في الوقت الذي يروّج له خطاب الحكومة التركية الرسمي عن خطة لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري في تركيا، إلى ما تسميه “مناطق آمنة” في شمال سوريا، كشفت تقارير حقوقية، أن المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” المعارض والمدعوم من أنقرة؛ “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” لا تزال مسرحا لفوضى السلاح وساحة اقتتال دائم ومستمر.

انتهاكات واقتتال دائم

بالتزامن مع سعي أنقرة للحصول على ضوء أخضر من الدول المعنية بالمشهد السوري (روسيا، إيران، أميركا) من أجل شن عملية عسكرية بهدف إنشاء “منطقة آمنة”، جديدة على بعد 30 كيلومترا شمال سوريا، بعد موافقة “مجلس الأمن القومي التركي” ضمنا على هذا الإعلان في وقت لاحق، ازدادت حوادث “الاقتتال” بين مجموعات المعارضة السورية المسلحة في النصف الأول من 2022.

قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، في تقرير صدر أمس الاثنين، ووصل لـ”الحل نت” نسخة منه، إن “حصيلة الاقتتال والاشتباكات الداخلية بين فصائل الجيش الوطني المعارض وأسبابها ونتائجها كانت كارثية على حياة المدنيين وممتلكاتهم، إلى جانب الدور الذي لعبته السلطات التركية في بدء، وتأجيج تلك الاشتباكات تارة، وفي تجاهلها وغض الطرف عن الفوضى التي تسببها تارة أخرى”.

وبحسب ما خلص له التقرير، فإنه ومنذ بداية العام 2022 حتى نهاية حزيران/يونيو الفائت، جرت اشتباكات بمقدار ثلاثة أضعاف عن تلك التي حصلت في كامل العام 2021، وأكثر من كامل عدد الاشتباكات التي حصلت في العام 2020، وحوالي ضعف الاشتباكات التي وقعت خلال الأعوام 2018 و2019 و2021 مجتمعة.

وبحسب ما وثقته المنظمة، فإن أسباب أخرى لتلك الاشتباكات، منها “الرغبة بفرض السيطرة على مناطق تعتبر استراتيجية وحيوية لتمويل الفصيل، مثل النزاع على إدارة تجارة المخدرات وتجارة تهريب البشر بين مناطق السيطرة المختلفة، سواء داخل سوريا أو الحدودية بين سوريا وتركيا، والنزاع على المعابر بين مناطق نفوذ المعارضة مع مختلف القوى في سوريا”.

اشتباكات بالسيارات المفخخة

الشهادات التي جمعتها المنظمة من مصادر عديدة بينهم مدنيون ضحايا، وقادة ضمن “الجيش الوطني” ومسؤولون في جهازي الشرطة المدنية والعسكرية، وضحت أن أسباب الاقتتال تتلخص بشكل أساسي في الرغبة بالاستيلاء على ممتلكات ومنشآت تجارية إضافية تعود ملكيتها للمدنيين. ومؤخرا تطورت بعض تلك الأسباب واتخذ الاقتتال شكلا آخرا من أشكال الصراع، للهيمنة على المنظومة العسكرية ككل.

ووفقا للإحصائيات التي وثقتها المنظمة، فإنها تدل على زيادة الانقسام داخل الإدارة العسكرية لـ”الجيش الوطني”، وتزايد الصراع على المصالح الشخصية البحتة (خاصة الاقتصادية المتمثلة بالأتاوات على الحواجز وطرق التهريب وممتلكات المدنيين) في مناطق السيطرة الثلاث.

وبحسب ما اطلع عليه “الحل نت” في التقرير، فإنه وابتداء من العام 2018 وقع 69 اشتباكا بين فصائل “الجيش الوطني” في مناطق النفوذ التركي الثلاث. وقع 28 اشتباكا في الأشهر الستة الأولى من 2022، و9 اشتباكات في العام 2021، و26 اشتباكا في العام 2020، و6 اشتباكات في العام 2018 و2019.

كما شهدت تلك المناطق طبقا لتوثيق المنظمة، العديد من الهجمات الأخرى بواسطة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، التي وجهت أصابع الاتهام في عدد منها إلى الأجهزة الأمنية السورية، وعناصر من تنظيم “داعش” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بينما وجّهت أصابع الاتهام في بعض التفجيرات إلى فصائل معارضة بعينها بسبب خلافات بينها وبين فصائل أخرى.

صراع بلا نهاية

صراع على السلطة، هو الوصف الوحيد لدى المحللين لتصاعد الخلافات والاشتباكات الأمنية العنيفة في شمال غرب سوريا، بين فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة، و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) التي دخلت الصراع لمساندة بعض الكتائب الإسلامية المنضوية مؤخرا تحت لواء “الجيش الوطني”، حيث شهدت هذه المناطق اشتباكات عنيفة.

الاشتباكات التي وقعت، تبدو فقط بداية لصراع دموي ومتسلسل في تلك المناطق، والذي لا يعطي أي أملا للمدنيين هناك، لا سيما وأن الاقتتال ليس بعيدا عن مساكنهم المؤقتة.

العميد أحمد رحال، الخبير العسكري والاستراتيجي، وصف مشهد اقتتال فصائل المعارضة بشكل عام في حديث سابق لـ”الحل نت”، بأنه “شريعة الغاب، في غياب قيادة أو سلطة موحدة. ما يجعل العناصر الموجودة على الأرض تغلّب مصالحها ومنافعها الضيقة، فتحاول الاستيلاء على أكبر قدر من المنافع، من خلال السيطرة على الأراضي والحواجز الأمنية”.

واعتبر رحال، أن “حالات التوحد والاندماج، التي تجريها بعض فصائل المعارضة، لا تعدو كونها محاولة لاستقواء بعض الجماعات المسلحة على أخرى، بعيدا عن أهداف تعزيز المواقع العسكرية في مواجهة القوات النظامية”.

منذ منتصف العام الماضي وحتى اليوم، مرت مجموعات “الجيش الوطني” بتغييرات عديدة، وكانت أحداث اتحادها ثم الانفصال سمة واضحة في عموم هذه الفصائل خلال هذه الفترة، وبرأي المحللين العسكريين، فإن هذا بسبب ما فرضته القوى الفاعلة في سوريا.

الجدير ذكره، أن مناطق النفوذ التركي في بعض أرياف حلب والرقة والحسكة، تشهد فوضى أمنية وعمليات اغتيال متكررة تطال عناصر وقادة من “الجيش الوطني“، إضافة إلى اشتباكات ونزاعات داخلية بين الفصائل، وعمليات تفجير سيارات ودراجات مفخخة وعبوات ناسفة، غالبا ما تطال مدنيين أيضا، وتتسبب بأضرار مادية كبيرة في الممتلكات والمنازل، دون وجود رقيب أو حسيب على ذلك.

وترجع معظم النزاعات والاشتباكات في المنطقة، إلى خلافات شخصية بين عناصر الفصائل، وينتج معظمها عن تجاوز حاجز أو اقتسام الموارد المالية أو عدم السماح بتفتيش سيارة تابعة لأحدهم، ثم ما تلبث أن تتحول إلى اشتباكات جماعية بين العناصر التابعة لتلك الفصائل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.