رجل التناقضات الأول في العراق. ينام على قرار ويصحو على قرار آخر. هكذا يصف العديد من العراقيين، زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، ولعل ذلك الوصف ينطبق عليه في حالة مادتنا لهذا اليوم.

المادة تتحدث عن المثلية في العراق، وكيف كان الصدر قد دعا قبل 6 أعوام بالضبط إلى تقبل “مجتمع الميم” و”إنهاء العنف ضد المثليين في العراق”، وكيف تغير موقفه اليوم.

دعوة الصدر لتقبل المثليين، لاقت حينها أصداء دولية مرحبة، فقد وصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بـ”الخطوة المهمّة”، في بادرة، عُدّت الأولى من نوعها من خلال تصدي رجل دين للدفاع عن تلك الشريحة التي تعرضت لكل أشكال العنف منذ سنوات طويلة.

الأسبوع الماضي، قال الصدر عبر المقرب منه صالح محمد العراقي، إن ما دعاه للعودة إلى الانتخابات المبكرة الأخيرة والمشاركة بها بعد انسحابه، عدة قضايا، منها مجتمعية.

صالح العراقي المعروف بـ “وزير الصدر”، قال إن ما دعا الصدر للعودة للانتخابات الأخيرة، هو تشريع قانون يجرّم “التطبيع مع إسرائيل”، وقد نجح “التيار الصدري” في ذلك.

الآمر الآخر الذي دفع بالصدر للعودة إلى الانتخابات والمشاركة بها، وفق وزيره صالح محمد العراقي، هو “تجريم المثلية” في العراق عبر تشريع قانون رسمي بشأن ذلك.

وزير الصدر استدرك، أن انسحاب “الكتلة الصدرية” من البرلمان حال دون تشريع قانون “تجريم المثلية”، وقال: “لنرى إن كانت قوى الإطار ستفعل ذلك”.

البحث عن السلطة

التحول في موقف الصدر من داع إلى إنهاء العنف ضد المثليين في العراق وضرورة تقبلهم، إلى السعي لتشريع قانون يجرّم المثلية في البلاد، دفعنا لمعرفة أسباب ذلك الانقلاب المفاجئ.

تقول الحقوقية ورئيسة “فريق نسويات البصرة”، هيلين حسين، إن رجل الدين كما هو معروف عنه، غالبا ما يبحث عن السلطة، وتلك الحالة تنطبق على مقتدى الصدر أيضا.

حسين تضيف لـ “الحل نت”، أن من بين ما يدعم قوة رجل الدين للوصول إلى السلطة هو نقد المثليين، ووصفهم بالشواذ، غير الطبيعيين، وأنهم يشكلون الخطر على إدامة نسل البشرية.

ذلك بالذات، ما يقوم به مقتدى الصدر، وما يدعمه في ذلك، هو أن الأديان لا تتعامل بتعايش مع المثليين، بل تشجع في بعض النصوص الدينية الصريحة على قتلهم، وفق حسين.

تمر هذه الأيام، الذكرى السنوية الخامسة على مقتل الشاب العراقي كرار نوشي، التي شكّلت قضية رأي عام حينها، بعد قتله لمجرد أن شعره طويل ومصبوغ باللون الأصفر، ففسر المتشدّدون أن نوشي من المثليين، ليقتلوه.

تعيد هيلين حسين جريمة مقتل نوشي إلى الصدر نفسه؛ لأن ميليشيا “جيش المهدي” التابعة له، هي من بدأت بحملة قتل المثليين في البلاد في سنوات الحرب الأهلية، خصوصا بين 2007 و2011، لتستمر تلك الحملة دون توقف.

“البلوكة” و”الإيمو”

المثليون في العراق، يعانون من القتل والتنكيل العلني بهم منذ التسعينيّات، وذكرت صحيفة “الأوبزيرفر” في 2009 إحصائية، مفادها أن 680 مثليا قتلوا في العراق بين عامي 2004 و2009.

تقول حسين، في سنوات الحرب الأهلية طفت إلى السطح ظاهرة “الإيمو”، ومنذ ذاك بدأت ميليشيا الصدر بقتل الشباب عبر “البلوكة’، لمجرد أن أشكالهم جميلة ويصففون شعرهم بطريقة حداثوية.

ظاهرة “الإيمو” المعروفة في الغرب، انتشرت في أوساط الشباب العراقي في سنوات الحرب الأهلية وما بعدها، خاصة في بغداد. إذ كان من الطبيعي رؤية شباب يرتدون ملابس يغلب عليها اللون الأسود، وإكسسوارات على شكل جماجم وتسريحة شعر مميزة لتلك الظاهرة.

اعتبر أنصار الصدر من ميليشيا “جيش المهدي”، تلك الظاهرة حينها بأنها تميل للمثلية، لذلك قامت الميليشيا بقتل كل من يخرج بمظهر “الإيمو” عبر ضربه على رأسه بقطعة صلبة من الإسمنت، تعرف في العراق بـ “البلوكة”.

حسين المدافعة عن حقوق الإنسان، تقول إن الصدر كان آنذاك يملك السلطة الاجتماعية الأقوى، لذلك كان يريد الحفاظ على هيبته وسلطته، وظاهرة “الإيمو” وفّرت له الفرصة لتعزيز سلطته عبر اتهامهم بالمثلية وقتلهم.

لم يقتل المثليون فقط، بل غيرهم ممن يملكون أشكالا جميلة تعرصوا للقتل أيضا، وفق حسين، التي تذكر أن الكثير من عوائل البصرة كانت تمنع أولادها من الخروج خارج المنزل، وترسل بناتها بدلا عنهم، لجلب الاحتياجات المنزلية من الأسواق، نتيجة الخوف والترهيب الحاصل وقتها.

“لكسب الشارع المدني”

لا توجد إحصائية رسمية عن عدد المثليين في العراق، لكن المؤشرات تقول إنهم يشكلون مع العابرين والعابرات جنسيا و”مجتمع الميم”، الآلاف في البلاد.

يواجه المثليون في العراق، الاضطهاد والعنف والقتل بشكل شبه يومي، وذلك الاضطهاد بدأ منذ التسعينيات عندما أقر نظام صدام حسين السابق، “الحملة الإيمانية” بحجة العودة إلى الإيمان.

ترتب على “الحملة الإيمانية” إصدار مرسوم يجرم “مجتمع الميم” بشكل عام، على أن تكون العقوبة هي الإعدام، ونفذت مئات الأحكام بقرارات قضائية حينها.

فيما يخص دعوة الصدر عام 2016 لتقبل المثليين وإنهاء العنف ضدهم في العراق، تقول هيلين حسين، إن ذلك يعيدنا إلى المربع الأول، وهو أن رجل الدين يبحث عن السلطة، بحسب تعبيرها.

في تلك الفترة، كان تأثير الصدر قد تراجع في العراق، لذلك حاول كسب الشارع له مجددا عبر دعوته لتقبل المثليين وإنهاء العنف ضدهم، وكذلك عبر تحالفه مع الشيوعيين والمدنيين، كي يعود إلى الواجهة مجددا، وفق رئيسة “فريق نسويات البصرة”.

نجح الصدر بالفعل في كسب الشارع المدني والشيوعي لصفه، وعاد إلى الواجهة، وباتت سلطته هي الأقوى سواء داخل العملية السياسية أو خارجها، ولذلك عاد اليوم لينقلب ضد المثلية، بعد تحقيق ما طمح له، بحسب هيلين.

هيلين تختتم بتحذيرها، من أن سعي الصدر لتجريم المثلية في العراق، يعني أن جرائم القتل قد تعود في أي وقت بحق “مجتمع الميم”، وقد تكون أعنف من تلك التي حدثت قبل أكثر من عقد من الآن.

تضاعف العنف

بعد سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003، لم ينته العنف والقتل الذي يطال ”مجتمع الميم” في العراق، بل استمر، وزادت حدته على يد “جيش المهدي”، بعد “الحرب الأهلية” التي استمرت منذ 2005 وحتى 2009.

بعد دعوة الصدر في 2016، لإنهاء العنف ضد المثليين، عاش المثليون بفترة هدوء نسبي، ثم عاد العنف والترهيب لينال “مجتمع الميم” منذ عام 2018، وهذه المرة من قبل ميليشيا “عصائب أهل الحق”، فقد وثقت منظمة “ألوان” 368 انتهاكا ضد المثليين، منذ 2019 وحتى نيسان/ أبريل 2021.

المنظمة المعنية بحقوق “مجتمع الميم”، قالت في توثيقها، إن “شخصا واحدا يتعرض كل يومين تقريبا إلى نوع من أنواع الانتهاكات، التي شملت الاغتصاب والتعذيب والتهديد والسرقة”.

في 17 أيار/ مايو 1990، أعلنت منظمة الصحة العالمية حذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية، ليعتبر المجتمع الدولي ذلك اليوم من كل عام، يوما عالميا لمناهضة العتف بحقهم.

يجدر بالذكر، أنه عادة ما تشهد مدن عالمية مسيرات دعما للمثليين لتسليط الضوء على معاناتهم في المجتمعات التي لا تتقبلهم، حيث لا تعترف قوانين كثير من الدول بحقوقهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.