يبدو أن غزو روسيا لأوكرانيا فتح أبواب النزاع أمام موسكو حتى مع أقرب حلفائها (إسرائيل وتركيا) الذين اختاروا الاصطفاف بجانب البلد الأوروبي، ما حتّم عليها إعلان حرب باردة غير معروف نتائجها قد تستمر لسنوات، فما القصة؟

محاربة علنية لليهود

في الشهر الماضي، قدمت السلطات الروسية التماسا إلى محكمة “حي باسماني” في موسكو لوقف أنشطة الوكالة اليهودية “سخنوت” في روسيا، زاعمة أن المنظمة، التي تسهل وتشجع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، قد انتهكت القوانين المحلية، أي جمع معلومات بشكل غير قانوني عن المواطنين الروس، ومن المقرر عقد الجلسة التالية في القضية يوم 19 آب/أغسطس القادم.

في هذا الصدد، قال مكتب الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إنه اتصل بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء في إطار جهود إسرائيل المستمرة لمنع موسكو من إغلاق عمليات الوكالة اليهودية في روسيا.

على الرغم من إصرار السلطات الروسية على أن جهودها لإغلاق الوكالة اليهودية، وهي منظمة شبه رسمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكومة الإسرائيلية، هي مسألة قانونية بحتة، يرى الكثيرون في إسرائيل هذه الخطوة، على أنها تكتيك دبلوماسي يهدف إلى الضغط على تل أبيب، لأنهاء دعمها لأوكرانيا.

في الأسبوع الماضي، التقى سفير إسرائيل لدى روسيا ألكسندر بن تسفي، في موسكو مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لمناقشة مستقبل الوكالة اليهودية في روسيا.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، الذي استنكر الغزو الروسي لأوكرانيا، حذر من أن إغلاق موسكو للوكالة اليهودية سيكون “حدثا خطيرا ستكون له عواقب” على العلاقات الروسية الإسرائيلية.

لا تزال أسباب موسكو لمهاجمة المنظمة شبه الحكومية غير واضحة، حيث لم يشر المسؤولون الروس حتى الآن إلى الخطوات إن وجدت التي يمكن أن تتخذها إسرائيل والتي من شأنها أن تدفعهم إلى إلغاء تهديداتها بإغلاق الوكالة، المكلّفة بتسهيل وتشجيع اليهود للهجرة إلى إسرائيل.

وبدأت “سخنوت”، العمل في الاتحاد السوفييتي في عام 1989 حتى قبل افتتاح السفارة الإسرائيلية في موسكو بعامين، وتشرف الوكالة في روسيا على معسكرات للأطفال ومدارس يوم الأحد وبرامج تعليمية، بما فيها تلك المتعلقة بهجرة الشباب.

إعلان الحرب على “بيرقدار”

منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير الفائت، استخدمت كييف الطائرات بدون طيار التركية “بيرقدار” ضد القوات الروسية حيث حققت نجاح كبير في معاركها. فبحسب ما ورد استخدمت الطائرة بدون طيار في عملية إغراق السفينة الروسية “موسكفا” في البحر الأسود في نيسان/أبريل الفائت، عندما تم استخدامها كخدعة للرادار الروسي حيث هاجمت أوكرانيا بصواريخ “نبتون” المضادة للسفن.

أثار تصريح السفير الأوكراني لدى تركيا، فاسيلي بودنار، الاثنين الفائت، عن نية كييف بناء مصنع لشركة “بايكار ماكينا” المصنعة لـطائرات “بيرقدار” بعد المصادقة عليه من قبل البرلمان الأوكراني، حفيظة روسيا.

المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، لوح الثلاثاء الفائت، بإمكانية تدمير مصنع لإنتاج مسيرات “بيرقدار تي بي 2” التركية في حال أنشئ على الأراضي الأوكرانية، معتبرا أن الأمر “يندرج ضمن قضية نزع سلاح” أوكرانيا.

وقال بيسكوف، في تصريحات تناقلتها وكالات إعلام روسية: “سيطيل ذلك أمد معاناة الأوكرانيين، دون أن يساعد في تفادي تحقيق هدف العملية العسكرية الخاصة”.

رغم الادعاءات بأن الحلف الروسي التركي، بات يمكن وصفه بالاستراتيجي بعد عدة محطات خلاف واتفاق بين الطرفين في عدة ملفات، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف حقيقة هذا التحالف “الوهمي” الذي أسقطته بشكل واضح طائرات الدرون التركية، التي ورّدتها أنقرة إلى كييف خلال مواجهتها للغزو الروسي، وحاليا طلب موسكو من طهران بتزويدها بطائرات مسيرة.

روسيا تتوجه نحو إيران

يبدو أن الدرون التركية باتت رمزا للمقاومة الأوكرانية، فالدور الذي تؤديه طائرات الدرون التركية من نوع “بيرقدار”، قلب المعادلة العسكرية لصالح الأوكرانيين في الحرب الدائرة على أراضيهم، والتي بدأتها روسيا رسميا في 24 شباط/فبراير الماضي.

نتيجة لذلك، يبدو أن روسيا توجهت نحو إيران لتلافي خسائرها، حيث كشف التقرير الذي أصدره البيت الأبيض في تموز/يوليو الماضي، عن سعي روسيا إلى الاستعانة بمئات طائرات بدون طيار المسلحة، وغير المسلحة من إيران لاستخدامها في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعن حاجة موسكو لسد فجوة المعركة الحرجة، وإيجاد مورّد طويل الأجل لتكنولوجيا القتال.

وبحسب حديث سابق، الباحث في موقع “جي إف بي” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، فإن تركيا استخدمت طائرات بدون طيار لحماية مصالح سياستها الخارجية في سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط، ولتوسيع نفوذها خارج المنطقة، وذلك من خلال دعم ليبيا وأوكرانيا وأذربيجان، مما ساعد الأخيرة على الفوز في صراعها مع أرمينيا عام 2020 بشأن إقليم كاراباخ، وتحسين قدرة طائراتها الحربية.

تحول روسيا لإيران، يأتي بعد أن زودت إيران “حزب الله” في لبنان بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار؛ وأيضا الحوثيين في اليمن الذين يهاجمون السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ والميليشيات الشيعية في العراق التي شنت ضربات ضد القوات العراقية والأميركية.

ويقول صامويل بينديت، المتخصص في الطائرات الروسية بدون طيار: “تتجه روسيا إلى حليف لها يطلق طائرات بدون طيار في بيئات معقدة بأعداد كبيرة، وبالرغم من أن الروس يملكون طائرات بدون طيار، إلا أنهم لا يملكون كل الأنواع التي يحتاجون إليها”.

تؤكد صفقة روسيا مع إيران، على الأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار للحرب الحديثة، ليس فقط في حالات التمرد أو عمليات مكافحة الإرهاب، بل أيضا في النزاعات التقليدية، وفي ساحة قتال متنازع عليها مثل أوكرانيا، حيث تلعب الطائرات بدون طيار دورا محوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.