يبدو أن الملف السوري يزداد سخونة فعلى المستوى العربي، كانت تصريحات العاهل الأردني، عبد الله الثاني، تشير في مجملها إلى وجوب إيجاد حل لـ”المعضلة السورية” كما يسميها السياسيون العرب، فالتهديدات التي تواجه حدود بلاده الشمالية، باتت مقلقه حتى لشؤون الأردن الداخلية، ليطالب مؤخرا بـ”منظومة عمل دفاعي مؤسسي عربي”.

في المقابل، كانت سوريا حاضرة في قمّة جدّة، التي عقدت في منتصف تموز/يوليو الجاري، والتي حضرها زعماء دول المنطقة إلى جانب الرئيس الأميركي، جو بايدن، كما حضر الملف السوري بشكل ملفت في القمّة الثلاثية في طهران، والتي جمعت رؤساء كلا من تركيا وروسيا وإيران.

إلا أن الملفت للنظر، هو عودة المشهد العربي بشكله الجديد، ليفرض نفسه في المعادلة العربية، فبحسب التسريبات التي حصل عليها “الحل نت” من مصادر دبلوماسية، فإن نافذة الحل السياسي بدأت تتبلور ليتم طرحها على دمشق، ولتكون بداية لحل النزاع الممتد منذ عام 2011، وفض التحالفات، التي قادت المنطقة إلى اضطراب غير مسبوق.

ذوبان الجليد السوري

ضمن الاجتماعات التي يستضيفها الأردن، والتي حضرها “الحل نت”، والتي يشارك فيها ممثّلون عن مختلف الدول العربية، وممثلون عن الاتحادات والهيئات العربية المعنية بشؤون الإعلام والاتصال، اليوم الثلاثاء وحتى يوم الخميس القادم، سيطرح مجموعة من الحلول للملف السوري، لا سيما وأنه مرتبط بالإرهاب، وهو الملف الأساسي لأجندة الاجتماعات.

ففي الوقت الذي تستعد فيه الدول العربية للانعقاد مجددا من أجل القمة السابعة والثلاثين لجامعة الدول العربية في الجزائر، هناك موضوع واحد يلوح في الأفق على جدول الأعمال: رسم الحل السياسي في سوريا، بحسب ما حصل عليه “الحل نت” من مصادر دبلوماسية حاضرة للاجتماعات الأردن.

وبحسب المصادر، فإن دور عربي سيفرض نفسه على سوريا سياسيا وعسكريا، وستكون الفدرالية واللامركزية إحدى الأطروحات، حيث سيتم دمج للرؤيتين للخروج بشكل جديد للحكم المحلي بما لا يتعارض مع النظام الحالي في سوريا، ولا يتدخل في سيادة البلاد.

قبول دمشق بالمشروع لم تستبعده المصادر، خصوصا بعد طرحه من قبل دول مقربة من سوريا لم تسمها، وعززه طلب دمشق تأجيل الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، إذ يبدو أن دمشق “قبلت بالدور العربي في حل المعضلة السورية بعيدا عن الغرب”.

كيف سيكون شكل سوريا الجديد؟

المشهد العربي الجديد، بدأ يتشكل مع إصرار القادة العرب على استعادة الاستقرار وتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي، واستعادة السيطرة على الدول العربية الخمس، التي تأثرت بالاضطرابات وانقسمت قوتها إلى نفوذ غير عربي وتدخل خارجي، وهي سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن.

طرح الفدرالية والمركزية ضمن مشروع واحد، يفسره الباحث السياسي، وليد طوقان، بأنه دمج جديد يضمن سيادة دمشق على كامل البلد دون التدخل في قراراتها السياسية، فضلا عن بقاء شكل الحكم الحالي على ما هو عليه، إلا أن نظام الحكم الداخلي سيتأثر بحسب المنطقة.

فرض سياسية الأمر الواقع، بات ضروريا بحسب حديث طوقان لـ”الحل نت”، والخوف من الذهاب إلى حرب أهلية كما حدث في لبنان، أو الانقسام الذي يحدث في العراق، هو ما عجل في طرح عربي لحل يرضي جميع الأطراف في سوريا، خصوصا أن البلاد باتت تشكل اضطرابا للعديد من الدول الإقليمية.

وتفسيرا لهذا الطرح، يقول طوقان، “أن الفدرلة المطروحة ليست كالمتعارف عليه بنظام إداري سياسي مجتمعي، يجمع بين إقليمين، بل ستكون نظام إداري وليس سياسي لجميع المحافظات في سوريا، يعود قرارها السياسي مرجعيتها الاقتصادية لدمشق”.

ويضيف طوقان، أن اللامركزية المطروحة في المشروع، هو نقل سلطة اتخاذ القرار في الشؤون المحلية فقط، من الحكومة المركزية إلى أفرعها المحلية، وبذلك تضمن المعارضة مناطقها، ويبقى نظام الحكم الحالي كما هو عليه الآن، مع دخول سياسي المعارضة ضمن الحقائب الحكومية.

لحظة فاصلة للحل في سوريا

كان انسحاب الدول العربية من قضية سوريا العربية، مترتبة على عوامل جيوسياسية، ومدفوع بأهداف متضاربة لدول عربية رئيسية، ولكن الوضع الأخير وطرح دور عربي يعزز صورة جامعة الدول العربية كمنظمة في حالة من الفوضى، إذ تحاول الدول العربية الرئيسية العودة إلى سوريا، لكن نجاحها الدبلوماسي، قد ينتهي به الأمر إلى أن يكون محدودا بسبب الحالة المزاجية لدمشق.

تشير المصادر لـ”الحل نت”، إلى أنه بالنسبة لبعض المراقبين، قد يكون هذا المستوى من التعامل مع سوريا بمثابة مفاجأة، على الرغم من المناقشات الخاصة حول إعادة تأهيل سوريا قبل مؤتمر القمة الأخير لجامعة الدول العربية، لكن الدول ذات الوزن الثقيل عززت من الانخراط في سلسلة من الاجتماعات، والمفاوضات والاتفاقيات مع دمشق. وبالنظر إلى الدور العربي الجديد، فإنه ينظر إلى إعادة الارتباط العربي الأخير مع سوريا على أنه تغيير مفاجئ في الموقف. بل إنه يمثل أيضا تصعيدا للاتجاهات الجيوسياسية التي تكتسب زخما ببطء منذ عام 2016.

وتؤكد المصادر، أن الدول العربية باتت على يقين بأنه “دون حل سياسي بين السوريين يشارك فيه العرب، لن تنتهي القصة المحزنة، ولن تنتهي بقرار عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية”.

أجندة سياسية جديدة

بحسب ما حصل عليه لـ”الحل نت” في وقت سابق من مصادر دبلوماسية، فإنه مع اجتماع القادة العرب في قمّة جدة، بدا هناك قرار شبه رسمي على توفير مسار جديد في سوريا، بعد الاقتناع بعدم وجود أي سياسة متسقة، وذات مغزى من قبل الدول المعنية بشكل مباشر في الملف السوري.

وأشارت المصادر حينها، إلى أنه مع وجود هذه الحالة، اقتنعت الدول المجتمعة، ضرورة أن يتولى حلفاء أميركا الإقليميون، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات، زمام الأمور بأنفسهم، في مكافحة الإرهاب على الحدود الشمالية للأردن، فيما كانت نصيب مصر وقطر والعراق، اللعب على المسار السياسي، وتلطيف الأجواء مع دمشق.

وأوضحت المصادر، أن غموض إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن أهدافها في سوريا، أثار قلق الدول الإقليمية المجتمعة في جدّة، لا سيما وأن هناك قناعة بأن سوريا تنزلق إلى نقطة اللاعودة، مع تغيير الحقائق على الأرض وانسحاب القوات الروسية، فالخيارات بنظرهم بدأت تضيق على سوريا، بعد توسع النفوذ الإيراني وعودة تنظيم “داعش” للواجهة.

تواجه عودة سوريا إلى الحظيرة العربية، بما في ذلك إعادة الاندماج الرسمي في جامعة الدول العربية، عدة عقبات بعد عقد من الحرب، والتي حولت البلاد إلى ساحة مفتوحة، هجرها العرب وهيمنت عليها إيران وتركيا وروسيا، ومع تزايد الأصوات العربية الداعية إلى دور عربي ينقذ سوريا من الضياع، بات على دمشق أن تسعى لتغيير أفعالها وسلوكها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.