واقعيا، لم تكن الأزمة السياسية الحالية التي يعيشها عراق ما بعد 2003، هي الأولى من نوعها، لكنها فعليا هي الأشد والأطول والأكثر قتامة منذ سقوط نظام صدام حسين، وربما ستدفع بالنظام السياسي الحالي إلى الانهيار لاحقا.

مع استمرار الانسداد السياسي في العراق، الحاصل نتيجة الصراع بين زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الرافض لطريقة الحكم وفق المحاصصة التي ينجم عنها الفساد، و”الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، والراغب بالإبقاء على طريقة الحكم المحاصصاتية، هناك 6 شخصيات شيعية تتحكم في المشهد السياسي العراقي، وهي الأكثر فاعلية إزاء الأزمة الراهنة، وفق موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

مقتدى الصدر

الشخصية الأولى تتمثل بزعيم “الكتلة الصدرية”، مقتدى الصدر، الذي يصارع لوحده قادة “الإطار” المقرب من طهران.

يبلغ الصدر من العمر 48 عاما، وهو ابن المرجع الديني الراحل محمد صادق الصدر، وعمه محمد باقر الصدر، المرجع الديني ومؤسس أول حزب سياسي شيعي، هو “حزب الدعوة” الذي يتزعمه حاليا، نوري المالكي.

كان مقتدى الصدر، على مدى العقدين الماضيين، أحد أقوى الفاعلين السياسيين في العراق. وهو في الأصل أول قائد لقوات مسلحة حاربت الوجود الأميركي في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين؛ لأنه اعتبر وجود واشنطن “احتلال” لبغداد.

أسّس الصدر في 2003، ميليشيا “جيش المهدي” لمواجهة القوات الأميركية في العراق، وخاض حروبا طاحنة معها، خاصة المعركة التي جرت في الصحن الحيدري عند ضريح الإمام علي في النجف.

صدّر مقتدى الصدر نفسه، على أنه قومي عروبي شيعي، ومعارض للنظام السياسي الحالي، ورافض للنفوذ الإيراني في العراق، وضد وجود أي جهة أجنبية على الأراضي العراقية.

واستطاع الصدر جمع أتباع بين الكثير من الفقراء والطبقة العاملة المحافظة اجتماعيا في العراق، وكذلك بين أولئك الذين يعارضون نفوذ إيران وواشنطن. وتقع قاعدة دعمه في بغداد في مدينة الصدر المترامية الأطراف، لكنه يتمتع بنفوذ واسع في جميع أنحاء البلاد.

بعد أن كان منشغلا في المواجهة العسكرية مع القوات الأميركية، جمّد الصدر ميليشيا “جيش المهدي”، ودخل العملية السياسية بعيد الاتفاق على تنسحاب القوات الأميركية من العراق في شتاء عام 2011.

في أول عملية انتخابية بعد خروج القوات الأميركية، حل الصدر ثانيا في الانتخابات خلف “دولة القانون” بزعامة المالكي في عام 2014، لكنه استفاد من تلك التجربة الانتخابية، ليفوز أولا في آخر عمليتين انتخابيتين في عامي 2018 و2021، مقابل تراجع واضح لكل القوى السياسية الأخرى.

جاء حزبه “سائرون” في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومنذ ذلك الحين دخلت البلاد في انسداد سياسي، نتيجة سعي الصدر لتشكيل حكومة أغلبية إلى جانب حلفاء من السُّنة والكرد، وإقصاء “الإطار” الخاسر في الانتخابات من الحكومة.

مع ذلك، لم يكن الصدر قادرا على تأمين الدعم الكافي بين أعضاء البرلمان الآخرين لتأمين تشكيل الحكومة؛ لأن القضاء العراقي ألزم حضور ثلثي أعضاء البرلمان لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل حكومة جديدة، أي شرط حضور 220 نائبا من أصل 329 نائبا لعقد الجلسة.

تحالف الصدر مع الكرد والسنة الذي سمي بتحالف “إنقاذ وطن” بلغ عدده 180 نائبا، لذلك لم يتمكن من الوصول للعدد المطلوب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؛ نتيحة امتناع قوى سياسية عن حضورها، والتحاق أخرى بـ “الإطار التنسيقي”، ليتم تشكيل الثلث المعطل الذي منع عقد الجلسة.

بعد عدم تمكنه من تحقيق مشروعه بحكومة أغلبية، سحب الصدر نوابه من البرلمان العراقي، ليفسح المجال أمام “الإطار” لتشكيل حكومة جديدة، غير أن إصرار “الإطار” على تشكيل حكومة وفق نهج المحاصصة الطائفية، وترشيحه لمحمد شياع السوداني، المقرب من خصمه نوري المالكي، دفعه لإيقاف تشكيل تلك الحكومة حتى الآن.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اقتحم آنصار الصدر، المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا، مقر الحكومة العراقية والبعثات الدبلوماسية والدولية، ويقيم فيها أمام البرلمان العراقي اعتصاما مفتوحا منذ 3 أسابيع، ويطالب الصدر بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

هادي العامري

ينظَر إلى هادي العامري، زعيم “تحالف الفتح” الجناح السياس لميليشيا “منظمة بدر” المسلحة والمدعومة من إيران، منذ فترة طويلة على أنه الرجل الرئيسي لطهران في العراق، على الأقل منذ اغتيال نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني/ يناير 2020.

ظل العامري مواليا لإيران لعقود من الزمن. واجتاحت “منظمة بدر” العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين ربيع عام 2003، وسرعان ما رسخت نفسها في جزء كبير من دولة ما بعد “حزب البعث”، متهمة بالتعذيب والقتل الطائفي.

حارب العامري إبان الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات إلى جانب طهران؛ لأنه يتبع المرشد الإيراني وقتها، علي الخميني، عقائديا، وعلى الرغم من تاريخه المتطرف، حاول العامري تقديم نفسه على أنه صوت “معتدل” في النزاع السياسي الحالي، لكن الصدر لا يقبل بذلك، ويشترط عليه ترك “الإطار” للقبول بوساطته.

“تحالف الفتح”، الذي أنشأه العامري، خسر خسارة مدوية في الانتخابات الأخيرة، بحصوله على 17 مقعدا فقط، في وقت كان قد حل ثانيا في انتخابات 2018 بعد “التيار الصدري”.

“الفتح”، هو أحد الأطراف الرئيسية في “الإطار التنسيقي” الشيعي. ولا يعارض من حيث المبدأ، إجراء انتخابات جديدة، لكنه يشترط أن تجرى عقب تشكيل حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها تعديل قانون الانتخابات، وتشرف على الانتخابات الجديدة، عكس الصدر الذي يريد إجراء الانتخابات بإشراف حكومة الكاظمي الحالية، ودون أي تعديل لقانون الانتخابات.

على عكس بعض زملائه في “الإطار التنسيقي الشيعي”، دفع العامري من أجل إجراء حوار بين مختلف الأطراف وعقد اجتماعات عديدة بهدف محاولة إنهاء الانسداد السياسي الحالي. كما لم يشارك أنصاره في الاحتجاجات المضادة التي نظمها “الإطار” ضد اعتصام أنصار الصدر عند مبنى اابرلمان العراقي.

قيس الخزعلي

بالمقارنة مع حليفه في “الإطار التنسيقي” العامري، تبنى الخزعلي الذي يتزعم ميليشيا “عصائب أهل الحق” الموالية لإيران، وكتلة “صادقون” النيابية المنضوية في “تحالف الفتح” و”الإطار”، نهجا أكثر تصادما مع مقتدى الصدر.

كان الخزعلي من المؤيدين للصدر في السابق، وأحد المقاتلين في صفوف ميليشيا “جيش المهدي”، إلى أن طُرِد من صفوف الميليشيا، بعد أن رفض الاستجابة لأمر الصدر بالالتزام بوقف إطلاق النار مع القوات الأميركية، ثم وبعد اعتقاله من قبل القوات الأميركية في عام 2007، أسس الخزعلي ميليشيا “العصائب” الموالية لإيران، بعد خروجه من السجن.

وأعلنت “العصائب” مسؤوليتها عن أكثر من 6000 هجوم في جميع أنحاء العراق ضد القوات الأميركية وحلفائها. و”العصائب” موالية لإيران ومرشدها الأعلى، علي خامنئي، واتُهِمَت بالتورط في قمع وقتل المتظاهرين خلال “انتفاضة تشرين” التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، التي خرجت ضد الفساد ونقص الخدمات والبطالة والتدخل الإيراني في الشأن العراقي.

تبادل الخزعلي وأنصاره الانتقادات اللاذعة مع الصدريين في الأسابيع الأخيرة، وتخوف الكثيرون من احتمال اندلاع حرب أهلية شيعية بين قوى “الإطار” و”التيار الصدري” في 20 آب/ أغسطس، بعدما أعلنوا عن مظاهرة مضادة ضد مظاهرة مخططة للصدر. غير أنَ الصدر ألغى الاحتجاج في وقت لاحق، تفاديا لأي صدام مسلح.

نوري المالكي

رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، كافح لفترة طويلة لاستعادة سمعته الملطخة بالفشل والفساد، بعد أن أُلقي عليه باللوم على نطاق واسع بفشله في قيادة الدولة، واتهم في تقرير برلماني رسمي بوقوفه وراء سيطرة تنظيم “داعش” على ثلث مساحة العراق، صيف 2014، بعد سقوط الموصل.

غالبا ما يُتهم المالكي زعيم “حزب الدعوة” و”ائتلاف دولة القانون”، بالإشراف على النزعة الطائفية والمحسوبية، بل وحتى تأجيج النزاعات الطائفية إبان ولايته الثانية على رأس الحكومة العراقية بين عامي 2010 و2014.

حكم المالكي، وهو حليف لإيران، العراق لولايتين من عامي 2006 و2014، وأشرف على انسحاب القوات الأميركية عام 2011، ثم عودتها السريعة بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل، واشتهر عهده بالفساد، حيث اختفى ألف مليار دولار من خزينة الدولة بعد نهاية حكمه.

في الانتخابات المبكرة الأخيرة، تمكن ائتلافه “دولة القانون” من تأمين ثالث أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ويتطلع إلى عودته السياسية تحت مظلة “الإطار التنسيقي”، ويعد الطرف الأساس في الأزمة السياسية الحالية، نتيجة صراعه وخصومته مع الصدر، الذي فتح الباب في بادئ الأمر على قوى “الإطار” للالتحاق بحكومته “الأغلبية” دون المالكي، لكنهم رفضوا ذلك.

وتنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، بينما يمثل الثاني، الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين في ربيع 2003 إلى المشهد.

ومنذ عام 2008 توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر والمالكي عندما شن الثاني حربا على ميليشيا “جيش المهدي” التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط والجنوب العراقي آنذاك، قبل أن يفتح المجال لتأسيس ميليشيات مسلّحة موالية لإيران.

مصطفى الكاظمي

مصطفى الكاظمي، هو رئيس الحكومة العراقية الحالية، ووصل إلى دفة الحكم بعد إسقاط حكومة عادل عبد المهدي واستقالتها تحت ضغط “انتفاضة تشرين”، وهو يدير الحكومة إلى اليوم، لكنها أصبحت حكومة تصريف أعمال يومية؛ لأنها بمثابة المستقيلة بعد إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة، غير أن الفشل في تشكيل حكومة جديدة، جعله يسير أعمال الحكومة حتى اليوم.

الكاظمي من تولد العاصمة العراقية بغداد، تحديدا مدينة الكاظمية عام 1967، ويحمل شهادة البكالوريوس في القانون، وغادر البلاد عام 1985 عن طريق إقليم كردستان إلى ألمانيا ثم بريطانيا.

قضى الكاظمي سنوات طويلة من عمره خارج العراق معارضا لنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وهو لا يحمل جنسية أخرى غير العراقية، ولم ينتم لأي حزب سياسي في حياته.

كما أن الكاظمي كاتب متخصص في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لديه خبرة واسعة في مجال توثيق الشهادات الحية وأرشفة الأفلام الوثائقية المرتبطة بالممارسات القمعية، بحسب سيرته في موقع “المونيتور”.

كتب العديد من الكتب منها: “مسألة العراق، انشغالات إسلامية، علي ابن أبي طالب الإمام والإنسان”، وأهمها كتاب “انشغالات إنسانية” الذي تم اختياره في عام 2000 من قبل الاتحاد الأوروبي كأفضل كتاب كتبه لاجئ سياسي.

كما عمل الكاظمي مديرا لتحرير قسم العراق في موقع “المونيتور” الأميركي، فيما أدار من بغداد ولندن مؤسسة “الحوار الإنساني”، وهي منظمة مستقلة تسعى لسد الثغرات بين المجتمعات والثقافات والتأسيس للحوار بدلا عن العنف في حل الأزمات.

وترأس تحرير مجلة “الأسبوعية” التي كانت تصدر عن مؤسسة كردية في مدينة السليمانية تتبع لرئيس الجمهورية الحالي برهم صالح خلال عامي 2010 و2011، فيما ترأس جهاز المخابرات العراقي منذ عام 2016.

في محاولة منه للخروج من الانسداد السياسي الحالي في العراق، أطلق الكاظمي ما أسماه “الحوار الوطني” في 17 آب/ أغسطس، وعلى الرغم من اتفاق الحاضرين، بما في ذلك العامري والمالكي، على “عدة نقاط”، فإنَ غياب ممثل عن “التيار الصدري”، يعني أنَ الحوار لم يحقق الكثير بشكل عام.

ومع ذلك، دعا الكاظمي، بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، الصدر للانضمام إلى عملية “بدء مشاورات وحوار وطني عميق؛ لإيجاد حلول للأزمة السياسية الحالية”.

علي السيستاني

يمكن القول إنَ أكبر رجل دين شيعي في العراق والعالم، المرجع الديني آية الله علي السيستاني، هو الشخصية العامة الأكثر نفوذا في العراق.

واعتُبِرَت تصريحاته عن الشؤون العامة على مدى العقود القليلة الماضية، بما في ذلك دعمه للعملية الديمقراطية ومعارضة الفساد والدعوة إلى حمل السلاح ضد تنظيم “داعش”، حاسمة في منع انهيار الدولة العراقية.

عرف السيستاني بوقوفه في وجه إصرار المالكي على نيل ولاية ثالثة في قيادة الحكومة العراقية، وقد أصدر فتوى دينية شهيرة، عرفت بـ “الجهاد الكفائي” تطوع من خلالها أبناء الوسط والجنوب العراقي لمقاتلة “داعش” ومنع تمدده لكل مدن البلاد، حتى هزيمة التنظيم في 2017.

في “انتفاضة تشرين” دعم الانتفاضة وندّد بالعنف الممارس بحقها، وفي آخر جمعة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، انتقد في خطبة دينية له حكومة عادل عبد المهدي وتعاملها بقمع مفرط مع المتظاهرين، ليستقيل عبد المهدي بعد تلك الخطبة بساعتين فقط.

مع ذلك، كان -ولا زال- السيستاني هادئا في الأشهر الأخيرة، ولم يتدخل بعد في الأزمة السياسية الحالية؛ بسبب مخاوف من تأجيج الصراع نحو حرب أهلية شيعية، لكنه بحسب كثير من المراقبين، سيتدخل في اللحظة الحاسمة لمنع سفك الدماء، إن كتب للحرب أن تندلع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة