رغم أن قطاع الزراعة في سوريا الأكثر ربحية للمستثمر السوري، بالنظر إلى أن الأرض السورية خصبة ومؤهلة للزراعة في العديد من المحافظات السورية، إلا أن هناك خلل في المشاريع الاستثمارية الزراعية المطروحة في سوريا، وهذا الخلل مرتبط بشكل رئيسي بقرارات حكومة دمشق بمنع التصدير، حيث يشكل هذا الأمر العقبة الأكبر والسبب الأبرز في ضعف الاستثمارات الزراعية.


منع التصدير الخلل الأكبر

رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، محمد كشتو، اعتبر أن الاستثمار في القطاع الزراعي يحقق للمستثمرين عوائد أفضل من الاستثمارات التقليدية بسبب زيادة الطلب على الأغذية عالميا، ولكن ومع كل التسهيلات المقدمة في قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021 لا يزال هناك خلل في المشاريع الاستثمارية الزراعية المطروحة في سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الاثنين.

وأردف كشتو في حديثه، أن المناخ الاستثماري منقوص وغير كامل وفيه خلل كبير، جزء منه سببه العقوبات الخارجية على البنوك وتحويل الأموال، والسبب الآخر وهو الأهم داخلي سببه قرارات الحكومة السورية والمتمثلة في “منع التصدير”.

ووفق كشتو، فإن المستثمر يبحث عن مصالحه، والاستثمارات التي تحمل عوائد كبيرة له، لكن في حال لو كانت العقبات واحدا بالمئة أمام استثماراته فهي تشكل عقبة وكفيلة بـ”تطفيشه”، وهذا الجزء أو السبب الرئيسي في ضعف الاستثمارات الزراعية في سوريا.

ونوّه كشتو إلى أن استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية يفتح المجال أمام تحقيق عوائد استثمارية طويلة الأجل للمستثمرين في هذا القطاع، وخاصة أن 65 بالمئة من الصادرات السورية هي زراعية، والمطلوب اليوم من الجهات المعنية تعزيز الصادرات والابتعاد عن قرارات منع التصدير.

وشدد على ضرورة التخلص من وهم أن تصدير المنتجات يرفع أسعارها في السوق الداخلية، والحقيقية أنه عندما تصدر إلى الأسواق الخارجية وفق سياسة تسويقية مبنية على معطيات صحيحة لا يكون للتصدير أي أثر على السوق الداخلية.
وبحسب رأيه، فإن السياسات التصديرية يجب أن تقوم على تأمين عوامل وإنتاج منتج تصديري، والعالم كله ينتج المسوق ولا يسوق المنتج، ويجب الذهاب إلى إنتاج المسوق داخليا وخارجيا وليس العمل بالإنتاج ومن ثم البحث عن أسواق خارجية.

وجوب تسويق الفائض

في الآونة الأخيرة، تكبد مزارعو الخضار في سوريا لجملة من الخسائر، نتيجة لعدة أسباب أهمها عدم وجود دعم حكومي وقرارات منع التصدير، إلى جانب تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية مثل المازوت التي تدخل في عملية الإنتاج، وكذلك أجور النقل، مما أتاح الفرصة لاستغلال واحتكار التجار والسماسرة بتسويق السلع، وبالتالي تكبد مزارعو الخضار خسائر متتالية نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج أمام المبيعات.

وبالعودة إلى رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، محمد كشتو، فقد قال: “منذ 30 سنة ونحن نعاني من تسويق الحمضيات، ونردد جملة وجوب تسويق الفائض، لفظ الكلمة الفائض من الأخطاء التقليدية المرتكبة لأنه ماذا يعني تسويق الفائض؟ لا أحد يشتري الفائض منك”.

وحول إمكانية تنشيط التصدير الزراعي أوضح كشتو أن “65 بالمئة من صادراتنا هي زراعية، والمطلوب تعزيزها من خلال إنتاج منتجات زراعية تصديرية، أو ما يعرف بالزراعة التعاقدية”، وعلى سبيل مثال، وفق كشتو، “الخيار الشوكي لا سوق له ضمن سوريا، ويجب أن يكون له معاملة خاصة، والفلاح يخاف من قرار منع التصدير وإتلاف محصوله، فلا يقدم على زراعته بالرغم من عوائده الكبيرة على الفلاح والتصدير”.

واعتبر كشتو أن سلوك حكومة دمشق وإصدار قرارات المنع بعد ارتفاع سعر أي سلعة في السوق الداخلية، الأمر الذي أدى إلى إتلاف موسم الثوم والبصل هذا العام، وحذر في العام القادم بأنه سيعزف المزارع عن زراعة الثوم وسيكون ثمن الكيلو مرتفعا جدا، ومن الخطأ أن تفكر الحكومة بعقلية “الناس تطعمي بعضها”، لأن المنتج الذي يخسر سيخرج من العملية الإنتاجية الاستهلاكية العام الذي يليه.

ولفت كشتو إلى أن مشكلة الاستثمار الزراعي تعاني من تفتت الحيازات التي كانت السبب الرئيسي بخروج الكثير من الأراضي الزراعية من الإنتاج، ومن قانون العلاقات الزراعية، مشيرا إلى أن الدعم الزراعي يجب أن يقدم للشركات للنهوض بالفلاح وتكبير عمله.

قد يهمك: خسارة جديدة لمزارعي الخضار في سوريا.. ما علاقة التجار؟

صعوبة التسويق

بالرغم من أن إنتاج محافظة السويداء هذا الموسم من الخضروات الصيفية “بندورة – كوسا – بطيخ – خيار.. إلخ” وصل إلى 85 ألف طن، إلا أن المزارعين لا يزالون يبحثون عن منفذ تسويقي لإنتاجهم، الذي معظمه- بحسب تصريح عدد من المزارعين – يذهب إلى جيب التجار والسماسرة وبأسعار منخفضة لا تساوي تكاليف الإنتاج، بحسب ما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

وتابع المزارعون حديثهم بأن المنفذ التسويقي الذي كانوا يأملونه وهو “سوق هال” مدينة السويداء، وقد خيب أملهم نتيجة افتقار السوق لـ “مفتاح” عمله الأساسي وهو القبان. الأمر الذي دفعهم إلى البحث لتقبين منتوجاتهم من الخضار وهو الذهاب إلى مؤسسة “عمران” أو مستودعات المطاحن، الأمر الذي فرض عليهم أعباء مالية إضافية هم بغنى عنها.

بالإضافة إلى ما ذكر، فإن تجار السوق غير قادرين على شراء جميع منتجات الخضار من المزارعين، الأمر الذي دفع المزارعين إلى نقل خضرواتهم إلى “سوق هال” العاصمة دمشق، مما أدى بهم إلى الوقوع في فخ الاستغلال المادي، بحسب التقرير المحلي السابق.

إن الاستثمار في الزراعة بشكل عام، تشكل المصدر الوحيد للدخل لآلاف الناس، رغم تراجعها مقارنة بالسنوات السابقة، خصوصا في الساحل السوري التي تعد أعلى منطقة تحتضن الزراعة المحمية.وفي ظل غياب الرقابة الحكومية، تسيطر الفوضى على أسواق بيع الخضار والفاكهة في سوريا، فالمواد تباع في أسواق الجملة بدون فواتير نظامية، ما يفتح الباب لمزيد من فوضى الأسعار خلال عمليات البيع إلى المستهلكين.

كما أن بعض الأصناف تصل فروقاتها السعرية بين السوق وخارجه إلى عشرة أضعاف، حيث يحصل التاجر على الصنف بمبلغ 500 ليرة للكيلو ليتم بيعه بسعر خمسة آلاف في الأسواق.

بشكل عام، يشهد السوق السوري ارتفاعا ملحوظا في أسعار الخضار والفواكه والسلع الغذائية وغيرها من المواد المعيشية الأساسية، وهذا السعر المرتفع لا يتناسب مع مستوى رواتب ومداخيل المواطنين بطبيعة الحال، وسط فشل حكومة دمشق في تحقيق وعودها بضبط الأسعار ودعم القطاع الزراعي، وبالتالي زيادة الأعباء على المواطنين والمزارعين معا.

قد يهمك: عجز عن تأمين الأسمدة في سوريا.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.