دور مريب أكبر من كل الأدوار السابقة التي لعبتها أنقرة داخل الملف السوري خلال السنوات الماضية، من المرتقب أن تلعبه خلال المرحلة الحالية مستغلة فيها تراجع فرص الحل السياسي في سوريا، إضافة إلى عوامل وظروف عدة.

المشروع التركي

مطامع تركية باتت معلنة في الشمال السوري، فمن منطقة آمنة من أجل ترحيل أكثر من مليون لاجئ سوري، إلى عملية عسكرية تريد تنفيذها من أجل توسيع سيطرتها عسكريا وسياسيا في الملف السوري.

تسعى تركيا لاستغلال كل الأوراق المتاحة أمامها، وتوظيفها بما يخدم مصالحها داخل الأراضي السورية. فلا تضيع فرصتها داخل الأزمة الأوكرانية بعد الغزو الروسي، فتلعب على المتناقضات بين أطراف الصراع لكسب أوراق جديدة لمصلحتها. هي أيضا تستغل تبديد فرص الحل السياسي في سوريا لإحداث متغيرات جديدة على الأرض، من خلال التصعيد العسكري لتعزيز مكتسباتها على حساب إطالة أمد الصراع في سوريا.

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، تحدثت في تقرير لها عن تضاؤل الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، لافتة إلى أن “الحقيقة المروعة” للسوريين، هي أن التقسيم الفعلي سيستمر طالما ترفض دمشق قبول أي تنازلات سياسية، إضافة إلى بقاء القوى الأجنبية في البلاد، وفي مقدمتهم القوات التركية في الشمال السوري.

الصحيفة أشارت إلى دور تركيا “المتعمق” في تشكيل مستقبل شمال سوريا، موضحة أن دور أنقرة يمثل أكبر بصمة تركية في دولة عربية منذ انهيار “الإمبراطورية العثمانية” في عام 1918.

كذلك أضافت الصحيفة، أن الحكومة التركية تدرب وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، في وقت نشرت قواتها داخل سوريا، وأنشأت قواعد عسكرية ضخمة وبنت جدارا حدوديا، كما تسعى إلى إعادة مئات آلاف السوريين في وقت قريب.

قد يهمك: حضور عربي مختلف.. ما حقيقة طرح الفيدرالية في سوريا؟

الصحفي المختص في الشأن التركي، سركيس قصارجيان، يرى أن سياسات أنقرة تقوم على المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية، حيث أن “أحلام الرئيس التركي في شمال سوريا والعراق ليست جديدة“.

دور أنقرة السلبي

يقول قصارجيان، في حديث خاص لـ“الحل نت“: “أنقرة في الأساس هي أحد مشاكل الأزمة السورية وليس طرفا للحل فيها“.

وحول طرح تركيا لمشروع المنطقة الآمنة كحجة لتوسيع نفوذها في سوريا، يضيف قصارجيان: “نتذكر أن أنقرة طرحت مشروع المنطقة الآمنة منذ بداية الأزمة السورية، وهو لم يلق قبولا، لا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى الدولي. ما لم تنجح أنقرة في تحقيقه عندما كانت المفوض من قبل “أصدقاء سوريا” لن تنجح في تحقيقه اليوم وحيدة“.

أردوغان والانتخابات

قصارجيان، يعتقد أن السياسية التركية تتوجه حاليا للداخل التركي بشكل أكبر، وذلك  بشكل يمكن أن يتوافق مع آمال الرئيس التركي في الاستمرار في الحكم لفترة رئاسية ثالثة بعد انتخابات العام القادم “وهو ما يبدو مستحيلا بدون حل أزمة اللاجئين“.

ويشير الصحفي المختص بالشأن التركي إلى أن: “أمام أردوغان طريقين، إما الاتفاق مع دمشق لحل هذه المشكلة، وهو ما يبدو صعباً حاليا في ظل السقف العالي للمطالب السورية لتطبيع العلاقات، وإما إلهاء الرأي العام التركي بوجود مشروع تحقيق هدفين بمشروع واحد: التخلص من اللاجئين والتخلص من الكرد القاطنين على الحدود مع سوريا، لكن بتقديري هذا المشروع في الأساس، هو وسيلة للضغط على دمشق فقط وليس قابلاً للتحقق على المدى المنظور، لأن هذه المناطق تفتقر لأدنى درجات الأمان والاستقرار والمقومات الاقتصادية“.

دور تركيا شمالي سوريا

ومنذ 2016، شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس)، التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب، التي كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.

ومؤخرا انخفضت نبرة التهديدات بشأن شن عملية عسكرية في الشمال السوري، لا سيما مع الرفض المستمر من قبل الأطراف الفاعلة في الملف السوري للعملية العسكرية التركية المحتملة.

انخفاض نبرة التهديدات

في تأكيد على تبدد العملية، عقد “مجلس الأمن القومي التركي” مساء الخميس الماضي، اجتماعا لبحث آخر تطورات التحركات العسكرية التركية في مناطق من الشمال السوري، والملفت أنه لم يتطرق إلى التأكيد على أن العملية ما زالت قائمة.

المجلس اكتفى بالاطلاع على معلومات عن العمليات المتواصلة، ضد التهديدات والمخاطر القادمة من “حزب العمال الكردستاني“، مؤكدا أنه بحث اتخاذ تدابير إضافية ضد التهديدات.

مراقبون للوضع الميداني في سوريا، يؤكدون أيضا أن العملية التركية لا يمكن أن تتم دون موافقة أميركية وروسية، بحكم عوامل كثيرة.

اقرأ أيضا: بسبب القصف التركي.. نزوح جديد من ريفي تل تمر وأبو راسين شمالي الحسكة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة