يحيط الغموض بالجيش السوري الحرّ، وتتناقض الأخبار والتحليلات حول وضعه ومستقبله. وهو أمر طبيعي بعد التطورات العسكرية والسياسية، التي أحاطت به، لاسيما في ثلاث نقاط أساسية. أولها الهجوم الذي تعرضت له مقرّات ومستودعات هيئة أركان الجيش الحرّ في أطمة بالقرب من الحدود التركية السورية، وبعد انشقاق عدد من التشكيلات التابعة له والتحاقها بالتشكيلات الإسلامية والانتشار الكبير للجماعات الجهادية المتطرفة في المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الحرّ في شمال وشرق البلاد.

والحقيقة، أن تجربة الجيش الحرّ ومستقبله، دخلت أفق المجهول قبل التطورات الأخيرة بوقت طويل وبشكل خاص بعد تشكيل هيئة الأركان قبل أكثر من عام. إلا أن ظروفاً عسكرية وسياسية، غطّت على تدهور أوضاع الجيش الحرّ، وأبقت عليه حاضراً ولو بصورة إسمية في القضية السورية، ومن أبرز تلك الظروف سعي الائتلاف الوطني لتعزيز قوة الجيش الحرّ وتوحيده في ظلّ عدم وجود بدائل أفضل، والدعم السياسي والعسكري الإقليمي والدولي لهيئة الأركان إضافة إلى أن عدداً من التشكيلات المعارضة، كانت ترفع راية الجيش الحرّ ولو بصورة ملتبسة، وكلها تقريباً تغيرت اليوم.

عودة إلى بدايات تشكيل الجيش الحرّ، يمكن القول، إن ظهوره اكتسب أهمية كبيرة من الناحيتن السياسية والعسكرية. فقد كان ظهوره تعبيراً عن قدرة السوريين على إنتاج قوة للدفاع عن المتظاهرين السلميين الذين يتعرضون لرصاص النظام، وتتعرّض حاضناتهم الاجتماعية للانتهاك على يد أجهزة المخابرات وعناصر الشبيحة، وللتدمير من جانب قوات جيش النظام. وكان ظهور الجيش الحرّ مهمّاً من الناحية العسكرية في أنه شكل حاضنة للثوار المدنيين الذين حملوا السلاح دفاعاً عن النفس، وللعسكريين الذين انشقوا عن النظام لرفضهم قتل مواطنيهم وأهلهم، فوجدوا فيه حاضنة تجمعهم.

وبحكم الواقع، فإن تشكيلات الجيش الحرّ الأولى، كما كل التشكيلات الأخرى التي أفرزتها الثورة، ظهرت في مناطق متعددة ووسط ظروف مختلفة، فكانت لها تجارب متنوعة، رغم رفعها راية واحدة، هذا بين عوامل أخرى، أعاقت عمليات توحيدها المتكرّرة وأبقتها متفرقة، بل وبين بعضها تناقضات واختلافات، لم يستطع القادة الميدانيون تجاوزها، ولا استطاعت قيادات المعارضة السياسية التغلب عليها، لأن مشاكل من نمط مقارب كانت موجودة، وما تزال في صفوف المعارضة السياسية.

إن عجز القيادات الميدانية في توحيد تشكيلات الجيش الحرّ أو توحيد  الرئيسية فيها، كان الخطوة الأولى في فشل التجربة، ثم جاء خطأ آخر، يمثله فشل المعارضة السياسية ليس في عدم مقدرتها على القيام بتلك المهمة فقط، وإنما في عجزها عن ربط الجيش الحرّ بها، وتحول الجيش الحرّ إلى رأس أو رؤوس أخرى للثورة، الأمر الذي خلق أوهاماً لدى بعض قيادات الجيش الحرّ بأنهم يشكلون قيادة للثورة، وليس باعتبارهم جزءاً منها وجنوداً فيها.

ورغم أن تشكيل هيئة الأركان (مثل تجارب أخرى) تم بمساعدة أطراف إقليمية ودولية لتوحيد الجيش الحرّ، وهو أمر مفهوم في ظل عجز القوى الداخلية وقياداتها عن القيام بهذه المهمة الصعبة، فقد كانت الفرصة، تحمل عوامل فشلها سواء من الناحية السياسية أو من الناحية التنظيمية. إذا هي جاءت من أطراف لها أهداف تفصيلية ومتناقضة رغم مسعاها التوحيدي العام، وهي من جانب آخر، كانت عملية فوقية، صلتها ضعيفة مع الواقع القائم، ومن الناحية التنظيمية، لم تستطع بناء هياكل وروابط عملية مع واقع تشكيلات الجيش الحرّ، وكان أحد التعبيرات الفجّة في ذلك وجود شخصيات، لا تملك الأهلية أو الخبرة العسكرية في قيادة هيئة الأركان.

لقد تعزّزت عوامل فشل تجربة الأركان بممارساتها. إذ عجزت في أن تتحول إلى قيادة حقيقية للجيش الحرّ، وأخفقت في القيام بخطوات توحيدية حقيقية، وبدت غالباً عاجزة في التأثير حتى على قرارات وتصرفات القوى التي تتبعها بما فيها الغرف التابعة للهيئة ذاتها. وظهرت الهيئة في كثير من الأحيان وكأنها مجرد محطة يمر منها الدعم والمساعدات المقدّمة من أطراف إقليمية ودولية إلى تشكيلات عسكرية تتبع الجيش الحرّ ولو من الناحية الشكلية، وبعضها على خلاف مع الأركان، فيما كانت الأركان تعجز –أو هي لا ترغب- عن تقديم مساعدات لتشكيلات في الجيش الحرّ، تؤكد ارتباطها وولاءها لهيئة الأركان.

لقد ترافقت ممارسات فشل هيئة الأركان على الصعيد العملي مع فشل سياسي مدمّر. أساسه عدم قدرتها في بلورة موقف سياسي موحد، يتوافق مع احتياجات الثورة وأهدافها الرئيسية في الإطاحة بالنظام والسعي لإقامة نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، وظلت أسيرة المواقف والشعارات البسيطة، والأمية السياسية الحاضرة عند بعض ضباطها ولدى قادة ميدانيين بدعوى مسايرة المواقف السائدة دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لمواقف صحيحة، وأدّت تلك الأخطاء إلى تناقض مواقف الهيئة مع مواقف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي يعتبر الائتلاف ممثلها السياسي من جهة وهي قوة من القوى المشاركة فيها، حيث لممثليها خمسة عشر عضواً في الائتلاف.

خلاصة القول، إن تجربة الجيش الحرّ، لم تكن ضحية لنظام القتل والتدمير الذي وضعها في أولويات أهدافه من أجل تدميرها، وهي لم تكن كذلك ضحية قوى التطرف الجهادي التي حاربها بكل قوته، إنما كانت ضحية قصور قياداتها في تثمير هذه التجربة وتطويرها توحيداً وتنظيماً وتفعيلاً، قبل أن تأتي هيئة الأركان بظروف تشكيلها وممارساتها وأخطائها السياسية، وتضع هذه التجربة عند حد الدمار، وتحوّل تجربة الجيش الحرّ إلى جيش مغدور.

 المدن ـ فايز سارة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.