يبدو أن استمرار صمت روسيا على الغارات التي تشنها إسرائيل في سوريا، حتم على دمشق وطهران استجداء حليف جديد للوقوف أمام الصواريخ الإسرائيلية وبناء جدار جديد يقلل من الخسائر التي تكبدها الطرفين خلال السنوات السابقة، لا سيما وأن تل أبيب مصره على المضي قدما في مشروعها لإنهاء التواجد الإيراني في سوريا.

دخول الصين على خط الدعم العسكري لدمشق، وتحديث منظومة الجيش السوري، جاء بعد استمرار الإشكالات المتجددة التي تواجه العلاقات الروسية الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة، حيث لم تكن عقبة التنسيق المشترك حيال الغارات الإسرائيلية المستهدفة للنفوذ الإيراني في سوريا؛ المشكلة الوحيدة فيما بينهم، فقد ازدادت العقبات بعد بدء روسيا غزوها لأوكرانيا في شهر شباط/فبراير الماضي.

انتهاء شهر العسل

لا تتسم العلاقات الصينية الإسرائيلية بالكثير من التجانس والاتفاق، فالبلدين على مدى السنوات السابقة كانا على خلاف واضح، إذ دعمت الصين تاريخيا الموقف الفلسطيني، كما يتجلى في خطاب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أمام جامعة الدول العربية في عام 2016 عندما دعا إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

كما انتقدت الصين بناء إسرائيل للمستوطنات والجدار الأمني، واعترفت الصين بحركة “حماس” ككيان سياسي شرعي في قطاع غزة على الرغم من المعارضة الإسرائيلية والأميركية، إلا أن ملف الخلاف الأبرز بين الطرفين، بحسب المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق، وو يي، هو إيران.

في حديثه لـ” الحل نت”، يقول يي، إن “الخلاف الرئيسي بين البلدين هو إيران. كانت الصين شريكا تجاريا رئيسيا وعارضت العقوبات المفروضة خلال المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي. تود إسرائيل أن ترى الصين تقلص بشكل كبير إن لم تنه علاقاتها التجارية مع إيران، حتى تتخلى عن رغبتها في بناء أسلحة نووية. إلا أن بكين ترفض ذلك”.

ويشير يي، إلى أن بكين اتجهت مؤخرا في موقفها الدبلوماسي إلى إعادة تأييدها للفلسطينيين، وإلى شركائها التقليديين مثل إيران وسوريا، بعد أن عطلت اتفاقات “إبراهام” العلاقات الصينية الإسرائيلية، وتغلب الإماراتيون على زخم الاستثمار الصيني في إسرائيل وتحديدا في ميناء حيفا.

وبسبب مبادرة “الحزام والطريق” التي تشغل بال الصين منذ عقود، فإن بكين أعادت تقييم موقفها في الشرق الأوسط، وخصوصا في سوريا، وبدأت بعقد اتفاقات مع دمشق من خلال طريقتين، وهما المبادرات متعددة الأطراف التي تقودها بكين والاتفاقيات الثنائية المصممة خصيصا للبلد الشريك المعني.

هل تصطدم الصين بتل أبيب؟

بعد الاتفاقات التي عقدتها إسرائيل مع دول عربية تحت مظلة (إبراهام)، استشعرت بكين بالخطر الذي يهدد مشروعها “الحزام والطريق”، ويأتي ذلك بعد أن تراجعت الإدارة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، بضع خطوات عن الصين في محاولة لتحقيق التوازن الصحيح مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التعهد بإبقاء الولايات المتحدة على اطلاع على الصفقات الرئيسية مع جمهورية الصين الشعبية.

تحركات الصين الجديدة نحو سوريا سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري، يأتي بعد شهر فقط من رفض إسرائيل عرضا من مجموعة من الشركات الصينية لبناء مشروع سكة حديدية، رفعت تلك الشركات دعوى قضائية، وألقت باللوم على ضغوط “غير قانونية” من الولايات المتحدة، وبحسب وصف المحلل الصيني، فإن “شهر العسل” بين إسرائيل والصين قد اقترب من نهايته.

ويقول وو يي، إنه “من الواضح أن سوريا تمثل مصلحة اقتصادية لبكين، إذ ستكون سوريا ما بعد الحرب في حاجة ماسة إلى ضخ تمويل خارجي ومشاريع مشتركة لتسهيل إعادة إعمارها، وهي كعكة نضجت بالنسبة للصين، حيث من شأن الوجود العسكري الصيني المتزايد أن يعود بالمزيد من النفوذ في إعادة الإعمار الاقتصادي والجيوسياسي لسوريا، مقابل ضمانها لتبديد مخاوف الأخيرة تجاه إسرائيل”.

واستبعد المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق، حدوث صدام عسكري مباشر بين الصين وإسرائيل في سوريا، إلا أن التكنولوجيا التي ستزود بها بكين دمشق، ستكون عقبة أمام الطائرات الإسرائيلية التي يجب أن تعيد تقييم هجومها على المواقع العسكرية في سوريا.

ولفت وو يي، إلى أن بكين ستعيد تطوير نظام الاتصالات في سوريا بالكامل، وزيادة قدرة الدفاعات في ميناء اللاذقية وطرابلس في لبنان، ولاحقا توفير القدرات العسكرية بذريعة مكافحة الإرهاب، مضيفا “إذا كان هذا هو الحال، فستكون الصين قادرة على تكوين شراكات أعمق تتجاوز وعود وقروض إعادة الإعمار، مما يعزز العلاقات السياسية التي قد تكون مفيدة لطموحات بكين الجيوسياسية المستقبلية، والمستفيد هي إيران شريكتها”.

المساعدات الصينية الجديدة لسوريا

أدى الإعلان الأخير عن المساعدات الصينية لسوريا إلى إطلاق أجراس الإنذار في الدوائر الأمنية الإسرائيلية، فخلال حفل أقيم في دمشق في 20 تموز/يوليو الجاري، تم الإعلان عن أن سوريا ستتلقى معدات اتصالات متطورة من الصين. وبحسب الإعلان الرسمي، فإن المساعدة “تهدف إلى تحسين البنية التحتية للشبكة المحلية، خاصة في المناطق التي تضررت بشدة منذ عام 2011”.

ووقعت الاتفاقية من قبل السفير الصيني في سوريا، فنغ بياو، ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية، فادي الخليل، وتنص على أن المعدات “سيتم تسليمها على دفعتين” إلى وزارة الاتصالات والتكنولوجيا السورية.

وجود الصين في سوريا ليس بحد ذاته مصدر قلق كبير لإسرائيل، لكن التحسينات الاقتصادية أو العسكرية التي يمكن أن تدخلها الصين على الجيش السوري هي سبب للقلق.

فوفقا لما نقله موقع “بريكنغ دفينس” الأميركي، عن مصادر دفاعية إسرائيلية، فإن النوع الدقيق لأنظمة الاتصالات التي سيتم تزويد سوريا بها غير واضح، لكن من المتوقع أن تكون من النوع الذي سيملأ الفجوات الحالية في شبكة الاتصالات العسكرية السورية.

وقال أحد المصادر، “لدينا مؤشرات على أن خبراء صينيين زاروا في الأشهر الأخيرة بعض المنشآت العسكرية السورية التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب الأهلية، ونعتقد أن العديد من مرافق الجيش السوري سيعيد بناءها الصينيون، الذين لديهم القدرة على جلب آلاف العمال لإكمال العمل في أقصر وقت ممكن”.

أنظمة دفاعية عسكرية

الخشية من أن تكون المساعدة الصينية لسوريا لإعادة بناء قواتها المسلحة لم تخفها المصادر، حيث حذروا من أن الصينيين قد يحاولون بيع السوريين بعض أنظمتهم الدفاعية، مما قد يعقد العمليات الإسرائيلية في سوريا. وأشارت المصادر إلى أن “الأنظمة الروسية الصنع التي يستخدمها السوريون تكاد تكون عديمة الفائدة في التعامل مع أنظمة أسلحة متطورة مثل تلك التي تستخدمها إسرائيل”.

يتفق المحللون الذين تحدثوا للموقع، على أن هناك أسبابا حقيقية للقلق في إسرائيل بشأن زيادة الاستثمار الصيني في سوريا، إذ قال داني ياتوم، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد: “أي نوع من العلاقات بين قوة عالمية مثل الصين ودولة من أعداء إسرائيل أمر مقلق”.

وأضاف، “إن الصينيين دون أدنى شك سينفذون برامج كبيرة في سوريا، وعلى إسرائيل أن تتأكد من أن هذه الحقيقة لن تحد من حريتها في العمل في سوريا، لن تغامر إسرائيل بأي فرصة لضرب الصين في سوريا، لأن جهودها تبدو تجارية لكنها يمكن أن تكون غطاء لجهود عسكرية أو استخبارية”.

ويعتقد مردخاي كيدار، الخبير البارز في قضايا الشرق الأوسط، أن وجود الصين سيعقد الجهود التي تبذلها إسرائيل في سوريا لطرد وكلاء إيران، متنبئا أنه “في المستقبل غير القريب، سيتعين على إسرائيل تنسيق هجماتها على إيران ليس فقط مع روسيا، ولكن أيضا مع الصين”.

الجدير ذكره، أن دعم بكين لدمشق استمر بشكل جيد بعد صعود الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى السلطة في عام 2000. ففي عام 2002، اقترحت الصين بناء مركز لإنتاج صواريخ “سكود” في سوريا؛ وصنفت من بين أكبر خمسة مزودين للأسلحة لسوريا بين عامي 2006 و2008، فمنذ عام 2000، باعت الصين ما قيمته 76 مليون دولار من الأسلحة إلى سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة