جفاف شديد طويل الأمد يؤثر على سوريا خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد مخاطر سوء الأمن الغذائي في البلاد، يؤشر بشكل كبير على أوضاع كارثية تهدد السوريين، لاسيما وأن مخاطر حدوث مجاعة في سوريا باتت تقترب أكثر وفق ما أشارت إليه تقارير دولية في الآونة الأخيرة.

ويجدر السؤال اليوم أكثر من أي وقت مضى، حول مصير الأمن الغذائي والبيئي، في بلد متهالك على جميع المستويات مثل سوريا، بعد الدمار الذي لحق ببُناها التحتية، وتلاعب الدولة الجارة (تركيا) بحصة مياهها، إلى جانب غياب أي أفق لأي حل، خاصة وأن العالم على أعتاب أزمة غذائية، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعيات أزمة جائحة كورونا الممتدة حتى الآن.

غياب خطط استراتيجية علمية

مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، حذر من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

وتوقع المركز، أن تستمر في ظل موسم الحرارة والجفاف من شهر تموز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر من العام الجاري.

ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفهما المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

وفي هذا الإطار، قال المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن، إن القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد الإنتاجي بأكمله في سوريا، تأثر بشكل كامل نتيجة سنوات الحرب الماضية، وتسبب ذلك في تراجع كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وستؤثر أزمة الجفاف بدورها بشكل مباشر وأكبر على هذه القطاعات.

وأشار الشيخ حسن أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن القطاع الزراعي سيتأثر أكثر من الحيواني بموجة الجفاف، لما له ارتباط مباشر وأساسي بالمياه ونسبة هطول الأمطار، مما سيؤثر على اقتصاد البلاد بأكمله ويسبب بأزمة غذاء من كل بد.

ووفق المهندس المتخصص في تغيّر المناخ، فإن التأثير سيكون كبيرا خاصة، وأن قضية الجفاف حاليا نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وتغير المناخ أزمة عالمية وليس فقط على سوريا ولكن في وضع بلد مثل سوريا، تتفاقم الظاهرة أكثر لعدة أسباب، أبرزها؛ عدم وجود سياسات حكومية مدروسة علميا على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، أي لا توجد سياسات حكومية استراتيجية لمعالجة هكذا أزمات، كما لا توجد بنية تحتية تخدم أو تستطيع مواجهة أزمة الجفاف هذه، وبالتالي فإن تأثير الجفاف سيتضاعف في بلد مثل سوريا أكثر من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وعموم العالم.

بدوره يرى المهندس الزراعي آلان محمد، أنه من الضروري للجهات المعنية في وزارة الزراعة السورية، وضع خطط وحلول مستدامة لمواجهة أزمة الجفاف والأمطار التي تبدو ستمتد لسنوات لاحقة، لإنقاذ القطاع الزراعي من التدهور والتراجع، خاصة في مناطق الساحل السوري والجزيرة، وإلا سينخفض الإنتاج الزراعي وخاصة محاصيل القمح والشعير إلى أدنى المستويات، وبالتالي ستتعرض المنطقة لتهديد حقيقي لأزمة غذائية غير مسبوقة، إلى جانب موجة غلاء في البلاد.

ونوّه محمد في حديثه لـ”الحل نت”، “بالإضافة إلى ما سبق، فإن الموسم الزراعي، وإنتاجيته مرتبطان ارتباطا كبيرا بحركة السوق وانتعاشه في سوريا، لأنه مرتبط بالتجارة؛ من تجارة المعدات والآلات الزراعية والأسمدة والعمالة وغيرها من الحركة التجارية في المنطقة، لا سيما أن الجزيرة السورية تعتبر السلة الغذائية لسوريا”.

قد يهمك: أزمة غذاء عالمية بصناعة روسية؟

عوامل تعزز أزمة الغذاء

مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة السورية، أحمد حيدر، كشف في وقت سابق، عن انخفاض نسبة المساحة المزروعة بالقمح في سوريا، حيث بلغت نسبة المساحة المزروعة 1.2 مليون هكتار، وهو أقل من العام الماضي، حيث بلغت 1.5 مليون هكتار.

وبالعودة إلى المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن، فقد حذر من مضاعفة تأثير الجفاف، حيث قال موضحا، إن “تأثير الجفاف في سوريا سيكون أكبر نتيجة الوضع الراهن من صراعات متداخلة، بالإضافة إلى عدم وجود حكومات محلية مستقرة وضعف البنية التحتية وتعطل الموارد الاقتصادية، كل هذه الأسباب تعزز من تأثير الجفاف وتغير المناخ على سوريا أكثر، وشهدنا تأثيرها خلال هذا العام، أي ضعف في الإنتاجية وانخفاض كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية”.

وبحسب الشيخ حسن، فإن الإنتاج الزراعي عام 2022 كان ضعيفا، مضيفا “بما أننا نقترب من شتاء العام المقبل، وحتى الآن تعاني سوريا من أزمات عدة، وغياب شبه تام لأي حل من قبل حكومة دمشق والجهات المعنية، فإن مشكلة الجفاف ونقص المحروقات وضعف المكننة واليد العاملة، وتقليص المساحات المزروعة نتيجة النزاعات وهجرة نسبة كبيرة من العاملين في هذين القطاعين، كل هذه الأسباب مجتمعة سيؤول بالحال في العام المقبل نحو الأسوأ، خاصة وأن سوريا في الماضي كانت تأخذ قروض ائتمانية سواء من إيران أو غيرها، وكانت تسد عجزها بشق الأنفس، لكن يبدو أنه في العام المقبل لا يوجد من يقدم لسوريا أي دعم أو خطوط ائتمان، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياتها على مجمل العالم، كما ولأن إيران وسوريا كانتا تستوردان الحبوب من روسيا وأوكرانيا، لذا الأمر يبدو صعبا في الوقت الراهن”.

وفي ختام حديثه، أشار حسن إلى أن الأوضاع المعيشية ستتدهور أكثر وأن أزمة الغذاء في سوريا ستزداد سوءا، وبالتالي زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية، هذا في حال استجابة المنظمات الإنسانية، في ظل الظروف الدولية الراهنة.

أسوأ موجة جفاف

في وقت سابق، قال ذياب عبد الكريم، رئيس اتحاد الفلاحين السابق في محافظة الحسكة، لصحيفة “تشرين” المحلية، حول أسباب تراجع الثروة الحيوانية في سوريا، إن“ الجفاف الذي تعاني منه المنطقة وغلاء المواد العلفية لأضعاف مضاعفة، حيث وصل سعر كيلو التبن إلى 1200 ليرة سورية بعد أن كان يباع بـ200 ليرة قبل عام واحد فقط، أيضا كيلو الشعير وصل سعره نحو 1500 ليرة بعد أن كان يباع بأقل من 200 ليرة، كلها أسباب أدت إلى تراجع الثروة الغنمية وخسارة المليارات السورية”.

وفي بحث نشره مركز “المجلس الأطلسي”، بعنوان “سوريا تعاني كارثة مائية، وستستمر”، بتاريخ 25 شباط/ فبراير الفائت، يقول إنه في أيار/مايو 2021، انخفض تدفق نهر الفرات في شمال شرقي سوريا إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، مما تسبب في أسوأ موجة جفاف منذ عام 1953، وحذر التقرير من “تراجع تاريخي ومخيف في منسوب المياه”، نظرا لأن هذا النهر، هو المصدر الرئيس للمياه للزراعة، والاستهلاك المنزلي وإنتاج الكهرباء في شمال وشرق سوريا.

مع العلم أنه في عام 1987، وقّعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا، تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لدمشق 500 متر مكعب في الثانية كمعدل سنوي.

ومن تداعيات هذا الجفاف، اضطرار المزارعين لبيع مواشيهم بسبب نقص العلف، نظرا لندرة العشب، أو عدم قدرتهم على شرائه لزيادة التكلفة بنسبة 200 في المئة. مما تفاقم في موجة جديدة من الهجرة في سوريا من المناطق الريفية إلى المدن، والتي تضيف إلى مئات الآلاف من الأشخاص، الذين هجروا مزارعهم نتيجة للجفاف أعوام 2006 و2008 و2010، ما أدى إلى زيادة أعداد الأحياء الفقيرة التي انتشرت حول المدن السورية الكبرى، بما في ذلك العاصمة دمشق.

وتوقعت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق، في وقت سابق، أن تتعرض سوريا لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما، نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق السورية، إضافة إلى موجات الحر العالية في بعض المناطق.

وفي 24 آب/أغسطس 2021، نشرت وكالة الفضاء الأوروبية صورا عبر الأقمار الصناعية لبحيرة “الأسد” وسد “تشرين” وسد “الطبقة” في سوريا، توضح تغيرا ملحوظا في مستويات المياه، ما ينذر بموجات من الجفاف تصيب المناطق الشمالية بسوريا على المدى القريب والمتوسط وربما الطويل لاحقا في حال استمرار الأزمة.

ولأجل ذلك، فإن أزمة الجفاف والتغير المناخي غير المسبوق، وكذلك انخفاض منسوب مياه نهر “الفرات” في شمال سوريا، بفعل حبس تركيا لحصة سوريا من المياه، الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع إنتاج الكهرباء وإمدادات المياه الصالحة للشرب، فضلا عن تلوث المياه في شمال سوريا. وهو ما يرجح (حسب الخبراء) أن تركيز الملوثات في المياه التي تصرفها السدود، عند اقترانها بارتفاع درجة الحرارة وتكاثر الطحالب والتبخر، سيدمر النظام البيئي للمنطقة، وبالتالي فإن سوريا على خط رفيع جدا من أزمة “كارثية”؛ غذائية وبيئية.

قد يهمك: ابتزاز روسي لأوروبا في ملف الطاقة.. الغاز سلاح سياسي لموسكو؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.