لعل الحديث عن موقف روسيا من استمرار الغارات الإسرائيلية على سوريا، بات يشغل الكثير من المراقبين السياسيين، دون وجود تأثير حقيقي لهذا الملف على المسألة السورية، كون أن طبيعة العلاقات بين الروس والإسرائيليين لن تؤثر عليها بشكل عميق آلية التصعيد الإسرائيلية المستخدمة ضد المواقع العسكرية الإيرانية على الأرض السورية، إلا أن الخلافات التي ادعت بوجودها تقارير صحفية بين موسكو وتل أبيب بسبب تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا أخذت حيزا واسعا من التحليل والنقاش خلال الآونة الأخيرة، ما يدفع للتساؤل حول إمكانية أن تتدخل روسيا فعليا لتحجيم الحضور العسكري الإسرائيلي في السماء السورية خدمة لإيران، أم أن هذا التدخل إن تم سيكون بسبب التأزم المرحلي في العلاقات بين إسرائيل وروسيا.

إنتاج مقاربات جديدة؟

 وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، كشف قبل أيام، استخدام القوات الروسية في سوريا منظومة الدفاع الجوي “إس 300” ضد مقاتلات إسرائيلية خلال تنفيذها غارات على المواقع الإيرانية.

ونقلت “القناة 13” الإسرائيلية عن غانتس قوله؛ إن الطائرات الإسرائيلية لم تكن في الأجواء في أثناء إطلاق بطارية “إس 300” الصواريخ، من دون أن يؤثر ذلك على التنسيق مع روسيا في سوريا.

“مركز جسور للدراسات” رأى خلال تقرير نشره يوم أمس الأحد، بأن الخلافات بين موسكو وتل أبيب إثر الصراع في أوكرانيا، انعكست على التنسيق بين الطرفين في سوريا، تبعها فرض روسيا قيودا على حركة سلاح الجو الإسرائيلي بشكل غير مسبوق منذ نهاية عام 2015.

ويعتقد المركز أن إسرائيل لجأت نتيجة تلك القيود إلى تكتيكات خاصة من أجل ضمان استدامة الضربات التي تنفذها في سوريا.

ومن ضمن تلك التكتيكات، زيادة الاعتماد على الضربات الصاروخية “أرض – أرض”، منذ شباط/ فبراير الماضي، حيث بلغ عددها 8 هجمات مقابل 8 هجمات باستخدام الغارات الجوية، حيث يشير المركز إلى أن العديد من الطلعات الجوية كانت تتم باستخدام الأجواء اللبنانية والمجال الجوي لقاعدة “التنف”، تفاديا لأي صدام محتمل.

وفي هذا الإطار يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد السكري، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن قدرة روسيا على تقييد الضربات الإسرائيلية مرتبطة بإحياء عملي لمسار “سوتشي” الذي بلور تفاهمات كل من روسيا وإيران، وخلال الفترة الماضية تعطل هذا المسار جراء الحرب الأوكرانية وانعكاساتها وارتداداتها أيضا بطبيعة الحال على موقف الفاعلين تجاه الملف السوري.

والأمر نفسه ينطبق على الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا، والذي أثر بشكل ما على العلاقات الروسية الإسرائيلية، وبالتالي، وفق السكري، فإن عملية فصل الملف السوري والأوكراني في هذا السياق عملية معقدة وشبه مستحيلة تتطلب تحييد ملفات عن بعضها البعض أو فصلهما، وقد يساهم ذلك لاحقا في عودة كل من إسرائيل وروسيا إلى طاولة المفاوضات.

وبحسب تقدير السكري، فإن طاولة المفاوضات بين الطرفين هي السبيل الوحيد للحد من الضربات الإسرائيلية على الساحة السورية، أو أن تقوم روسيا باحتواء التمدد الإيراني، الذي اتسع الأخير عبر ميليشياته بمعدل جيد خلال الفترة الماضية في سوريا.

ولذلك وفق اعتقاد السكري، فإن هذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بمدى قدرة كل من إسرائيل وروسيا على إنتاج مقاربات جديدة تتعلق بالملف السوري لاحتواء التمدد الإيراني والتأكيد على مسألة الأمن القومي الإسرائيلي.

قد يهمك: مشاكل جديدة تواجه العلاقات الروسية الإسرائيلية.. ما النتائج؟

استمرار سياسة “تبادل المصالح”؟

إن الخلاف “الروسي – الإسرائيلي”، بدأ منذ إعلان تل أبيب معارضة غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي، وتعمّق هذا الخلاف بعد توجيه وزارة العدل الروسية قبل أيام إخطارا للوكالة اليهودية في روسيا بالإغلاق، وتلويح إسرائيل بعدها بالتخلي عن سياسة الحياد والاستعداد لتقديم الدعم لأوكرانيا.

ويشير مركز “جسور للدراسات” في تقريره إلى أن الخلاف بين الطرفين وتقييد روسيا لحركة سلاح الجو الإسرائيلي “أتاح لإيران توسيع هامش نشاطها في سوريا بشكل أكبر، لا سيما جنوب البلاد وبالقرب من خط وقف إطلاق النار لعام 1974، حيث عملت على نقل أنظمة توجيه متطورة لزيادة دقة الصواريخ التي تخزنها في سوريا”.

ورغم ذلك، يؤكد المركز أن روسيا وإسرائيل ما تزال تحتفظان بخط الاتصال والتنسيق العسكري، حيث ترسل تل أبيب إخطارا إلى موسكو بجميع الهجمات الجوية قبل تنفيذها، بما في ذلك استهداف شحنة صواريخ إيرانية في مطار دمشق في حزيران/ يونيو الماضي.

ويعتقد المركز أن روسيا يبدو أنها لا ترغب بمنع الهجمات الإسرائيلية في سوريا بشكل كامل، بل مجرّد تقييدها كنوع من ممارسة الضغط على إسرائيل بهدف تعديل مواقفها، ومنعها من تبنِّي أي سياسة تؤدي لتقديم الدعم إلى أوكرانيا.

قد لا تكون إيران بعيدة عن معرفة الخطوط العامة للتنسيق الإسرائيلي-الروسي بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية، لكنها مضطرة إلى الرضوخ له بحكم موازين القوى، بالإضافة إلى أنها تعتبر خسائرها نتيجة الضربات الإسرائيلية مقبولة مقارنة بمكاسبها الإجمالية في سوريا والمنطقة، بحسب مراقبين.

لكن، موسكو لن تتدخل في تقييد كامل الضربات الإسرائيلية، لأن القصف الإسرائيلي لا يمكن اعتباره فقط ضمن ما يوصف بالمنافسة بين طهران وموسكو، حتى وإن كانت الثانية لا تمانع في إضعاف الأولى قليلا، من أجل تحقيق مكاسب من الجانب الإيراني في غزوها في أوكرانيا، وهذا ما تبادله طهران حين زودت موسكو بالطائرات المسيرة وما إلى ذلك، على مبدأ “تبادل المصالح”.

إذا، فإن الرد الروسي على إسرائيل إذا ما حصل ضمن الساحة السورية فسيكون ضمن إطار “التفاهم القائم ضمن الخطوط العامة”. وحتى الآن إسرائيل حذرة، لأن أكثر ما تخشاه وتحاول تجنبه هو فقدان التنسيق مع روسيا في سوريا وستحاول الحفاظ عليه بأي ثمن. وموسكو بدورها ستحاول اللعب على هذا الوتر الحساس لكسب ما يمكن كسبه قدر المستطاع.

قد تشهد المنطقة عدة تصعيدات نتيجة استخدام موسكو في أوقات متفاوتة لورقة الضغط هذه (تقييد الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا)، وربما سيجعل هذا الأمر من إسرائيل أن تتبع استراتيجيات بديلة للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، مثل “الحرب السيبرانية” و اغتيال قادة وكبار المسؤولين في إيران كما حدث مؤخرا.

قد يهمك: الهجمات الإسرائيلية على سوريا مهددة بالإيقاف.. ما علاقة الصين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.