الحديث عن حلف ناتو عربي بات شائعا في الأوساط السياسية بالمنطقة، بعد أن نقلت وسائل الأنباء العالمية تصريحات العاهل الأردني عبد الله الثاني الأخيرة، التي أدلى بها في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي لوكالة “سي إن بي سي” الأميركية، وعبّر فيها عن رغبته بتشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وتأتي تصريحات العاهل الأردني تزامنا مع موعد جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، والتي تبدأ في الثالث عشر من تموز/يوليو الجاري، وتشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ثم المشاركة في المؤتمر الذي دعا له الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، المزمع انطلاقه في الخامس عشر من الشهر الحالي، وتشارك فيه دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.

فهل ستتمخض جولة بايدن عن تشكيل حلف ناتو عربي؟ وما موقف العراق من الحلف المزمع؟

ما الغرض من حلف ناتو عربي؟

يُعتقد أن الهدف الرئيسي لتشكيل حلف ناتو عربي هو إيجاد نوع من التفاهم بين دول عربية متعددة وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني. فيما يلعب الأردن دورا محوريا في تشكيل هذا الحلف، بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات على الحدود الأردنية-السورية، التي تنفذها ميليشيات موالية لإيران، فضلا عن الكشف عن محاولات لاختراق موقع وزارة الخارجية الأردنية من قبل قراصنة، يُظن أنهم موجهون من طهران، بحسب موقع “ميدل إيست آي“.

ويعزز الرأي القائل بمساعي الولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر العربية الإسرائيلية تسريبات نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، تفيد بعقد إجتماعات خاصة في مدينة شرم الشيخ المصرية، ضمت مجموعة من المسؤولين العسكريين في كل من أمريكا وإسرائيل ومصر ودول خليجية، لم تسمها الصحيفة، لبحث كيفية ردع تنامي القدرات الإيرانية العسكرية.

وهي أنباء تجد اهتماما خاصا بين الدوائر الإعلامية الإسرائيلية، والتي اعتبرتها تمهيدا لتدشين نظام أمني جديد، يضم دولا عربية إضافة الى إسرائيل.

أما ظاهريا فإن تأسيس حلف ناتو عربي يهدف، في حال تنفيذه، إلى صد نوعين من التحديات، بحسب الباحث السياسي محمد نعناع: “التحدي الأول يتعلق بالتهديدات الحدودية القائمة بين العراق وسوريا والأردن والسعودية، والمتمثلة بالهجمات الإرهابية، والاعتداءات التركية والإيرانية؛ أما الثاني فينحصر في حماية المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة للدول الأعضاء، وهو ما ركز عليه العاهل الأردني بشكل كبير في تصريحه”.

ويلفت نعناع، في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أنه “قد سبق تأسيس جبهات مماثلة، مثل مجلس التعاون العربي، ومجلس الأمن والدفاع العربي التابع لجامعة الدول العربية. وهي مشاريع فشلت بسبب اختلاف مصالح الدول العربية”. وتاليا يعتقد أن “هذه الجبهة لن تكون بالقوة الكافية لاتخاذ إجراءات فاعلة على الساحة الإقليمية”.

وبحسب التسريبات الحالية فإن السعي لتأسيس حلف ناتو عربي سيشمل، في حال نجاحه، كلا من الأردن ومصر والسعودية والإمارات، ودولا أخرى من بينها العراق، وهو ما أجج الرأي العام العراقي، نظرا لما يعانيه البلد من أزمة سياسية خانقة، وفقدان كبير للتوازن الأمني. فضلا عن رفض أطراف عراقية كثيرة إقامة أي نوع من العلاقات مع إسرائيل.

هل يسمح وضع العراق الداخلي بالانضمام لحلف عربي؟

ساهم العراق بشكل بارز في تأسيس عدة جبهات إقليمية وعربية منذ استقلاله. المحلل السياسي جبار المشهداني يستذكر تشكيل العراق لحلف بغداد في عام 1955، والذي ضم دولا إقليمية مثل الأردن وتركيا وإيران. ولكن المشهداني يرى أن “سياسة المحاور لن تناسب العراق، في ظل الوضع السياسي الإقليمي والدولي المعقد حاليا، خاصة وأن موقع البلد الجغرافي يفرض عليه لعب سياسة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء إقليميا، وعلى رأسهم إيران والسعودية وتركيا”.

ويتوقع، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “دخول العراق في سياسة المحاور سيزيد من تعقيدات المشهد السياسي الداخلي المضطرب حاليا”. ويعزو ذلك إلى “ارتباط كثير من الجهات السياسية بمحاور خارجية، تسيطر على صناعة قرارها السياسي بما يناسب مصالحها”.

إضافة إلى ذلك فثمة اعتقاد شائع بأن طهران ستتدخل، من خلال أذرعها السياسية والعسكرية، لمنع دخول العراق في أي تحالف، تعتقد أنه سيشكل تهديدا ضد وجودها في المنطقة، وهو ما ذهب إليه تقرير وكالة “بلومبيرغ”، والذي شكك بقدرة الحكومات العربية على مساعدة الحكومة العراقية في مواجهة مثل هذا التدخل.

كما أن التهديدات السياسية والأمنية التي يعاني منها العراق قد تقف عائقا آخر أمام انضمام البلد لتحالفات إقليمية. وتاليا، فرغم أن خيار مساهمة بغداد بتشكيل حلف ناتو عربي ما يزال قائما، إلا أن هذا لن يكون سهلا من الناحية العملية، بحسب وكالة “ميديا لاين” الأميركية.

ماذا يستفيد العراق من حلف ناتو عربي؟

وأفاد مصدر سياسي مقرّب من رئاسة الوزراء العراقية أن “ما يمكن أن يحققه حلف ناتو عربي للعراق يعتمد بشكل رئيسي على قدرته على إبعاد القرار السياسي في بغداد عن التأثيرات الخارجية. أي إذا كانت قوة الحلف ستؤدي إلى ردع التدخلات والانتهاكات الإيرانية والتركية في البلاد، ومن ثم تحقيق نوع من الاستقرار الأمني والسياسي”.

وأضاف المصدر لموقع “الحل نت” أن “بإمكان هذا الحلف المزمع رفع كفاءة القوات الأمنية العراقية في مواجهة التحديات الداخلية، التي تشكلها التنظيمات الإرهابية والمسلحة النشطة في الداخل”.

ويلفت المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “قمة الرياض ستناقش جانبين آخرين يخصان العراق: الأول مساعي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، وهي مساعٍ تتزامن مع الغضب الخليجي من تراجع الدور الأميركي في المنطقة؛ والجانب الأخر يتعلق بأزمة تأخّر تشكيل الحكومة العراقية، خاصة وأن هذه الأزمة بدأت تلقي بظلالها على المنطقة”.

ويبقى السؤال الأساسي: هل سيتمكن حلف ناتو عربي، في حال تدشينه، من فرض وجوده على الساحة الإقليمية، ومواجهة قوى إقليمية ذات نفوذ كبير، مثل إيران وتركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة