسب وصلت إلى 73بالمئة، وارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات أسرع 7 مرات من الارتفاع العالمي، وكذلك عدم التوازن السكاني بنسبة 70 بالمئة في المناطق الحضرية، مما أدى إلى تراجع الزراعة“.

تأثر العراق

يشهد العراق نقصا حادا في المياه، أدى إلى جفاف بحيرات ومستنقعات مائية، بالإضافة إلى انخفاض كبير في منسوب نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من تركيا منذ تشغيلها سد أليسو قبل سنوات، فضلا عن جفاف كامل لأنهر، وروافد تنبع من إيران مرورا بمحافظة ديالى شرقي بغداد.

كما أن الرئيس العراقي برهم صالح، كان قد أكد في تصريح صحفي بوقت سابق، أن “العراق سيعاني من عجز مائي تصل نسبته إلى 10.8 مليار متر مكعب بحلول عام 2035؛ بسبب شحّ المياه التي تدخل لأراضيه من نهري دجلة والفرات“.

ما يمكن الإشارة له أيضا، أن انخفاض معدلات إيرادات نهري دجلة والفرات، عن معدلاتها الطبيعية خلال الأعوام الماضية، تتسبب بانخفاض مليار لتر مكعب من المياه، وخروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية المنتجة عن الخدمة، حسب إحصاءات شبه رسمية.

كذلك يخسر العراق في ذات الوقت، آلاف المليارات المكعبة من المياه سنويا؛ بسبب ما يمكن تسميتها الحرب المائية التركية الإيرانية عليه، وانعكس ذلك بشكل كبير على المحافظات التي تعتمد أنهارها على مياه نهري دجلة والفرات، منها محافظة الديوانية في جنوبي العراق، وغيرها من المحافظات الغربية والعاصمة بغداد.

كما انخفضت مناسيب الأنهار التي تنبع من إيران إلى عدد من المحافظات العراقية، لتتسبب بشح كبير في كميات تجهيز الأراضي الزراعية في محافظات ديالى وواسط والبصرة.

ودفع قطع المياه عن العراق من قِبل تركيا وإيران، إلى لجوء وزارة الموارد المائية العراقية لحفر الآبار الارتوازية، ضمن مجموعة إجراءات اتخذتها لمعالجة شحّ المياه في البلاد.

اقرأ/ي أيضا: الملوحة تحرم البصرة العراقية ثلاث أنواع من الأسماك

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.