اللافت فيما يبدو في قمّة “جدّة للأمن والتنمية” التي عقدت في 16 تموز/يوليو الجاري، وجمعت زعماء دول المنطقة إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن، أن ملف الإرهاب، والتدخلات الخارجية في المنطقة، فرض نفسه، على طاولة النقاش، حتى على المستوى الاقتصادي.

المشهد العربي الجديد بدأ يتشكل مع إصرار القادة العرب على استعادة الاستقرار وتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي، واستعادة السيطرة على الدول العربية الخمس التي تأثرت بالاضطرابات وانقسمت قوتها إلى نفوذ غير عربي وتدخل خارجي، وهي سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن.

أجندة سياسية

بعد 11 عام، لا تلوح في الأفق نهاية للحرب في سوريا، على الرغم من ضغط القوى العالمية الكبرى من أجل وقف إطلاق النار. ومن المحتمل أن تتفاقم أزمة لاجئين جديدة بسبب تكهنات بعملية عسكرية تركية سواء في شمال شرق، أو غرب البلاد.

بحسب مصادر دبلوماسية خاصة لـ”الحل نت”، مع اجتماع القادة العرب في قمّة جدة، بدا هناك قرار شبه رسمي على توفير مسار جديد في سوريا، بعد الاقتناع بعدم وجود أي سياسة متسقة وذات مغزى من قبل الدول المعنية بشكل مباشر في الملف السوري.

وتشير المصادر، إلى أنه مع وجود هذه الحالة، اقتنعت الدول المجتمعة، أنه بات من الضروري، أن يتولى حلفاء أميركا الإقليميون، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات، زمام الأمور بأنفسهم، في مكافحة الإرهاب على الحدود الشمالية للأردن، فيما كانت نصيب مصر وقطر والعراق، اللعب على المسار السياسي، وتلطيف الأجواء مع دمشق.

وأوضحت المصادر، أن غموض إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن أهدافها في سوريا، أثار قلق الدول الإقليمية المجتمعة في جدّة، لا سيما وأن هناك قناعة بأن سوريا تنزلق إلى نقطة اللاعودة، مع تغيير الحقائق على الأرض وانسحاب القوات الروسية، فالخيارات بنظرهم بدأت تضيق على سوريا، بعد توسع النفوذ الإيراني وعودة تنظيم “داعش” للواجهة.

إعادة الانخراط

على جانب آخر، تعيد دول الخليج تقييم علاقاتها مع الرئيس السوري، بشار الأسد، لكن العقوبات الأميركية التي تمنع الاستثمار وإعادة الإعمار تعيق أي إعادة دمج حقيقية لسوريا في المنطقة، وهذا ما طرحه وفدين خليجين على وفد الإدارة الأميركية في اجتماعات على هامش القمة.

وبحسب المحلل السياسي، محمد عبيد، فإنه على الرغم من اختلاف الروايات حول مستوى الزيارة والارتباطات في دمشق. إلا أن التقارير تفيد بأن السعوديين على وشك التوصل إلى اتفاق بشأن التطبيع الدبلوماسي مع الحكومة السورية، لا سيما وأنها تولت بشكل فعلي توجيه دفة الدول المجتمعة.

ووفقا لحديث عبيد لـ”الحل نت”، فإن الإمارات وعمان والمملكة العربية السعودية ومصر والعراق، لديهم تقييم أن الحرب قد انتهت، وأن سوريا بحاجة إلى إعادة دمجها في المنطقة لمنع أي سيناريو دولة فاشلة، أو تداعيات أخرى مزعزعة للاستقرار من الحرب الأهلية.

ويعتقد عبيد، أن تقييم السياسة الواقعية أكسبت الخليج ارتياحا متزايدا لفكرة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، على أن تكون إيران ولو مبدأيا خارج جنوب سوريا، ويبدو أنه قيد التطبيق طبقا لبعض التقارير الإعلامية، التي أفادت أن طهران أخلت بعض المواقع في درعا وجنوب دمشق.

ويرى عبيد، أن مساعي السعودية لإصلاح العلاقات مع أنقرة خلال الأشهر الأخيرة، يشير إلى أنها أقل قلقا في الوقت الحالي من النفوذ التركي في سوريا. ومع ذلك، فإن المسؤولين السعوديين يشاركون الإمارات مخاوفهم بشأن سيطرة إيران القوية على السلطة والمؤسسات وصنع القرار في سوريا، مما يساعد في تفسير الخطوات السعودية المبدئية نحو إعادة التواصل مع الحكومة السورية.

تحرك ضد الإرهاب

أهمية التحرك الفاعل ضد الإرهاب في الدول العربية، وبناء توافقات داخلية قائمة على التنمية واستكمال بناء الدولة الوطنية على أسس صلبة توافقية لا مكان فيه للإرهاب والصراعات الداخلية، هو ما أكدت عليه صحيفة “البيان” الإماراتية.

وذكرت الصحيفة، في افتتاحيتها اليوم السبت، تحت عنوان “حقبة جديدة”، أن “الحلول السياسية للأزمات في الدول العربية ينبغي تفعيلها على قاعدة الحوار السياسي، من سوريا إلى ليبيا والسودان واليمن، فضلا عن دول أخرى تشهد جدلا سياسيا حول عدد من القضايا، فالمنطقة العربية أحوج ما تكون إلى لملمة الخلافات الداخلية والاستعداد للحقبة المقبلة التي ترتسم معالمها حاليا”.

وأشارت إلى أن العرب قوة كبيرة، بشريا واقتصاديا، وينبغي أن تكون لهم مكانتهم في أي ترتيبات دولية جديدة، وعدم السماح بأي تهميش تتعرض له المنطقة، أو أن تكون بعض دولها ضحية صفقات تتم بين قوى دولية، وهذا الاستعداد يتطلب تضامنا عربيا للنهوض الجماعي، وإسناد الدول التي تواجه أوضاعا طارئة.

الجدير ذكره، أنه بمشاركة كل من الولايات المتحدة والسعودية و الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين ومصر والعراق والأردن، شهدت طاولة قمة جدّة، السبت الفائت، مناقشة العديد من الملفات، والتي تركزت بشكل أساسي على “تعزيز الاستقرار ودفع منطقة الشرق الأوسط نحو التكامل والازدهار، وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول المشاركة ورسم مسار التعاون المستقبلي، والحفاظ على أمن الطاقة العالمي والانتقال نحو الطاقة المتجددة”.

كما ضمت المناقشات بحث “أزمات المنطقة لاسيما في اليمن وليبيا ولبنان وسوريا”، وأكد القادة المشاركين في القمة، عبر البيان الختامي الذي صدر لاحقا، على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للملف السوري، بما يحفظ وحدة سوريا وسيادتها، ويلبي تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254. وشدد القادة على أهمية توفير الدعم اللازم للاجئين السوريين، وللدول التي تستضيفهم، ووصول المساعدات الإنسانية لجميع مناطق سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة