بعد الفراغ الذي نتج عن الانشغال الروسي بغزو أوكرانيا، حاولت العديد من الدول إعادة مد نفوذها داخل سوريا، سواء على المستوى المحلي والسياسي مثل إيران، أو على المستوى الاقتصادي، ومع تطور الأحداث في سوريا، تطورت سياسة الصين حيث ركزت على العودة إلى القطاع الخاص، ووسائل ترسيخ المصالح الجيوستراتيجية.

بعد الكشف عن بدء تصوير فيلم “العودة إلى الوطن” الصيني، لممثلين ببدلات ومعدات عسكرية، في منطقة الحجر الأسود بريف دمشق، من إنتاج الممثل الصيني جاكي شان، دعا وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أمس الجمعة، مع نظيره الصيني، الشركات الصينية إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في سوريا، والمساهمة في إعادة الإعمار، في إطار مبادرة الحزام والطريق التي وقّعت عليها سوريا، مشيرا إلى أن هذه المبادرة ستوفر أرضية مهمة للمضي قدما في تنشيط التعاون الاقتصادي.

حاجة دمشق الهائلة للدعم الأجنبي، قد يدفع النخب المحلية ووسطاء السلطة المرتبطين بعائلة الأسد، لقبول الشروط التي ستفرضها بكين، سيكون ذلك حافزا كبيرا للشركات الصينية للاستثمار في سوريا، فهل بدأت الصين بفرد أذرعها في محاولة لتغيير المنطقة؟

النفوذ والصناعة

في 12 كانون الثاني/يناير 2022، وقّع رئيس لجنة التخطيط والتعاون الدولي السورية، مذكرة تفاهم مع السفير الصيني في دمشق، لإدخال سوريا رسميا في مبادرة الحزام والطريق، وهي أداة صينية بقيمة تريليون دولار أميركي للتنمية الاستراتيجية في أوراسيا وأفريقيا.

أدى انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق إلى إثارة التكهنات حول طموحات الصين المستقبلية للبلاد. حيث يرى محلّلون أن إدراج سوريا في مبادرة الحزام والطريق، هو ضمانة للاستثمار الصيني لحماية مصالحها الإقليمية، رغم المخاطر الجيوسياسية من الانخراط الحقيقي في سوريا، البلد الذي لا يزال غير مستقر حتى الآن.

وفي حديثه لـ”الحل نت”، يقول المحلل السياسي والدبلوماسي الصيني السابق، وو يي، إن بكين استغلت انزلاق موسكو في المستنقع الأوكراني، وحاجتها للخروج من العقوبات الدولية عبر بوابة شرق أسيا، لتبدأ في مد أذرعها داخل المناطق التي كانت روسيا متحكمة بها، ومن ضمنها سوريا، حيث ترى بكين أن انشغال روسيا والدول الغربية ببعضهما أفضل توقيت لمد نفوذها وتثبيت “أوتادها” كمرحلة أولية.

ووفقا لحديث يي، فإن الدور الجديد للصين، جاء بعد أن كانت على مدار العقد الماضي، منغلقة نسبيا في علاقاتها مع دمشق، ويرجع ذلك جزئيا إلى نية بكين أخذ دور المقعد الخلفي لتجنب تعريض أهدافها طويلة الأجل في المنطقة للخطر، ومن خلال القيام بذلك، لعبت الصين بدلا من ذلك دورا استباقيا أكثر من وراء الكواليس، مما سمح لها بالاستفادة الكاملة من نفوذها السياسي والاقتصادي لصالحها.

ويعتقد المحلل السياسي الصيني، أن المشاركة الاستراتيجية الصينية في سوريا، تمت بعد معايرة العلاقات التي حفزها إعادة تشكيل المساعدات الإنسانية الصينية لدمشق، لتمهيد الطريق أمام استثمارات القطاع الخاص، ويعكس هذا التحول مسار كان فيها دعم الصين لسوريا خطابي ودبلوماسي لسنوات عديد، لا سيما في مجال التصنيع، وهو الأمر الذي لجأت إليه دمشق كمحفز للانتعاش الاقتصادي الأوسع.

الصين وسوريا وإعادة الإعمار

منذ عام 2011، دعت بكين (على الورق على الأقل) إلى حل سياسي في سوريا مع تجنب المشاركة المباشرة. وبدلا من ذلك، حدث الانخراط الصيني في الساحة السورية من خلال عدّة محاور “مشبوهة”، وعلى الأخص من خلال مشاركتها الدبلوماسية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ومع بقاء الصين ملتزمة إلى حد كبير بسياستها الخارجية بعدم التدخل فيما يتعلق بالصراع السوري، فقد استمرت في البناء على علاقاتها مع عائلة الرئيس السوري، بشار الأسد، والتي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما كان الرئيس السابق، حافظ الأسد، وزيرا للدفاع.

من الناحية الاقتصادية، وطبقا لحديث وو يي، فإن مصالح الصين أقل وضوحا ولا تفصح عنها، وهي استراتيجية تستخدمها بكين في تدخلاتها بالمناطق التي تشهد نزاعا، في حين أن لديها منذ فترة طويلة حصصا طفيفة في قطاع النفط السوري، ومع استمرار العقوبات الغربية، مهد هذا الطريق للرافعة الاقتصادية الصينية في سوريا لفرض استثماراتها التي غالبا ما تكون على شكل ديون.

وعليه يرى وو يي، أنه على الرغم من أن الصين لم تضع بعد أجندة واضحة لإعادة الإعمار، أو مبادرة الحزام والطريق في سوريا، إلا أن نهجا هجينا يتبلور في ضوء نموذج مساعدات لحلب سابقا وحاليا دمشق. فمنذ ذلك الحين وبعد سيطرة دمشق على حلب، تعهدت بكين بما يصل إلى ملياري دولار أميركي لدعم المجمعات الصناعية، في حين يبدو أن نهجها طويل الأجل، وهو نموذج روج له بشار الأسد، يفضل القطاع الخاص في نهاية المطاف، والاستثمار الصناعي والذي بدى عبر الدراما العالمية.

هرولة صينية إلى سوريا

منذ عدة سنوات، حاولت الصين زيادة دورها، عسكريا واقتصاديا في سوريا. عندما زار الأدميرال الصيني، غوان يونفي، دمشق في منتصف عام 2016، بدأت الزيارات المنتظمة للمستشارين العسكريين من الصين أيضا. وفي نهاية عام 2017، زُعم أن وحدات خاصة صينية وصلت إلى ميناء طرطوس.

تشين يونغ، نائب رئيس “الاتحاد الصيني العربي للتبادل”، قام خلال عام 2017 وحده بأربع رحلات إلى سوريا، وأثناء ترأسه لوفد أعمال في زيارة إلى دمشق وحمص في إحدى تلك الرحلات، أكد أن عددا من الشركات الصينية الكبرى، أبدت اهتماما بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية في سوريا.

وفي وقت لاحق، استضافت بكين “المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية” وتعهدت بملياري دولار لبناء مجمعات صناعية. وحضر الحدث 1000 شركة صينية. وفي غضون ذلك، كانت الشركات الصينية تستعد لفتح مكاتب تمثيلية في جميع أنحاء سوريا، وإرسال وفود متكررة إلى البلاد لاستكشاف المشاريع المحتملة للمشاركة فيها.

بعد ذلك بعام، وخلال منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، أعلنت بكين عن قرض بقيمة 23 مليار دولار وحزمة مساعدات لسوريا. كما أفادت التقارير أن أكثر من 200 شركة صينية مملوكة للدولة إلى حد كبير، كانت حاضرة في معرض دمشق التجاري الدولي الستين في أيلول/سبتمبر 2018.

في الوقت الذي تناور فيه موسكو وطهران لتحقيق مكاسبهما الاستراتيجية، استغلت بكين ذلك، في تحديد متى وكم تستثمر في مستقبل سوريا في ضوء طموحاتها الإقليمية والعالمية، بالرغم من أن مشهد إعادة الإعمار في سوريا مجزأ جغرافيا ويتسم بالخلاف السياسي العميق، والفوضى العامة، والمحسوبية والفساد، والخلل البيروقراطي.

فيلم “العودة إلى الوطن”

استغل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ما تنقله وسائل الإعلام المحلية والعربية، عن بدء تصوير فيلم “عملية المنزل” الصيني، ليعقد اتفاقا في لقاء عبر الفيديو أجراه مع مستشار الدولة وزير خارجية الصين وانغ يي، أمس الجمعة.

وبدوره أكد وزير الخارجية الصيني، على الاستفادة من كون البلدين شريكين في إطار مبادرة الحزام والطريق، واستئناف اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، مشيرا إلى أن هذه المبادرة ستوفر أرضية مهمة للمضي قدما في تنشيط التعاون الاقتصادي.

وبدأ تصوير فيلم “العودة إلى الوطن” الصيني، لممثلين ببدلات ومعدات عسكرية، في منطقة الحجر الأسود بريف دمشق، التي سيطرت عليها دمشق بشكل كامل في أيار/مايو 2018، بعد عملية عسكرية استمرت شهرا.

والفيلم عبارة عن مشروع صيني- إماراتي، من إنتاج الممثل الصيني جاكي شان، وتدور أحداثه التي يتم تصويرها حاليا، حول عملية إجلاء لمواطنين صينيين وأجانب ودبلوماسيين، خلال الحرب التي بدأت في اليمن عام 2015.

مخرج الفيلم، الصيني سونغ يينكسي، نشر عبر حسابه الشخصي في “إنستغرام” عدة صور خلال الأيام الماضية من مواقع تصوير العمل في دمشق.

وبحسب المخرج، يركز الفيلم على كيفية إجلاء الصين أكثر من 600 مواطن، بالإضافة إلى أكثر من 200 مواطن من دول أخرى خلال حرب اليمن في عام 2015، وسط تسليط الضوء على “التعاون الإنساني بين الإمارات والصين في وضع محفوف بالمخاطر”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة