يبدو أن الصراع التركي الإيراني سينتقل بشكل من الأشكال من سوريا إلى أوكرانيا، ففي الوقت الذي دعمت فيه أنقرة كييف منذ اليوم الأول بطائرات “بيرقدار”، تتحضر موسكو لدفع طهران للانخراط في الغزو، الذي تسببت به منذ ستة أشهر، ففي الوقت الذي لا تستخدم فيه روسيا طائرات بدون طيار، تخطط إيران للتدخل، إذ بحسب المسؤولون الأميركيون، فإن التسليم المحتمل لمئات الطائرات الإيرانية بدون طيار من شأنه مساعدة “الكرملين” في إعادة ملء أسطوله، الذي تكبد خسائر حادة في أوكرانيا.

دلالات لدخول المسيّرات الإيرانية

رغم الادعاءات بأن الحلف الروسي التركي الإيراني، بات يمكن وصفه بالاستراتيجي بعد عدة محطات خلاف واتفاق بين الطرفين في عدة ملفات، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف حقيقة هذا التحالف “الوهمي” الذي أسقطته بشكل واضح طائرات الدرون التركية، التي وردتها أنقرة إلى كييف خلال مواجهتها للغزو الروسي، وحاليا طلب موسكو من طهران بتزويدها بطائرات مسيرة.

يكشف التقرير الذي أصدره البيت الأبيض الأسبوع الماضي، عن سعي روسيا إلى الاستعانة بمئات طائرات بدون طيار المسلحة، وغير المسلحة من إيران لاستخدامها في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعن حاجة موسكو لسد فجوة المعركة الحرجة، وإيجاد مورد طويل الأجل لتكنولوجيا القتال.

لم يقدم جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، للرئيس الأميركي، جو بايدن، سوى القليل من التفاصيل حول التقييم الاستخباراتي الذي كشف عنه للصحفيين، يوم الاثنين الماضي، بما في ذلك ما إذا كانت الشحنات قد بدأت بالانخراط في الحرب. إلا أن مسؤولين أميركيين آخرين قالوا، إن إيران تستعد لتوفير ما يصل إلى 300 طائرة موجهة عن بعد، وستبدأ بتدريب القوات الروسية على كيفية استخدامها في وقت مبكر من هذا الشهر.

وبحسب ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فقد استنفدت روسيا معظم أسلحتها عالية الدقة، فضلا عن العديد من الطائرات بدون طيار التي استخدمتها لتحديد أهداف دقيقة لسلاحها المدفعي بعيد المدى في أوكرانيا، بعد استخدام الأخيرة قاذفات الصواريخ المحمولة التي زودتها بها واشنطن، حيث دمرت أكثر من عشرين من مخازن الذخيرة الروسية ومواقع الدفاع الجوي ومراكز القيادة، مما جعل حاجة موسكو إلى مواجهة الأسلحة الغربية الجديدة والمتقدمة أكثر إلحاحا.

لماذا توجهت روسيا للطائرات الإيرانية؟

يبدو أن الدرونز التركية باتت رمزا للمقاومة الأوكرانية، فالدور الذي تؤديه طائرات الدرونز التركية من نوع “بيرقدار”، قلب المعادلة العسكرية لصالح الأوكرانيين في الحرب الدائرة على أراضيهم، والتي بدأتها روسيا رسميا في 24 شباط/فبراير الماضي.

وبحسب حديث سابق، الباحث في موقع “جي إف بي” المختص في الشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، فإن تركيا استخدمت طائرات بدون طيار لحماية مصالح سياستها الخارجية في سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط، ولتوسيع نفوذها خارج المنطقة، وذلك من خلال دعم ليبيا وأوكرانيا وأذربيجان، مما ساعد الأخيرة على الفوز في صراعها مع أرمينيا عام 2020 بشأن إقليم كاراباخ، وتحسين قدرة طائراتها الحربية.

تحول روسيا لإيران، يأتي بعد أن زودت إيران “حزب الله” في لبنان بتكنولوجيا الطائرات بدون طيار؛ وأيضا الحوثيين في اليمن الذين يهاجمون السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ والميليشيات الشيعية في العراق التي شنت ضربات ضد القوات العراقية والأميركية.

ويقول صامويل بينديت، المتخصص في الطائرات الروسية بدون طيار: “تتجه روسيا إلى حليف لها يطلق طائرات بدون طيار في بيئات معقدة بأعداد كبيرة، وبالرغم من أن الروس يملكون طائرات بدون طيار، إلا أنهم لا يملكون كل الأنواع التي يحتاجون إليها”.

تؤكد صفقة روسيا مع إيران على الأهمية المتزايدة للطائرات بدون طيار للحرب الحديثة، ليس فقط في حالات التمرد أو عمليات مكافحة الإرهاب، بل أيضا في النزاعات التقليدية، وفي ساحة قتال متنازع عليها مثل أوكرانيا، حيث تلعب الطائرات بدون طيار دورا محوريا.

وقد زار وفد روسي مهبط للطائرات في وسط إيران مرتين على الأقل خلال الأسابيع الخمسة الماضية، لفحص الطائرات بدون طيار التي يمكن أن تكون مسلحة، وفقا لما قاله سوليفان، فقد استعرض الروس طائرات بدون طيار من طراز “شاهد-191″ و”شاهد-129”.

وبحسب الصحيفة الأميركية، كانت روسيا تمتلك ترسانة هائلة من الطائرات بدون طيار قبل دخولها حربا مع أوكرانيا، ولكن التسليم المحتمل لمئات من الطائرات الإيرانية بدون طيار المسلحة وغير المسلحة، من شأنه أن يساعد “الكرملين” في إعادة ملء الأسطول الذي عانى من خسائر فادحة خلال غزوها منذ ستة أشهر.

حرب محتملة للحلفاء

منذ غزوها أوكرانيا في شباط/فبراير الفائت، كثّفت المؤسسة العسكرية الروسية من استخدام الطائرات بدون طيار الروسية، لكن سهولة استهدافها من قبل القوات الأوكرانية بسرعة، وسحب إحداثيات الأسلحة الروسية منها وإعادة قصفها، أربك موسكو.

دعم أنقرة لكييف بالطائرات المسيرة، وتفوقها على الطائرات الروسية، وتضاءل تفوق روسيا في حروب الطائرات بدون طيار، تدل على أن حرب عسكرية جوية ستندلع بين الحلفاء، فالصفقة التي أبرمتها موسكو مع إيران تمثل انعكاسا كبيرا في دور أحد أكبر متعهدي الأسلحة في العالم، بحسب “نيويورك تايمز”.

من جهته يقول بي دبليو سنجر، وهو خبير استراتيجي في صحيفة “نيو أميركا” في واشنطن، وقد كتب كثيرا عن الطائرات بدون طيار: “إن روسيا اعتادت على بيع المعدات العسكرية لدول مثل إيران، وليس العكس”.

موقف إيران في المعسكر المعادي للغرب، اعتبره تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، ذا عواقب بعيدة المدى على إسرائيل والولايات المتحدة. حيث وصفت إمداد روسيا بالطائرات بدون طيار في وقت الحرب، بأنه يضع طهران في مواجهة مباشرة مع حلف “الشمال الأطلسي” (الناتو) والدول الأوروبية، التي تعتبرها حتى الآن شريكا.

ولا يزال من غير الواضح على وجه التحديد أي نوع من الطائرات بدون طيار قد تسعى روسيا إلى الحصول عليها من إيران، على الرغم من أن صور الأقمار الصناعية التي نشرها البيت الأبيض تقدم أدلة قوية.

وستكون لهذه الخطوة عواقب كثيرة، قد يؤدي من بين أمور أخرى، إلى تشديد موقف الولايات المتحدة بشأن إمكانية تطوير إيران وإنتاجها لأسلحة نووية، حيث إنها من الآن فصاعدا تهدد ليس فقط جيرانها في الشرق الأوسط، ولكن أيضا أوروبا والولايات المتحدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة