في الوقت الذي كان مقاتلي “فاغنر” يتقدمون بسرعة هائلة نحو أروقة السلطة في العاصمة الروسية، كانت مشاهد الرعب والذعر تعم الأفق في سوريا. فالقادة العسكريون الروس والسلطات السورية، قرروا التحرك لمواجهة أي تمرد محتمل داخل سوريا وبهدف منع انتشار الفوضى وانهيار أي اتفاقيات مسبقة.

معلومات سرية حصل عليها “الحل نت”، تفيد بأن اجتماعا مهما عُقد الأسبوع الماضي بين قادة “فاغنر” وعناصرها المتشددين، وميليشيا سورية تابعة لها بحضور قيادة القوات الروسية في سوريا وقائد الفرقة “25” الممولة من موسكو. وخلال هذا الاجتماع المثير، هدد قائد القوات الروسية المتمركزة في سوريا بحملة قمع تاريخية لا مثيل لها إذا لم تلتزم المجموعتين بعدة شروط. 

هذه الإجراءات تثير العديد من التساؤلات، حول كيف تحركت السلطات السورية بسرعة للسيطرة على المقاتلين بدافع من الخوف من أن يتشتت تركيز موسكو، شريكة دمشق العسكرية الرئيسية، وسط الأحداث التي كانت تجري في الداخل الروسي. وكيف يمكن تفسير تهديد قائد القوات الروسية في سوريا بحملة قمع للمجموعة، وما هو المستقبل المتوقع لـ “فاغنر” وحلفائها في البلاد.

مباغتة معسكرات “فاغنر”

عندما كان مقاتلو “فاغنر” يتقدمون باتجاه موسكو في محاولة تمرد أواخر حزيران/يونيو الماضي، كانت السلطات في سوريا والقادة العسكريون الروس هناك يتخذون سلسلة من التدابير والإجراءات السريعة ضد عملاء المجموعة العسكرية الخاصة، عبر قطع خطوط الاتصالات الهاتفية، لمنع اتساع التمرد، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز”.

وزارة الدفاع الروسية حاولت استخدام سوريا للضغط على "فاغنر" من أجل توقيع عقود معها - إنترنت
وزارة الدفاع الروسية حاولت استخدام سوريا للضغط على “فاغنر” من أجل توقيع عقود معها – إنترنت

رغم نفي موسكو على مدى سنوات أي صلة لها بـ”فاغنر”، لكن المجموعة العسكرية لعبت دورا في العلن في حرب روسيا على أوكرانيا. وقال الرئيس فلاديمير بوتين بعد التمرد إن حكومته تمول المجموعة.

روسيا نشرت قواتها وخاصة قواتها الجوية في سوريا عام 2015، وساعدت دمشق على هزيمة المعارضة التي كانت تسعى لقلب نظام الحكم الحالي. ومنذ ذلك الحين، تشارك “فاغنر” في مهام قتالية وتأمين المنشآت النفطية في البلاد، ووردت تقارير عن أول وفيات مشتبه بها بين صفوف “فاغنر” هناك عام 2015.

مصادر عسكرية في الجيش السوري قالت لـ”الحل نت”، إن سهيل الحسن قائد الفرقة “25” والعماد أول أندريه نيكولايفيتش سيرديوكوف، قائد تجميع القوات الروسية العاملة في سوريا، اجتمعا مع قائد قوات “فاغنر” في سوريا، دزابريل يامادييف، وقائد فصيل “صائدو الدواعش” التابع لـ “فاغنر”، سمير الدماهيري، الأربعاء الفائت، في معسكر “الصايد” بريف حمص، وهو المعسكر الذي تتمركز فيه قوات “فاغنر” و”صائدو الدواعش”.

طبقا للمعلومات الخاصة، فإن سيرديوكوف طلب من عناصر وقادة مجموعة “فاغنر” من الجنسيات الروسية والأجنبية  بالذهاب إلى قاعدة حميميم التي تتواجد فيها القوات الجوية الروسية، لتوقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية أو مغادرة سوريا على الفور سواء إلى ليبيا أو إلى جنوب إفريقيا.

المصادر في الجيش السوري، كشفت أنه في تموز/يوليو الجاري، سوف يتم قطع كافة الدعم المالي والمادي الذي كانت تقدمه الدولة الروسية للمجموعة العسكرية في سوريا، ومن تاريخ الاجتماع ستوقف جميع عمليات عناصر “فاغنر” داخل البلاد، سواء عسكريا أو تدريبات للقوات المحلية.

فيما توجه سيرديوكوف، للدماهيري بالحديث أن جميع الرواتب التي كانت تتلقها المجموعة سواء من روسيا أو عبر “فاغنر” سيتم إيقافها من تموز/يوليو الجاري، حتى توقيع جميع المتطوعين مع الفصيل عقود مع الفرقة “25”، حيث ستعود تبعيتهم جميعا لسهيل الحسن.

الإشراف على تدريبات المتطوعين في فصيل “صائدو الدواعش” سيكون عبر قادة الفرقة “25”، في حال عدم توقيع قوات “فاغنر” الموجودة في سوريا على عقود مع وزارة الدفاع الروسية، أما في حل تم توقيع العقود تعود الأمور كما كانت عليه، وسيتلقى جميع العاملين في معسكر “الصايد” التعليمات من قيادة القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.

أثر تمرد “فاغنر” يتسع

بصمات الجدية والاستعداد التي تبدو على وجوه القادة السوريين والروس كانت لها تفسيرات كثيرة، فالتحرك السريع ضد “فاغنر” وحلفائها هو تحذير أن هناك خوف من وصول التمرد إلى خارج روسيا.

تحرك سريع ضد "فاغنر" في سوريا - إنترنت
تحرك سريع ضد “فاغنر” في سوريا – إنترنت

الكاتب والمحلل السياسي الروسي، أندريه مورتازين، أوضح لـ”الحل نت”، أن العوامل التي دفعت السلطات السورية والقادة الروس إلى اتخاذ إجراءات سريعة ضد “فاغنر” وعملائها في سوريا، كانت بالدرجة الأولى الخوف من انتشار التمرد وزعزعة الاستقرار في المنطقة. إذ أرادت السلطات السورية الحفاظ على سيطرتها على الوضع ومنع أي فوضى أو تهديدات أخرى لحكومتها. بالإضافة إلى ذلك، كان القادة الروس قلقين بشأن الانحرافات المحتملة في موسكو بسبب الأحداث الداخلية التي تجري في روسيا.

بحسب مورتازين، يمكن تفسير تهديد قائد القوات الروسية في سوريا بشن حملة قمع، بما في ذلك قطع خطوط الهاتف وإصدار عقود جديدة؛ كوسيلة لاستعادة السيطرة وتأكيد السلطة على مقاتلي “فاغنر”. ومن خلال إجبارهم على توقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية، فهذا يضمن ولائهم ويعزز قبضة روسيا على الوضع. فقطع خطوط الهاتف بمثابة وسيلة لعزل مقاتلي “فاغنر” ومنع أي اتصال أو تنسيق غير مصرح به.

قرار تهديد مقاتلي “فاغنر” بتوقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية أو مغادرة سوريا باعتقاد مورتازين، له تداعيات كبيرة. إذ إنه يجبر المقاتلين على الانحياز بشكل أوثق مع القيادة العسكرية الروسية، مما يضمن امتثالهم وولائهم. ومن خلال القيام بذلك، فإنه يعزز سيطرة روسيا على الموقف ويقلل من احتمالية اتخاذ إجراءات مستقلة أو تمرد من قبل “فاغنر” وحلفائها.

طبقا لتحليلات مورتازين للموقف، فقد يكون لهذه الإجراءات السريعة والقمعية تداعيات على العلاقات المستقبلية بين روسيا وسوريا. فمن ناحية، يُظهر التزام روسيا بالحفاظ على الاستقرار والسيطرة في المنطقة، مما قد يعزز شراكتها مع سوريا. ومع ذلك، قد يؤدي النهج القوي أيضا إلى زيادة التوترات إذا شعر مقاتلو “فاغنر” وحلفاؤهم بالتهميش أو سوء المعاملة. لذا بات من الأهمية بالنسبة لروسيا أن توازن بين الحزم ومعالجة مخاوف السلطات السورية والمقاتلين أنفسهم.

ثغرة للتأثير الإيراني

بناء على المعطيات السابقة، قد تواجه السلطات السورية تحديات في السيطرة على عملاء “فاغنر” وضمان استقرار الوضع في سوريا. إذ يمكن أن يكون لهذه الخطوة السريعة والتدابير الناتجة عنها عواقب وخيمة على الوضع العسكري والأمني في سوريا والمنطقة بشكل عام. 

مجموعة من مقاتلي "فاغنر" في شاحنة قرب روستوف الروسية - إنترنت

بغض النظر عما سيقرره قادة “فاغنر” والأفراد، فإن ضمان احتفاظ روسيا بنفوذها في دمشق يعني تأمين ولاء الآلاف من المتعاقدين العسكريين السوريين الخاصين الذين يقودهم يفغيني بريغوجين. وأي توقف مؤقت أو تخفيض في الحوافز لهذه القوات ستستغله إيران، منافس روسيا الرئيسي هناك، والتي يمكن أن تقدم لهؤلاء المقاتلين أسلحة وأجورا أفضل.

إن التحرك السريع والإجراءات اللاحقة التي اتخذتها السلطات السورية والروسية يمكن أن تؤدي بالفعل إلى تغيير دور فاغنر وحلفائها في سوريا بحسب المحلل السياسي الروسي. فمن خلال تأكيد السيطرة والمطالبة بالولاء من خلال عقود جديدة ، تهدف روسيا إلى الحد من استقلالية ونفوذ “فاغنر”. قد يؤدي هذا إلى دور أكثر تبعية لـ”فاغنر” وحلفائها، مما يقلل من قدرتهم على تشكيل الأحداث المستقبلية في المنطقة بشكل مستقل.

الباحث في مركز “زوميا” لدراسة المساحات غير الحكومية، جيريمي هودج، يرى  أنه في حالة فقدان روسيا ولاء المرتزقة السوريين، الذين يحرسون البنية التحتية للطاقة في البلاد، فلن تتمكن موسكو بعد الآن من ضمان استمرارها في إجبار الأسد على السماح لـ”الكرملين” باستخدام الأراضي السورية لتهديد “الناتو” والتوسع في جميع أنحاء إفريقيا.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، ذكر في تصريحات صحفية، أن  في صباح يوم السبت الفائت، تحركت الشرطة العسكرية الروسية ومجموعات الأمن العسكري السورية في محافظة دير الزور، وفي وسط العاصمة دمشق، وفي مدينة السقيلبية ذات الغالبية المسيحية بريف حماة الغربي، وخلال تلك التحركات اعتُقلت قيادات “فاغنر” ومندوبو التجنيد الذين يعملون للشركة. 

أيضا الشرطة العسكرية الروسية تحركت بعد ظهر السبت في محافظة السويداء، واعتقلت خلال ذلك التحرك وسيم الدمشقي، وهو مندوب التجنيد لشركة “فاغنر” في منطقة السويداء، جنوبي البلاد.

المستقبل المتوقع لـ”فاغنر” وحلفائها في سوريا بعد الإجراءات السريعة التي اتخذتها السلطات السورية والروسية غير مؤكد. قد يتضاءل دورهم، مع زيادة الرقابة والقيود المفروضة عليهم. لكن سيعتمد تأثيرهم وأنشطتهم على امتثالهم للعقود الجديدة ومدى دمجهم في الاستراتيجية الروسية الشاملة في سوريا.

قوات “فاغنر” والسوريون الذين يتعاقدون معهم هم مجموعة من المرتزقة الذين يقاتلون من أجل المكاسب المادية. وتعتبر العوامل المالية والاقتصادية هي المحفز الرئيسي لانضمامهم إلى هذه القوات. ومع ذلك، في حال سحبت روسيا تماما دعمها لـ”فاغنر”، فإن جميع العملاء والوكلاء التابعين للمجموعة سيجدون أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات عملية. وقد يضطرون إلى التحول إلى قوات أخرى أو العمل بشكل مستقل، وذلك بهدف الحفاظ على مكاسبهم المادية ومصالحهم الشخصية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات