مع قرب انعقاد القمة الإقليمية التي تستضيفها السعودية، بعد أيام قليلة، والتي سيحضرها الرئيس الأميركي جو بايدن، تزداد التكهنات حول احتمالية تشكيل حلف جديد في المنطقة مشابه لـ”حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، بأدوات عربية من أجل تحقيق أهداف إقليمية، لعل من أبرزها حفظ الاستقرار والسلام في المنطقة، والذي قد يتمثل بمواجهة النفوذ الإيراني، الذي يقلق العديد من دول هذه المنطقة إن لم يكن جميعها، وفي مقدمتها الدول الخليجية.

الافتراض القائل بأن حلف “ناتو عربي” قد يتم تشكيله بعد هذه القمة التي ستمهد لنشأته، لن يكون مطابقا لما سيحصل على أرض الواقع، بالانطلاق من أن هذا الحلف لن يكتب له الاستمرارية دون دخول دول إقليمية فيه، سواء إسرائيل التي تستمر باستهداف الأراضي السورية بشكل رئيسي لضرب النفوذ الإيراني، أو بمشاركة تركيا أيضا التي اضطرت لتفعيل علاقاتها مع دول الخليج مؤخرا لأجل مصالحها الاقتصادية، وإن كانت تركيا أقل أهمية من باقي الدول الأخرى، كون أنقرة تسعى دائما لتغليب مصالحها الخاصة، ولو على حساب علاقاتها مع دول الإقليم أو تحالفاتها، ولعل خذلانها لروسيا في أكثر من موضع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، يدلل على صحة الافتراض بأن حلف ناتو جديد في المنطقة سواء كان عربيا، أم شرق أوسطيا فإنه قد يسير بنجاح بمعزل عن تواجد تركيا فيه، وهي التي ساومت أعضاء “حلف الناتو” في عدة مواضيع مؤخرا، كان أبرزها منع توسيع الحلف، إلا بعد تحقيق مصالحها الخاصة، بعيدا عن مصالح الحلف وأهدافه.

من هنا، تنبعث عدة تساؤلات حول خيارات تشكيل حلف “ناتو” جديد في المنطقة، سواء كان تحالفا عربيا خالصا، أو تحالفا شرق أوسطيا يتجاوز أعضاؤه الدول العربية.

خلط للأوراق أمام إيران؟

منذ تداول فكرة تشكيل “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”، علّق العديد من الخبراء والمراقبين باستفاضة على هذا المشروع، قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية في منتصف الشهر الجاري.

وضمن هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني ميّار شحادة، أن بداية فكرة تشكيل هذا الناتو، هو أنه لن يكون ناتو عربيا، بل حلفا شرقا أوسطيا، لأنه إذا كان عربيا فسيفشل، بمعنى آخر، إذا تم تشكيل هذا الناتو، فستكون إسرائيل وربما تركيا جزءا منه، كما أُعلن حتى الآن بشكل غير مباشر، وهدفه الأساسي هو مواجهة التهديدات الإقليمية المتمثلة في التمدد الإيراني.

وأردف في حديثه لـ”الحل نت”، أن الولايات المتحدة الأميركية وللمرة الأولى، وتحديدا من خلال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، تحدث علنا، عن أن إيران قد دعمت روسيا بأسلحة عبر العراق إلى أوكرانيا، كما أنه قال بأن إيران تستعد لتدريب القوات الروسية على استخدام الطائرات بدون طيار، وربما قد سلمت روسيا الطائرات المسيرة أيضا، وبالتالي تبدو الإدارة غاضبة إلى حد ما، أو بالأحرى ليست مستعجلة على إبرام اتفاقية ما مع إيران (الملف النووي) حاليا، بل قامت ببعض خلط للأوراق أمام إيران، وبالتالي الضغط على إيران وتحركاتها، خاصة في الجانب الاقتصادي، وتعلم إيران جيدا أنها ستكون الخاسر الأكبر من هذا الموضوع، أي تشكيل حلف “شرق أوسطي”.

قد يهمك: دور أميركي جديد في الشرق الأوسط؟

الناتو ليس عربيا بحتا

ضمن إطار التحديات التي تواجه فكرة هذا المشروع، أشار شحادة، إلى أن هناك تحديات أمام تشكيل هذا التحالف، منها أن المملكة العربية السعودية، وفقا لوكالة “رويترز”، وضعت شروطا للولايات المتحدة لعدم وضع طلبات أو شروط من خلال الزيارة، لا بزيادة النفط أو أي شيء آخر.

وهذا الناتو، بحسب شحادة، يحتاج إلى اجتماعات وموافقات ضمنية لوجود إسرائيل كطرف فيه، لأن نجاحه مرهون بوجود الأخيرة. “ربما يمكن الاستغناء عن تركيا داخل هذا التحالف، لأن تركيا ليست موجودة إلا في ملفات قليلة فقط، لكن إسرائيل ضرورة وجودية لهذا الحلف، حيث تتشارك مع الدول العربية مخاوف التهديدات الإيرانية وخطرها في المنطقة” بحسب شحادة.

النقطة الثانية والأكثر أهمية هي أن إسرائيل تمتلك تكنولوجيا عسكرية. “صحيح أن الدول العربية تمتلك أموالا واستثمارات، لكن إسرائيل تمتلك أسلحة متطورة. هما يكمّلان بعضهما البعض، السلاح العسكري الإسرائيلي والمال العربي، لذا فإن الناتو -إن تشكّل- فلن يكون عربيا خالصا”، بحسب رأي شحادة.

ووفق تقدير المحلل السياسي، فإن “بايدن يأمل ألا يكون هذا الناتو فقط لمواجهة إيران، بل استدامته ليشكل منظومة حقيقية للشرق الأوسط، وبالتالي الاستقرار في المنطقة والعلاقات بين إسرائيل والسعودية بشكل خاص أو كسب وجود لها، وبالطبع هذا يعتمد على زيارة بايدن للمنطقة وسريان الاجتماعات. لكنني لا أعتقد أن هذا الناتو سيكون على عجل، ولا أعتقد بأن المفاوضات الإيرانية الأميركية ستكون على عجل، حيث أن كل هذه الأدوات تستخدم للضغط والتهديدات”.

وخلص شحادة حديثه بالقول: “تقريبا، جميع الأطراف تقدم طلباتها على حِدا، وجميع الطلبات مختلفة ولا توجد أرضية مشتركة. ربما يأتي بايدن إلى المنطقة ليجد أرضية مشتركة ومتوازنة بين دول المنطقة، لكن بايدن بشكل عام مقبل على انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبلة (التجديد النصفي)، حيث قررت إدارة الولايات المتحدة سابقا، منذ إدارة باراك أوباما السابقة، الخروج من منطقة الشرق الأوسط بشكل تدريجي، لذلك فإن هذا الانسحاب يتطلب تشكيل قوة ردع خاص بالمنطقة، وتحديدا بين إسرائيل والسعودية، وربما يكون نفوذ إيران وتحركاتها حافزا لتشكيل هذا الناتو”.

إن فكرة “ناتو عربي” أو ناتو “شرق أوسطي” تعود لحقبة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي جمع للمرة الأولى قادة الدول الخليجية في كامب ديفيد، حيث اتفق معهم على دورية عقد هذه الاجتماعات، والعمل على خلق جبهة واحدة متحدة لمواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت إيران أو التنظيمات الإرهابية.

ومن ثم دعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أيضا إلى مشروع هذا الحلف الاستراتيجي “ميسا” أو “الناتو العربي” كما اصطلح على تسميته إعلاميا، ويضم دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر والأردن. وكان المُعلن أن هدف هذا التحالف هو “التصدي للتوسع أو التهديدات الإيرانية”، بالإضافة إلى التهديدات الإرهابية المحيطة بالمنطقة بشكل عام.

لكن هاتين المحاولتين واجهتا عدة عقبات وقتها أدت إلى فشلهما، لذا فإن الفترة المقبلة تحمل عدة خفايا تتعلق بمدى نجاح إدارة بايدن الحالية على نقيض ما حدث خلال الإدارتين السابقتين. هذا ويأتي الحديث عن تشكيل “ناتو شرق أوسطي” في وقت يعمل فيه حلفاء واشنطن في المنطقة على تحمل المزيد من العبء في مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، وفي مقدمتهم إسرائيل ودول الخليج، لذا فكرة الناتو -إن تشكّل- فقد يكون شرق أوسطيا وليس عربيا فقط.

قد يهمك: “ناتو عربي” على الأبواب.. ما احتمالات ذلك؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.