تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا لم تشمل روسيا وحدها، إنما شملت أوروبا أيضاً، والسبب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، والتي كانت بمثابة سلاح ذو حدين خاصة في موضوع الغاز الروسي الذي بات محلّا للابتزاز الروسي لأوروبا، والذي ارتفعت أسعاره مؤخرا بشكل غير مسبوق.

ارتفاعات كبيرة

في سياق موضوع الغاز، شهدت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، صباح اليوم الخميس، ارتفاعا بأكثر من 6 بالمئة، مسجلة مستويات غير مسبوقة.

وأظهرت بيانات التداول لبورصة لندن”آي سي إي”، أن أسعار الغاز في أوروبا، كسرت حاجز الـ3200 دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك للمرة الأولى منذ آذار/ مارس الماضي، بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”.

ويعتبر هذا الارتفاع كبيرا وبشكل غير مسبوق منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لعب الغاز الروسي دورا كبيرا في ممارسة موسكو الضغوط على الدول الأوروبية التي تدعم أوكرانيا.

وكانت دول الاتحاد الأوروبي، اتفقت على إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل بنسبة 15 بالمئة، بالتزامن مع استعداد أوروبا لمواجهة غموض يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا، وتتطلب الخطة من الدول الأعضاء خفض استهلاك الغاز طوعا بنسبة 15 بالمئة، بناء على معدّل خمس سنوات للأشهر المعنية، اعتبارا من الشهر المقبل وخلال الشتاء التالي حتى آذار/ مارس المقبل.

إقرأ:تصعيد جديد بين الروس والأوروبيين بسبب الغاز وأوكرانيا

الغاز سلاح روسي ضد أوروبا؟

في الوقت الذي راهنت سوق الغاز على أزمة قصيرة الأجل، خالف الواقع جميع التوقعات، حيث لاتزال الأزمة مستمرة، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بل أكثر من ذلك، فالأمر يشير الآن إلى أزمة حادة خلال الشتاء المقبل، وتستمر خلال العام المقبل وحتى عام 2024، وخلال الفترة الماضية ارتفعت أسعار الغاز الأوروبي ككل، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

العديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الروسية، وردّا على ذلك أوقفت موسكو إمدادات الغاز إلى العديد من الدول، فيما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رد انتقامي.

الدكتور كرم الشعار، الباحث في مركز السياسات وبحوث العمليات، رأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن “استخدام الغاز الروسي كورقة ضغط أو سلاح، في وجه أوروبا، هي ورقة كانت موجودة وسوف تستمر لسنوات، لأن الخطط الأوروبية الحالية والمتعلقة بالغاز، هي جميعها خطط طويلة الأجل، تسعى أوروبا من خلالها لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي”.

قد يهمك:الفوسفات السوري مقابل الغاز الإيراني.. ما مصلحة طهران؟

البدائل الصعبة

في نهاية نيسان/أبريل الماضي، أبلغت شركة الطاقة الروسية “غازبروم”، كلا من بولندا وبلغاريا، أنها ستوقف إمدادات الغاز على طول خط أنابيب “يامال”، وذلك بعدما رفض البلدان دفع كلفة الغاز بالروبل، التزاما بقرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وفي منتصف شهر تموز/يوليو الماضي، بدأت روسيا بعمليات صيانة سنوية لأكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، مع توقع توقف تدفق الغاز لمدة عشرة أيام الأمر الذي جعل الحكومات، والأسواق، والشركات تخشى أن يتم تمديد الإغلاق بسبب الحرب في أوكرانيا، ويتم نقل 55 مليار متر مكعب، سنويا من الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” من روسيا إلى ألمانيا.

وفي هذا السياق، قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يتعين على البلاد مواجهة احتمال أن تعلق روسيا تدفقات الغاز عبر “نورد ستريم “1 إلى ما بعد فترة الصيانة المقررة.

وهناك خطوط أنابيب كبيرة أخرى تنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا، لكن التدفقات بدأت في الانخفاض تدريجيا، خاصة بعد أن أوقفت أوكرانيا أحد خطوط نقل الغاز في أيار/مايو وألقت باللوم في ذلك على الغزو الروسي.

وحول البدائل، يهدف الاتحاد الأوروبي، إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الروسي بحلول عام 2027 وبدأ في البحث عن بدائل، مثل زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال العالمي، كما لجأت واشنطن، إلى طلب المساعدة من بعض دول الخليج، من بينها قطر، للمساعدة في سد ثغرة النقص الأوروبية.

وقالت المفوضية الأوروبية، إن الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة، وقطر يمكن أن يحل هذا العام محل 60 مليار متر مكعب، من الإمدادات الروسية، بحلول عام 2030، يمكن أن تساعد زيادة استخدام الميثان الحيوي والهيدروجين.

ولكن وبحسب كرم الشعار، فإن نقل الغاز المسال، وإنشاء أنابيب لنقله ليس بالأمر السهل، حيث يرى أن الخطط الأوروبية، تتطلب سنوات عديدة ليتم تطبيقها، والأمر الثاني، فإن ما يتم دراسته لمد أنبوب للغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا أمر صعب، فالخط بحاجة للإنشاء وهذا يحتاج لعدة سنوات، فعندما يتم الإعلان عن مشروع كهذا يكون محددا بخطة زمنية، ولكن في هذا النوع من المشاريع عادة ما يحصل تأخير في التسليم قد يتجاوز العامين، لذلك من المحتمل أن تجد أوروبا معاناة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل ما لم يتم التوصل إلى حل في موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا، أو في الجزئية المتعلقة بإمدادات الغاز.

وأوضح الشعار، أن هناك أمرا مهما يتم تجاهله من قبل بعض الدول والخبراء في مجال الطاقة، وهو أن سوق الغاز الطبيعي في العام سوق واحدة، بمعنى إذا أراد الأوروبيون إيقاف استيراد الغاز من روسيا، واستيراده من أي جهة أخرى، فلن يؤثر ذلك على روسيا التي ستصدر الغاز للصين وجهات أخرى، أي أن لروسيا سوق بديلة عن أوروبا، فعملية بيع الغاز عالميا هي تبادل للحصص، وإيقاف استيراد الغاز الروسي لا يلغي الدور الروسي، إنما يخفف مستقبلا من قيوده على أوروبا.

ومن جهة ثانية، بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة، وشبكة الغاز الأوروبية مرتبطة ببعضها بعضا، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت ضيقة حتى قبل الأزمة الأوكرانية.

فيمكن أن تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا، والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد من روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، الغاز من بريطانيا، والدنمارك، والنرويج، وهولندا عبر خطوط الأنابيب.

وقالت شركة “إيكوينر”، النرويجية، إنها تدرس طرقا لإنتاج المزيد من الغاز من حقولها النرويجية خلال الصيف المقبل في أوروبا، وهو موسم يتأثر فيه الإنتاج عادة بالصيانة، كما يمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني، عبر خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا، وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول، “تانب” عبر تركيا.

إقرأ:تطبيع إسرائيلي مع دمشق عبر الغاز العربي.. ما الاحتمالات؟

خطوط الغاز

هناك عدة خطوط للغاز الروسي، تمد أوروبا بالغاز، ومن أبرزها، خط أنابيب “يامال – أوروبا”، وهو نظام لتوزيع الغاز الطبيعي، يعمل عبر أربع دول، وينطلق من روسيا إلى بيلاروسيا وبولندا وألمانيا، يبلغ طول خط الأنابيب 4107 كيلومترات، ويبلغ قطره 1420 ملم، ويمكن أن يحمل 33 مليار متر مكعب في السنة، وهذا الخط ينقل الغاز الطبيعي من شبه جزيرة “يامال”، إلى المستهلكين الأوروبيين.

ويعادل ما ينقله هذا الأنبوب 18-25بالمئة، من الصادرات الروسية إلى أوروبا، وفق حجم الطلب السنوي.
أما الخط الرئيسي الثاني، فهو” نورد ستريم 1″، وهو شريان الغاز الرئيسي من روسيا إلى ألمانيا، وبدأ تشغيل” نورد ستريم 1″، الذي ينقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق إلى ألمانيا، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

يبلغ طول الأنبوب أكثر من 1200 كلم، وتقدر طاقته السنوية بنحو 55 مليار متر مكعب، من الغاز الطبيعي، في الوقت الذي تحتاج فيه ألمانيا، إلى 85 مليار متر مكعب في السنة.

قد يهمك:ما البدائل المتوقعة إذا توقفت إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا

يذكر أنه، من المتوقع أن تستمر أزمة الغاز في أوروبا ما دامت الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة، ما يهدد بارتفاعات أخرى لأسعار الغاز خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، وازدياد معدل استهلاك الغاز فيه بشكل كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة