في ظل استمرار اعتصام أنصار “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، داخل البرلمان العراقي، ونزول أنصار خصومه في تحالف “الإطار التنسيقي” إلى الشارع بتظاهرات مضادة لم تدم طويلا، تصاعدات دعوات الحوار، إذ رحبت أطراف داخلية وخارجية بمبادرة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لدعوة القوى السياسية لحوار وطني.

وكان الكاظمي، قد دعا في بيان تلقاه موقع “الحل نت” أمس الإثنين، الأطراف السياسية لطاولة حوار وطني، قائلا إن “عراقنا الغالي يشهد احتقانا سياسيا كبيرا قد ينذر- لا سمح الله إذا لم يتدخل العقلاء- بعواقب وخيمة، وبينما أخذنا جميع الإجراءات، والتدابير اللازمة لضبط الوضع، والحفاظ على الأمن، ومنع هدر الدم العراقي، ندعو جميع الأطراف إلى التهدئة، وخفض التصعيد للبدء بمبادرة للحل على أسس وطنية“.

الكاظمي أضاف، “ أدعو الجميع إلى عدم الانسياق نحو الاتهامات، ولغة التخوين، ونصب العداء والكراهية بين الإخوان في الوطن الواحد“، كما دعا “جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة حوار وطني؛ للوصول إلى حل سياسي للأزمة الحالية، تحت سقف التآزر العراقي، وآليات الحوار الوطني“.

وتابع: “أقول للإخوة المتظاهرين: إن رسالتكم واضحة، والتزامكم بالهدوء والتنظيم واجب، ومحط تقدير؛ وقد حان الوقت الآن للبحث في آليات إطلاق مشروع إصلاحي يتفق عليه مختلف الأطراف الوطنية، وأنا على يقين بأن في العراق ما يكفي من العقلانية، والشجاعة؛ للمضي بمشروع وطني يخرج البلد من أزمته الحالية“.

ولفت الكاظمي، إلى أنه “على القوى السياسية أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية والقانونية، فحكومة تصريف الأعمال قامت بكل واجباتها رغم تجاوزها السقف الزمني الذي رسمته التوقيتات الدستورية لتشكيل حكومة جديدة؛ مما يعد خرقا دستوريا، ومع كل ذلك فنحن كنا وما زلنا مستعدين لتقديم كل المساعدة؛ للوصول إلى صيغة حل مرضية للجميع، وبما يحفظ السلم الاجتماعي، واستقرار مؤسسات الدولة ومصالح الناس“.

كما أشار، إلى أنه “من هذا المنطلق وحرصا على الدولة ومؤسساتها، وحقنا للدم العراقي، واحتراما لقدسية هذه الأيام؛ أدعو جميع الأطراف إلى تبني أجواء التهدئة، ودعم مؤسسات الدولة من خلال الآتي“، مضيفا “على الإخوة المتظاهرين التعاون مع القوات الأمنية، واحترام مؤسسات الدولة، وإخلائها، والالتزام بالنظام العام“.

واختتم بيانه، قائلا إن “على القوات الأمنية الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، والمؤسسات الرسمية، ومنع أي اعتداء عليها بكلّ الطرق القانونية، والدعوة إلى حوار وطني عبر تشكيل لجنة تضمّ ممثلين عن كلّ الأطراف لوضع خارطة طريق للحل“.

اقرأ/ي أيضا: وسط أزمة العراق السياسية.. ما هو مصير الدورة البرلمانية الحالية؟

موافق دولية

بدوره، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر عن قلقه مما يحدث في العراق، مؤيدا دعوة رئيس الحكومة العراقية، قائلا في تغريدة على موقع “تويتر” وتابعها موقع “الحل نت” اليوم الثلاثاء: “أشارك رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في النداء الذي وجهه للحوار والتشاور استجابة لتطلعات العراقيين“.

فيما أعرب السفير البريطاني، لدى بغداد مارك برايسون، عن قلقه أيضا إزاء تصاعد التوترات السياسية في العراق، قائلا في تغريدة على “تويتر” تابعها موقع “الحل نت” اليوم الثلاثاء: “أرحب للغاية بالدعوات التي تطلق من أجل الحوار والمشاركة“.

من جهته، أعلن رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي اليوم الثلاثاء، تأييده لمبادرة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، لإيجاد صيغة حلّ بشأن الأحداث التي تشهدها البلاد.

الحلبوسي، قال في تغريدة على “تويتر” وتابعها “الحل نت“، “نؤيد مبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء لإيجاد صيغة حل بشأن الأحداث التي تشهدها البلاد“، مضيفا: “ونؤكد أهميةَ جلوس الجميع إلى طاولة الحوار، والمضي بخطوات عملية؛ لحل الأزمة الراهنة، وصولًا إلى انتخابات نيابية ومحلية وفق توقيتات زمنية محددة“.

وفي السياق، أعلن رئيس تحالف “السيادة” الجامع لمعظم القوي السياسية السنية، خميس الخنجر، دعمه لمبادرة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، لمعالجة الوضع السياسي المرتبك.

وقال الخنجر، في تغريدة على “تويتر“، اليوم الثلاثاء، إن “في الوقت الذي ندعم فيه بيان الأخ الكاظمي لمعالجة الوضع السياسي المرتبك؛ فإننا نؤكد حرصنا على الحوار الوطني الجاد للوصول إلى معالجات حقيقية لخطايا النظام السياسي وما نتج عنه من عوائق“، مضيفا أن “حوار القوى الوطنية يجب أن يستفيد من الكفاءات العراقية المتخصصة في صياغة مستقبل أفضل“.

وفي الإطار ذاته، وجه بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، اليوم الثلاثاء، دعوة إلى السياسيين العراقيين للركون للحوار الوطني للحفاظ على حياة المواطنين.

وقال ساكو، في بيان تلقى “الحل نت” نسخة منه، إنه “همسة إلى السياسيين العراقيين، ما أجمل أن يكون السياسيون العراقيون ساعين إلى السلام وليس الى التحارب“، مضيفا: “يبدو أن المشهد الحالي شديد الانغلاق، وخال من أي اعتبار للصالح العام، كل طرف ينظر إلى موقفه الخاص، ولا يستمع للطرف الآخر“.

كونوا صانعي سلام

كما تابع، “وسط هذا الغليان تأتي بلطافة نداءات العقلاء للحوار الوطني الأخوي من أجل الحفاظ على حياة الناس ومستقبل الوطن، وأمام هذه المسؤولية التاريخية لابد من يقظة ضمير، خصوصا أن للكل نقاط ضعف“.

واستدرك أنه “لتكن أقدامكم ملتصقة بأرض العراق فلا تسمعوا الأصوات التي تجركم إلى المواجهة كالنهر الهائج، ولا تضيعوا فرصة الحوار الذهبية للجلوس معا، وإعداد خارطة طريق إصلاحية حقيقية يستحقها العراق، وينتظرها المواطنون منذ 19 سنة“.

ساكو، لفت إلى أنه “إذا تناحرتم وتقاتلتم ودمرتم البلاد فلن يرحمكم الله ولا العراقيون.. كونوا صانعي السلام كما دعا السيد المسيح وليس الحرب“، مختتما حديثه بالقول “شكرا للقوات الأمنية التي أظهرت أنها صمام الأمان في هذه الظروف الصعبة“.

وكان أنصار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر اقتحموا المنطقة الخضراء-شديدة التحصين-، التي تضم مباني حكومية ومقار بعثات دبلوماسية وسط العاصمة العراقية بغداد منذ صباح السبت الماضي، وللمرة الثانية بظرف 72 ساعة، احتجاجا على ترشيح “الإطار التنسيقي” لمحمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.

المتظاهرون، الذين احتشدوا منذ مساء يوم الجمعة بدعوة من الصدر والتيار الصدري، أزالوا حواجز خرسانية كانت القوات الأمنية قد أنشأت منها حواجز أمنية على الجسر الجمهوري المؤدي للمنطقة الخضراء، ودخلوا المنطقة متجهين إلى البرلمان العراقي، حيث أعلنوا بدء اعتصام داخل البرلمان.

وأعلن أنصار “التيار الصدري” بدء اعتصام مفتوح داخل مبنى البرلمان، وذلك بعدما كانوا قد توجهوا إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى معبرين عن غضبهم اتجاهه، لما يعتبرونه انحيازا من قبله لصالح تحالف “الإطار“، والسبب الرئيس في فشل مشروع قائدهم الذي كانت كتلته قد حققت أكبر حضور نيابي في الانتخابات المبكرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر.

مقابل ذلك، دعا “الإطار التنسيقي” المقرب من إيران، أنصاره للنزول إلى الشارع بتظاهرات مضادة لأنصار “التيار الصدري“، ودفاعا عن الدولة وشرعيتها من انقلاب مشبوه على حد تعبيرهم.

اقرأ/ي أيضا: قرع طبول الحرب الأهلية الشيعية في العراق؟

اضداد خجول وسياق الصراع

تظاهر أنصار “الإطار” يوم أمس الاثنين على أسوار المنطقة الخضراء وسط أجواء مشحونة بين الطرفين، في حين لم تدم تظاهراتهم أكثر من ساعتين إذ وجهت اللجنة التنظيمية أنصارهم بالانسحاب.

وتأتي تلك الأحداث نتيجة لصراع سياسي دام لنحو 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة، بين الطرفين وبعد وقوف “الإطار التنسيقي“، بوجه مشروع “التيار الصدري“، الذي كان يدعو إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

بعد الانتخابات ذهب “التيار الصدري” صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات، لتشكيل تحالفا ثلاثيا مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، واسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن” بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار التنسيقي” الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك الجميع فيها، وهذا ما لم يقتنع به زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.

والفشل سببه كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث، حيث وجه الصدر أنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

اقرأ/ي أيضا: تظاهرات خجولة تدفع “الإطار” لسحب أنصاره من الخضراء ببغداد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.