مجموعة “فاغنر” الروسية رفعت السبت الفائت، نصبا تذكاريا في ديرالزور شمال شرق سوريا، يُخلّد ذكرى مقتل العشرات من عناصرها بقصف القوات الأميركية في العام 2018. ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه العلاقات بين مجموعة “فاغنر” والقيادة الروسية توترا كبيرا. 

الإعلان عن النّصب يُعد إثباتا عَلنيا لجهة حفاظ “فاغنر” على وجودها في سوريا، بعد شروط قائد القوات الروسية في قاعدة “حميميم” والتمرد العسكري الذي قاده زعيمها يفغيني بريغوجين، ضد القيادة الروسية في حزيران/يونيو الفائت، قبل أن يوقف التمرد ويتم نفيه إلى بيلاروسيا.

رفعُ مجموعة “فاغنر” الروسية هذا التمثال التذكاري على نحو غير مسبوق، مع إثارة موسكو التوتر مع القوات الأميركية في شرق سوريا مؤخرا يثير العديد من التساؤلات والتكهنات حول تداعياته ودلالاته السياسية والعسكرية، فهل هو إشارة إلى تصعيد ضد الرئيس بوتين، وأن مجموعة “فاغنر” ترفض الامتثال للشروط التي فرضتها عليهم القيادة الروسية، وكيف يعكس هذا التصرف قرار المجموعة بالبقاء في المنطقة.

ماذا يخفي توتر “فاغنر” وبوتين في سوريا؟

الخبير في سياسة الشرق الأوسط والحرب البادرة، رشيد الخالدي،  أوضح لـ”الحل نت”، أن رفعَ مجموعة “فاغنر” الروسية للنصب داخل منطقة تُعدّ تحت الحماية الروسية وفقا للإجراءات الرسمية بين دمشق وموسكو، يمثل تصعيدا جديدا في الصراع الدائر في سوريا. وهذا الإعلان العلني يظهر أن هناك نيّة واضحة من جانب “فاغنر” للتحكم بالمواقف وتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة.

مؤسس مجموعة المرتزقة الخاصة بـ "فاغنر" يفغيني بريغوجين - إنترنت
مؤسس مجموعة المرتزقة الخاصة بـ “فاغنر” يفغيني بريغوجين – إنترنت

أيضا بحسب الخالدي، فإن حركة “فاغنر” الأخيرة هي رسالة رمزية تؤكد على وجودها الدائم في سوريا وتعزز موقفها العسكري والسياسي في المنطقة، وإظهار القوة والعزم في مواجهة أي تهديدات تتعرض لها.

يعكس هذا الحدث تخلّي القوات الروسية عن مجموعة “فاغنر” في سوريا، حيث تظهر الرمزية بوضوح عملية التصدي للطائرات الأميركية، ويرتبط ذلك بمحاولة العناصر الروسية في المجموعة حماية أنفسها والتصدي للتهديدات العسكرية التي فرضتها عليهم “حميميم”، مما يعني أنه رغم تخلي القوات الروسية النظامية عنهم، لا تزال المجموعة على استعداد للمواصلة في المنطقة وتأدية دورها.

تفسير إعلان “فاغنر” عن الحدث والتذكير بالحادثة القديمة، بحسب الخالدي، إشارة إلى تصعيد ضد الرئيس بوتين، وأن مجموعة “فاغنر” ترفض الامتثال للشروط التي فرضتها عليها القيادة الروسية. 

لذلك يُمكن أن يقود هذا التصعيد إلى أزمة بين مجموعة “فاغنر” والقيادة الروسية، وقد يدفع المجموعة إلى اتخاذ إجراءات أكثر تصعيدا، مثل شنّ هجمات ضد القوات الروسية في سوريا، عبر اتخاذهم لدير الزور مقرا لهم، خصوصا أن المنطقة ذات نفوذ متداخل مثل إيران و”داعش” والقوات النظامية، وميليشيات عراقية.

“فاغنر” ما زالوا في سوريا

صور نشرتها قناة “فاغنر” في “تيليغرام”، أظهرت النصب التذكاري الذي قالت إنه تخليد لقتلى المجموعة الروسية في قرية خشام بريف دير الزور، ليلة السابع من شباط/فبراير 2018، حيث تعرضت 3 سرايا للإبادة من قبل الطائرات الأميركية. مضيفة أنها “تُركت للإبادة من دون أي تدخل أو دعم من القوات الروسية النظامية”. 

مجموعة "فاغنر" الروسية رفعت السبت الفائت، نصبا تذكاريا في ديرالزور شمال شرق سوريا - إنترنت
مجموعة “فاغنر” الروسية رفعت السبت الفائت، نصبا تذكاريا في ديرالزور شمال شرق سوريا – إنترنت

الخلاف على هذه الحادثة بقي قيد الكتان، حتى بدء الاشتباك اللفظي بين مرتزقة “فاغنر” وقادة الجيش الروسي، في أيار/مايو الفائت، والذي حظي باهتمام كبير بسبب تأثيره على العمليات العسكرية وانعكاساته المحتملة على القيادة الروسية. فوفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال” حينها، يمثل هذا الصراع خلافا ملحوظا بين مالك شركة “فاغنر” والقيادة العسكرية الروسية العليا، وهو الأول من نوعه منذ الغزو الأوكراني قبل أكثر من عام. 

القطيعة بين أطراف النزاع في روسيا بدأت في شباط/فبراير عام 2018، عندما شنت قوات “فاغنر” هجوما على منطقة الحقول النفطية التي تديرها شركة “كونوكو” الأميركية بمحافظة دير الزور شرقي سوريا. 

بمجرد تعرض القوات الأميركية لقصف من مرتزقة “فاغنر”، وضع “البنتاغون” وزير الدفاع الروسي بصورة الوضع، وفي إفادة أمام “الكونغرس”، قال وزير الدفاع الأميركي آنذاك، جيم ماتيس، إن الروس نفوا علاقتهم بمجموعة “فاغنر” التي قصفت القوات الأميركية.

وحينها، أمر ماتيس القوات الأميركية بضرب “فاغنر”، وفي غضون ساعات، قُتل وأصيب المئات من المرتزقة الروس فيما ظلت موسكو صامتة، ووفقا لكتاب مذكرات صدرت مؤخرا لآكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة الأنباء الفيدرالية الروسي “ريا فان”، والذي تابع أنشطة “فاغنر” حول العالم، فقد وصف الحادثة بقوله “لقد تعرضنا للخيانة ببساطة”. 

الإعلان عن النصب الذي يمثل الحادثة الخلافية بين “فاغنر” و”الكرملين”، يأتي بعد أيام من نشر “الحل نت”، لمعلومات خاصة تفيد بأن سهيل الحسن قائد الفرقة “25” والعماد أول أندريه نيكولايفيتش سيرديوكوف، قائد تجميع القوات الروسية العاملة في سوريا، اجتمعا مع قائد قوات “فاغنر” في سوريا، دزابريل يامادييف، وقائد فصيل “صائدو الدواعش” التابع لـ “فاغنر”، سمير الدماهيري، في معسكر “الصايد” بريف حمص، وهو المعسكر الذي تتمركز فيه قوات “فاغنر” و”صائدو الدواعش”.

طبقا للمعلومات الخاصة، فإن سيرديوكوف طلب من عناصر وقادة مجموعة “فاغنر” من الجنسيات الروسية والأجنبية  بالذهاب إلى قاعدة حميميم التي تتواجد فيها القوات الجوية الروسية، لتوقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية أو مغادرة سوريا على الفور سواء إلى ليبيا أو إلى جنوب إفريقيا.

 روسيا تفتعل مشاكل؟

تحليل ظهور عناصر في دير الزور يكشف عن واقعية عدة اعتبارات، فعلى الرغم من أن رفع التمثال التذكاري قد يكون مجرد رمزية، إلا أنه يمثل أيضا إشارة واضحة لنيّات روسيا في المنطقة. إذ قد تكون موسكو تستخدم الأساليب الانتهازية والمناورات لزيادة التوترات مع القوات الأميركية في شرق سوريا بهدف توسيع جبهات الصراع والتأثير على الاستقرار الإقليمي. هذا السلوك غير الأخلاقي يعكس رغبة روسية في تحقيق مصالحها الجيوسياسية في المنطقة وربما تحريضها لاستهداف مجموعة “فاغنر” التي قد خرجت عن سلطتها.

بوتين أمام تحد جديد في سوريا بسبب "فاغنر" - إنترنت
بوتين أمام تحد جديد في سوريا بسبب “فاغنر” – إنترنت

صحيفة “وول ستريت جورنال” حذرت أمس الأحد، من أن التوترات الحالية بين القوات الأميركية والروسية الموجودة في سوريا قد تتحول إلى ساحة صراع بين البلدين، في إشارة إلى التجاوزات لبروتوكول منع التصادم المتّفق عليه بين الجانبين.

مسؤولون أميركيون أكدوا للصحيفة أن مؤشرات خطر المواجهة ارتفعت في ظل الاعتداءات الروسية المتكررة ضد طائرات مسيّرة أميركية فوق سوريا، بينما دعا “البيت الأبيض”، الخميس، روسيا إلى وقف عملياتها “المتهورة والمهددة” في سوريا.

القوات المركزية الأميركية “سنتكوم”، كانت قد كشفت عن تعرّض إحدى طائراتها المسيرة من طراز “MQ-9” إلى أضرار بعد أن ألقت مقاتلة روسية قنابل مضيئة فوق مسيّرة أميركية في أثناء مشاركتها في مهمة ضد تنظيم “داعش” في سوريا.

“سنتكوم” أشارت إلى أن الطائرة المسيّرة لم تكن هي الوحيدة التي تعرضت لمضايقات من قِبل الطيارينَ الروس في الأسابيع الأخيرة، فيما يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه جهد روسي منسق للضغط على الجيش الأميركي للانسحاب من سوريا.

قوات “فاغنر” والسوريون الذين يتعاقدون معهم هم مجموعة من المرتزقة الذين يقاتلون من أجل المكاسب المادية. وتعتبر العوامل المالية والاقتصادية هي المحفّز الرئيسي لانضمامهم إلى هذه القوات. ومع سحب روسيا تماما دعمها لـ”فاغنر”، فإن جميع العملاء والوكلاء التابعين للمجموعة باتوا الآن أمام خيار وحيد لاتخاذ قرارات عملية، وهو التحول إلى قوات أخرى أو العمل بشكل مستقل، وذلك بهدف الحفاظ على مكاسبهم المادية ومصالحهم الشخصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات