الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ ما يقارب من شهرين، يحاول استغلال الظروف الدولية والإقليمية من أجل تحقيق أهدافه ومصالح بلاده السياسية على حساب مستقبل سوريا. إذ لوّح بكثافة بشن عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري، إلى جانب حشد العديد من القوات والمعدات العسكرية على خطوط التماس، لكن هذا الأمر قوبل برفض دولي قوي، لا سيما من الجانب الإيراني الروسي، مؤخرا، مما قلص فرص تنفيذ هذه العملية أو بالأحرى تبديدها. إضافة إلى فشل وساطة إيران الأخيرة بشأن إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لذا في ضوء ذلك، يبدو أن أردوغان بدأ يتحرك على مستويات أخرى، من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الحيوية في صراعه مع قوى المعارضة التركية التي تهدد مستقبله السياسي في الحكم، وكذلك حزب “العدالة والتنمية”، على خلفية الأزمات الاقتصادية والتضخم داخل تركيا، وبالتالي أردوغان اليوم بحاجة إلى ذريعة ما لتخفيف الضغوط التي تحيط به بشكل كبير، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التركية في الصيف المقبل، لذلك فهو يلعب على حبل جديد من البروباغندا، في سبيل تشتيت التنبيه بتعبئة الصراع مع الخارج، من خلال القول إن “تركيا جزء في رسم مستقبل سوريا”، وبالتالي تفخيخ المشاعر القومية مرة أخرى، واكتساب شعبية داخل تركيا، الأمر الذي سيعزز فرص الانتخابات المقبلة.

لا اتفاقيات واضحة

ضمن السياق ذاته، قال كبير مستشاري الرئيس التركي، أيهان أوغان، إن حكومة بلاده لديها رأي في مستقبل سوريا أكبر من الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته الحاكمة هناك.

وأضاف المستشار التركي، في تغريدة على منصة “تويتر”، أن 4 ملايين سوري يعيشون في إدلب بضمانة تركية، إضافة إلى مليوني مدني يعيشون في المناطق التي أقيمت في شمال البلاد، و3.7 مليون سوري تحت الحماية المؤقتة العديد من المدن داخل تركيا، لذلك فإن تركيا لها كلمة أكبر في مستقبل سوريا من عائلة الأسد، على حد وصفه.

وفيما يتعلق بهذه التصريحات التركية، والإشارة إلى حق تركيا في رسم مستقبل سوريا، يرى الكاتب السياسي والمحامي السوري، زيد العظم، أنه “بداية، قمة طهران الثلاثية كانت منزوعة وخالية الدسم، أي أنهم لم يتفقوا على أي شيء رسمي وواضح، حتى كانت هناك تناقضات واضحة في التصريحات الإيرانية، حيث رفض المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، العملية العسكرية التركية بشمال سوريا، فيما قال مسؤولون إيرانيون: نتفهم مخاوف تركيا الأمنية على الحدود السورية التركية”.

وتشير التصريحات التركية هذه، بحسب رأي العظم، إلى أن تركيا على أعتاب الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، ولأشهر يصدر أردوغان تصريحات وتهديدات بعملية عسكرية في شمال سوريا بهدف تبديد مخاوفها الأمنية على الحدود السورية التركية – بحسب تركيا – وإعادة عدد من اللاجئين السوريون إلى شمال سوريا، وجعلها منطقة آمنة بحسب تصريحات أردوغان، لكن بالأمس قصفت الطائرات الروسية ريف إدلب، وقتل عدد من السوريين بينهم أطفال، لذا حتى الآن، يبدو أنه لا يوجد إجماع على جعل مناطق شمال سوريا مستقرة وآمنة.

أما المستقبل السياسي السوري، أو مستقبل وجود بيت الأسد في سوريا، فهو ليس بيد دولة واحدة فقط (تركيا)، بل بيد كل القوى الدولية المؤثرة على سوريا، لذلك تركيا تدرك اليوم، أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة طويلة وأن مستقبل الأسد ليس بيد دولة واحدة فقط، على حد تعبير الكاتب السياسي، زيد العظم.

قد يهمك: هل تبددت احتمالات العملية العسكرية التركية في الشمال السوري؟

تعبئة الصراع مع الخارج

وزير الخارجية في حكومة دمشق، فيصل المقداد، قال إنه اطلع على البيان الختامي للقمة الثلاثية لـ “الدول الضامنة”، خلال الزيارة التي أجراها مؤخرا إلى طهران.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، حينذاك، قال المقداد إن تركيا حاولت خلال القمة فرض سياسات معينة على الاجتماع، لكنها “لم تتحقق”.

وتابع: “لا ينفع تركيا أو غيرها اختراق الحدود السورية ومحاولة إيجاد مناطق آمنة، لأن ذلك سيخلق مزيدا من المشاكل بين الدولتين”.

وأضاف المقداد: “نحن مع حل المشاكل، وضد أي تدخل تركي وبناء مستوطنات ومدارس تركية على أراضينا، ونرفض سياسة التتريك”.

من جانبه، عبر عبد اللهيان، عن أمل بلاده بأن تجتاز سوريا وتركيا هذه المرحلة “بسلام”، وأن تلتزم تركيا بمخرجات القمة الثلاثية.

وأردف بالقول، “حاولنا إبعاد الخيار العسكري من سوريا والتركيز على الحل السياسي خلال القمة الثلاثية”، مضيفا أن “أي عمل عسكري شمال سوريا سيؤدي لتفاقم الأزمة والأوضاع الإنسانية ويجب احترام السيادة السورية”.

ويبدو أن تصريحات مستشار الرئيس التركي يأتي جراء تصريحات المقداد الأخيرة، وعدم قبول دمشق بتسوية ما مع تركيا، في حال عم تحقيق شروط دمشق، والتي تتمثل بخروج تركيا من كافة الأراضي السورية. حيث أكد أوغان إنه في حال تم تجاهل مخاوفنا الأمنية واستمرت الأعمال الاستفزازية، ستشكل تركيا خطا أمنيا جديدا يمتد من حلب إلى الموصل، بحسب مراقبين.

ويبدو أيضا، أنه بعد تجميد القوى الإقليمية، التي تؤدي أدوارا فاعلة في سوريا من فرص تركيا بشأن العملية المحتملة في شمال سوريا، إلى جانب فشل الوساطة الإيرانية بين دمشق وأنقرة، باتت أنقرة أمام أزمة على المستوى المحلي، حيث إن هذا التحرك المحموم من قبل أردوغان يحقق له جملة أهداف حيوية في صراعه مع قوى المعارضة التي تهدد مستقبله السياسي في الحكم، وكذا “حزب العدالة والتنمية” وذلك على خلفية الأزمات الاقتصادية والتضخم، وبالتالي كان أردوغان بحاجة إلى ذريعة ما للتخفيف من الضغوط التاريخية بتشتيت التنبيه بتعبئة الصراع مع الخارج، وتفخيخ جديد للمشاعر القومية.

وبينما يبدو الدور الوظيفي الذي يقوم به أردوغان، بالوكالة لحساب القوى الإقليمية ضعيفا هذه المرة، بعد أن أوقفوا عمليته العسكرية التي تبدو تعاكس مصالحهم. فإن أردوغان، يعمد إلى حفظ ماء وجهه وإدارة حملة إعلامية لمخاطبة الرأي العام المحلي بينما يوجه له مجموعة رسائل مفادها، أن ثمة حقوق له في سوريا لضمان أمنه القومي وغيرها من الدعاية السياسية والأيدولوجية المؤقتة والفارغة، التي يلعبها دوما، لإنقاذ مصالح حزبه وأطماع بلاده، بعيدا عن أي حل أو أفق للملف السوري، وفق مراقبين.

قد يهمك: “مسار أستانا” الضائع في سوريا.. هل ينهار؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.