شكّل قرار الحكومة السورية الأخير، بخصوص استبعاد المحامين من الدعم الحكومي، ممن مضى على انتسابهم لنقابة المحامين عشر سنوات؛ ومن يمتلكون شركات محاماة، صدمة قاسية. ووصفه كثيرون بالغبن واللا منطقية، مما دفع نقابة محامي سوريا لرفع طلب إعادة نظر بتطبيقه لرئاسة مجلس الوزراء، نظرا للظروف المعيشية الصعبة لمعظم المحامين؛ وكذلك المطالبة بتطبيق الاستبعاد على المحامين بشكل فردي، والإبقاء على عائلاتهم ضمن منظومة الدعم.

القرار تم تبريره بأن المحامين ليسوا من الفئات الأضعف أو الأفقر، التي تعتبر بحاجة ماسة للدعم. فهل هذا التصوّر صحيح؟ وكيف بدا استبعاد المحامين من الدعم الحكومي بنظر المتضررين من القرار؟

نتائج استبعاد المحامين من الدعم

المحامي أسعد رجب، من نقابة محامي طرطوس، مضى على نيله الأستذة في المحاماة حوالي ثماني سنوات، وتم حرمانه من البطاقة الذكية، بعد احتساب فترة سنتي التمرين اللتين أجراهما، ليُعتبر عدد سنوات عمله عشر سنوات.

ويشرح رجب لـ”حل نت” تداعيات هذا القرار بقوله: “أستطيع وصف قرار استبعاد المحامين من الدعم بأنه تعسفي بامتياز. والصورة المأخوذة عن المحامي، بوصفه من الفئات الميسورة، صورة بعيدة عن الواقع، خصوصا اليوم. لقد تم احتساب مدة ممارستي للمهنة بعشر سنوات، وبتّ مضطرا لشراء متطلبات معيشتي بالسعر الحر، ومنها وقود السيارة، والخبز. لدي ثلاثة أولاد، وزوجتي لا تعمل، والوضع بات صعبا جدا بعد استبعادهم من الدعم”.

المحامي سامر قاسم استُبعد أيضا من دعم البطاقة الذكية، رغم أنه لم يسجل أي دعوى في دفتر الممارسة منذ عام ونصف، نظرا لتعرضه لظرف صحي، دفعه لإيقاف عمله. ويقول لـ”الحل نت”: “أصبت بجلطة في الساق، وبقيت جليسا في الفراش عدة أشهر، ولم أتمكن من السير والعمل. فعليا انا لست على رأس عملي، ووضعي المعيشي والصحي صعب جدا، فكيف تتم مقارنتي بزملائي، ممن يسجلون دعوى أو دعوتين في الشهر، إن لم يكن أكثر؟ أتمنى أن تكون هناك لجنة لتقييم حالة المحامي قبل حرمانه من الدعم الحكومي”.

المحامي ملهم النوري، عضو في مجلس نقابة المحامين في اللاذقية، حاول أن يبدي تفهّمه لقرار الحكومة باستبعاد المحامين من الدعم. وقال لـ”لحل نت”: “بالتأكيد أنا مع دعم المحامين والطبقة الوسطى والمثقفة في المجتمع، لكن أعتقد أن هذه الخطوة جاءت في سياق اتجاه الدولة لرفع الدعم عن معظم شرائح المجتمع. وآمل أن يجد دعم المواطنين، والمحامون منهم، طرقا أخرى، تطبّق تدريجيا على الجميع”.

يُذكر أن عدد الحالات، التي سُجّل فيها استبعاد المحامين من الدعم الحكومي، قُدّرت بخمسة عشر ألف حالة. أي خمسة عشر ألف محام من بين سبعة وثلاثين ألفا مسجلين في البلاد، وفقا لأرقام نقابة محامي سوريا المركزية.

محاميات فضلن “الترقين” على اسبعاد أسرهن من الدعم

استبعاد المحامين من الدعم الحكومي لم يطل ممارسي المهنة وحدهم، بل عائلاتهم أيضا. وهذا من أكثر ما أثار استياء المتضررين من القرار، وخصوصا المحاميات اللواتي يعلن عائلاتهن، ومنهن المحامية ثناء مخزوم، من فرع نقابة محامي حلب، والتي مضى على انتسابها للنقابة اثنتا عشرة سنة.

تقول مخزوم لـ”الحل نت”: “كنت أعمل على محاولة النهوض من جديد، وممارسة المهنة، وكسب الرزق، لكن قرار رفع الدعم عني وعن عائلتي صعّب علي الأمر، في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني. فقد تمر علي أشهر لا أوكّل فيها بأية دعوى. كيف أصرف على اهلي، وأنا المعيلة بعد وفاة أبي وأخي؟ تقدمت بطلب ترقين القيد من النقابة، أقله لكي أضمن شراء الخبز بالسعر المدعوم”.

تختلف أسباب المحامية لمياء علي، وهو اسم مستعار، التي تقدمت أيضا بطلب ترقين قيدها من نقابة محامي دمشق. فوضع زوجها المادي، الذي يعمل موظفا، مترد جدا، وبالكاد يسدّ راتبه أجار البيت، وحرمانه من الدعم، لأن زوجته محامية، سيكون مشكلة كبيرة له.

تقول علي: “لا أفهم كيف فكرت الحكومة لدى إصدارها قرار استبعاد المحامين من الدعم مع عائلاتهم. أسرتي كلها ستُعاني بسبب ذلك. ولن تتمكن من توفير الخبز وأساسيات الغذاء”.

وتضيف باستنكار: “من قال لهم أننا نجني الذهب ونملأ جيوبنا؟! سأضطر لأن ألغي انتسابي لمهنة فقدت كثيرا من ألقها، وباتت للحيتان المسيطرين على أروقة المحاكم. لكي احتفظ بدعم البطاقة الذكية، فالأسعار باتت لا ترحم”.

اعتبار مكاتب المحاماة “تجارية”

تحاول المحامية وفاء الدنيا، من فرع نقابة محامي حمص، أن تفتتح مكتبا لها في اللاذقية، بعد أن انتقلت مع عائلتها إليها، إثر الظروف التي عانت منها حمص، والتي خسرت بسببها مكتبها في منطقة حمص القديمة، الذي تم تدميره بالكامل. واصطدمت، مثل غيرها من المحامين، بقرار اعتبار مكاتب المحاماة مكاتب تجارية، وهو قرار أضاف مزيدا من المعاناة، إلى جانب قرار استبعاد المحامين من الدعم.

 تقول الدنيا لـ”الحل نت”: “أعتقد أن اعتبار مكاتب المحامين مكاتب تجارية يندرج في إطار سعي الحكومة لتحصيل الأموال بأية طريقة، من دون أدنى اعتبار لمهنة المحاماة، بوصفها مهنة فكرية علمية. أنا خسرت مكتبي ورزقي، وانتقلت مع عائلتي الى اللاذقية، التي ينحدر منها زوجي. والمكتب التجاري يحتاج إلى مال لافتتاحه، كما أن استصدار السجل التجاري يتطلّب دفع رسوم اشتراك سنوية وطوابع خاصة. ومن يعمل اليوم بمهنة المحاماة، ضمن الأطر الاعتيادية، يكاد بصعوبة يؤمّن لقمة عيشه. فما بالك بمن نالت الحرب من رزقه”.

وتضيف: “مهنة المحاماة (مضروبة بحجر كبير) كما يقال في العامية. والحكومة تنظر إلى المحامين باعتبارهم من أصحاب الثروة. نعم، هناك محامون اغتنوا خلال سنوات الحرب، خصوصا من عَمل منهم في قضايا الإرهاب، التي نال الفساد منها ما نال، لكن معظم المحامين بالكاد يحصلّون دعوى”.

تأسيس الدعوى عبء جديد على المحامين والموكلين

على عكس ما كان مأمولا من الحكومة السورية، من خفض أسعار رسوم تنظيم الوكالات القضائية، رفعت نقابة المحامين الرسوم، في قرار وصفه محامون كثر بأنه “معرقل لوصول الناس إلى العدالة بأسعار معقولة”، واعتبروه ضارا لعملهم، ما يزيد من الأوضاع سوءا، بعد استبعاد المحامين من الدعم الحكومي.

سليمان قاسم، حقوقي ويعمل موظفا إداريا في نقابة محامي حماة، يشرح لـ”الحل نت” القرار وتداعياته: “جاءت القرارات الأخيرة بزيادات مريعة. إذ تمت زيادة قيمة طابع الدعوى إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، وإلصاقه على أصل سند التوكيل أو الصورة المصدّقة عنه. كما نصّ القانون الجديد على توحيد الحد الأدنى للرسوم، لجميع الدعاوى القضائية، وجعله سبعة آلاف ليرة سورية، يتم تحصيلها عند تنظيم أي وكالة قضائية، باستثناء الدعاوى التي يقيمها العامل بخصوص حقوقه العمالية، ودعوى النفقة إذا لم تقترن بطلبات أخرى. وتم تعديل المادة 15 من نظام الوكالات القضائية لجهة رسم الانتقال، بزيادة المبلغ المطلوب إلى أربعة آلاف ليرة سورية، بدلا من خمسمئة ليرة سورية، أي زيادة بنسبة ثمانمئة بالمئة!”.

بدوره يشتكي المحامي مهند صافتلي من هذه الزيادة، مذكّرا بآثارها السلبية على الموكلين أيضا، ويقول لـ”الحل نت” : “الوضع المعيشي الصعب اليوم يدفع الناس للتردد قبل توكيل محام، وكنا نعاني في الأساس كمحامين من تذمر الموكل من قيمة الأتعاب، لتأتي الرسوم الإضافية وتزيد العبء. متعب جدا أن نشرح للموكل أن هناك تكاليف يجب أن يدفعها المحامي، مثل الطوابع والوكالة. لذلك فإن الدعوى اليوم أصبحت مكلفة جدا، يدفعها المحامي أحيانا من أتعابه. فضلا عن مصاريفه الأخرى، مثل الضرائب، وتكاليف المكتب، والورقيات والطباعة. وبالتالي ليس كل ما يتقاضاه المحامي من الموكل هو أتعاب تذهب لجيبه الخاص”.

“ضريبة مغادرة” على المحامين خارج سوريا

إلى جانب استبعاد المحامين من الدعم، اعتبر كثيرون أن مشروع قرار الحكومة السورية، الذي يتضمّن فرض “رسم مغادرة” بالعملة الأجنبية، على كل محام غادر سوريا، أو سوف يغادرها لاحقا، خطوة لرفد الحكومة بالقطع الأجنبي، وتضييقا للخناق على المحامي السوري.

المحامي أنور غرايبة، وهو اسم مستعار لعضو مجلس نقابة المحامين في درعا، وصف الخطوة بـ”خنق الأنفاس والابتزاز”. ويقول لـ”الحل نت”: “لكي يبقى المحامي، الذي غادر سوريا لأكثر من شهرين، في جدول النقابة، تشترط النقابة المركزية للمحامين دفع رسوم مغادرة، إضافة إلى الرسم السنوي للنقابة، بالقطع الأجنبي. واللافت أن تأمين القطع الأجنبي في سوريا، تبعا للقانون، أمر ليس باليسير. وسبق أن شطبت نقابة المحامين أكثر من ثلث المحامين المسجلين في درعا، وفي العديد من المحافظات الأخرى، لأسباب مختلفة، منها مغادرة سوريا وعدم دفعهم رسوم النقابة. وهكذا يكون قد قُضي على آمال المحامي الراغب بترك المهجر، فلا مهنة له يمارسها إن عاد، وبقي سالما”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.