تحولت سوريا بعد التدخل فيها من عدة دول إلى مايشبه الكعكة التي يحاول كل طرف الحصول على حصته فيها، حيث تحتوي سوريا على العديد من الثروات المهمة، إضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فهي بوابة على الشرق من جهة العراق، وبوابة الجنوب على الخليج، وبوابة على أوربا عبر تركيا، إضافة للموانىء السورية التي تعتبر من أهم الموانئ في شرق المتوسط.

وتتنافس كل من روسيا وإيران، بشكل رئيسي على تقاسم هذه الموارد والثروات السورية، على اعتبار تدخلهما لمنع سقوط الدولة السورية وحكومتها، حيث تسعى كل منها للاستحواذ على القسم الأكبر من هذه الثروات.

الفوسفات ثروة سوريا الكبيرة

تعتبر سوريا من أهم مصدري الفوسفات في العالم، وكانت  قبل العام 2011 تصدر نحو 3.2 ملايين طن، لكنه فوسفات خام “ومغسول، أي رطب”، وهذا النوع مطلوب عالميا.

تحتل سوريا المرتبة الرابعة عالميا باحتياطي نحو 3 مليارات طن من الفوسفات، ولم تكن هذه الثروة مستثمرة بشكل جيد قبل عام 2011، إذ لا تزيد كميات الإنتاج عن 3 ملايين طن سنويا، ما جعلها مطمعا لإيران وروسيا، باعتبار أن هذه الثروة كبيرة جدا، إضافة لاستخدامات الفوسفات الأخرى من خلال احتوائه على مواد مشعة، كاليورانيوم ووالثوريوم والموليبيديوم، وهي مواد تدخل بصناعة غازات الأعصاب وأسلحة التدمير الشامل.

وتتوزع ثروة الفوسفات في السلسلة التدمرية “خنيفيس والشرقية والرخيم”، ومن ثم بهضبة الحماد ببادية الشام “الجفيفة والثليثاوات والسيجري والحباري”، كما تم اكتشاف الفوسفات بالمنطقة الساحلية “حمام القراحلة وعين التينة وليون”.

ولكن معظم الفوسفات وأجوده بمنطقتي خنيفيس والشرقية، فهو قريب من سطح الأرض، نحو 10 أمتار، ونسبة خامس أكسيد الفوسفور فيه عالية نحو 35 بالمئة ، لذلك يعتبر الفوسفات السوري من أجود الأنواع العالمية لاحتوائه على اليورانيوم، ولم تستخرج سورية حتى الآن أكثر من 0.17 بالمئة من احتياطها الكبير.

إقرأ:إيران تزحف نحو المنشآت الصناعية المدمرة.. والسلطات السورية “تبصم على بياض”

روسيا تسيطر على الفوسفات السوري

في نهاية العام 2017، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين، خلال زيارته لسوريا، أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة، مشيرا إلى أنه في سورية يوجد أكبر حقل فوسفات يمكن الاستثمار فيه، ومنتجاته مطلوبة في العديد من البلدان مثل الأسمدة، وأوضح في حينه،أن موسكو ودمشق ستعملان على إنشاء شركة مشتركة لاستغلال المخزون السوري من الفوسفات تشرف عليه روسيا.

وفي آذار/مارس 2018، وقعت روسيا عقدين لاستخراج وتصنيع الفوسفات في أكبر حقلين في سوريا، “خنيفيس والشرقية”.

وفي نهاية 2020، دخلت شركة “وومكو أسوشيتس دوو” الصربية على خط استثمار الفوسفات في سوريا، بتسهيل من روسيا، وذلك شرقي تدمر، حيث أن هناك عمق وصعوبة في استخراج الفوسفات، وهو ما لم تجد فيه روسيا إغراء نتيجة ارتفاع التكاليف، فضلا عن توقيعها عقودا لنصف قرن، بأكبر خزانات الفوسفات وأكثرها احتياطا، الشرقية وخنيفيس، بنحو 105 ملايين طن، إضافة لأن طبقة الفوسفات بموقع خنيفيس على عمق بين 10 و12 مترا، في حين عمق الفوسفات بمواقع شرقي تدمر التي حصلت عليها الشركة الصربية يزيد عن 60 مترا.

ويرى الباحث الاقتصادي، يحيى السيد عمر، في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه بالفعل تمكنت روسيا والدول الدائرة في فلكها من الاستحواذ على غالبية الفوسفات السوري، ومعمل السماد السوري في شرقي حمص تديره روسيا بالكامل إضافة لسيطرتها على أعمال التنقيب، وجميع هذه العقود مجحفة بحق الدولة السورية فحصة الدولة السورية لا تتجاوز 30% مقابل 70% لروسيا.  

وأضاف السيد عمر، أن إيران ترى بأنه قد تم استبعادها عن غالبية مصادر الطاقة السورية كالنفط والغاز والفوسفات، وهي لا تستطيع منافسة روسيا في هذا المجال، كما يلاحظ هنا تراجع الصادرات السورية من الفوسفات إلى إيران بعد عام2017، ففي هذا العام بلغت واردات إيران من الفوسفات السوري أكثر من 200 الف طن، بينما لم يتجاوز هذا الرقم 5 آلاف طن عام 2021، وهو ما يوضح بشكل جلي تراجع حصة إيران.

قد يهمك:أزمة غاز خانقة تصل إلى دمشق بسبب روسيا.. هل من حلول؟

إيران تنافس على الفوسفات السوري

لا تنكر المواقع الإيرانية أن مادة الفوسفات السورية قد أصبحت بيد روسيا بشكل شبه كامل، من دون أن تخفي امتعاضها من هذا الواقع المرير، خاصة بعد دخول شركات صربية، بموافقة روسية ضمنية على الأغلب، للاستثمار أيضا في هذا القطاع الحيوي الذي يدر القطع الأجنبي على نظام الأسد في خضم الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها، حسب تقارير صحفية.

لكن في مقابل ذلك، يشير استمرار التواجد العسكري الإيراني في منطقة خنيفيس الغنية بالفوسفات، والتوسع الواضح لسيطرتها العسكرية على كبرى مناجم الفوسفات في سوريا “المناجم الشرقية بالتحديد”، إلى الإصرار الإيراني للحصول على قطعة من الكعكة السورية، التي تقول إيران إنها حُرمت منها حتى الآن.

لذلك تقوم إيران بتهريب الفوسفات السوري عبر الطريق البري، وإن كانت بكميات محدودة لا تؤمن سوى نسبة ضئيلة من حاجة السوق الإيرانية ويشتمل على العديد من المخاطر الأمنية المنتشرة على هذا الطريق، لكن يبدو أنها ستستمر في الوقت الحالي على هذا النحو، مما قد يفتح الباب واسعا أمام اشتعال صراع النفوذ في سوريا على الثروات، التي يحاول الروس الاسئثار بها على حساب إيران.

إقرأ:فخ الديون الصينية يصل إلى دمشق.. مشاريع الصين في سوريا مصيدة جديدة؟

فوسفات سوريا مقابل الغاز الإيراني

تشير تقارير صادرة عن وزارة النفط الإيرانية، أن إيران تتصدر دول العالم باحتياطي الغاز الطبيعي، حيث تمتلك إيران 33.5 تريليون متر مكعب، وبعدها روسيا بـ32.27 تريليون متر مكعب، وبعدها قطر بـ24.30 تريليون متر مكعب، تليها تركمانستان بـ17.48، والسعودية بـ8.43 فالإمارات بـ6.09 وفنزويلا بـ5.70 ونيجيريا بـ5.28 والجزائر بـ4.50 تريليون متر مكعب.

وفي هذا السياق تسعى إيران لمبادلة غازها الطبيعي مع الفوسفات السوري، حيث بحث وزير النفط السوري بسام طعمة مع وفد إيراني برئاسة مستشار وزير الدفاع رئيس مجلس التعاون الاقتصادي الإيراني مصطفى إثباتي، سبل تعزيز التعاون في مجالي النفط والثروات المعدنية، حسب موقع “روسيا اليوم” الروسي.

وتناولت المباحثات، المواضيع المدرجة في الاتفاقية المشتركة الموقعة بين البلدين، وشددا على ضرورة متابعة تنفيذ المشاريع التي سبق وتم الاتفاق عليها، والإسراع بها بما يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والارتقاء بها ولا سيما أنها تشمل مجالات التعاون في قطاعات زيوت الأساس والغاز المضغوط لتشغيل الآليات وتأمين توريدات للضواغط والعنفات ومستلزمات الحفارات من خلال المقايضة مع الفوسفات أو مع المقطرات النفطية.

ويرى يحيى السيد عمر، أنه انطلاقا من أهمية الفوسفات وافتقار إيران له، فإنها تسعى بشكل حثيث للحصول على جزء منه، وهذا الأمر يتم وفقا لمستويين، الأول السعي للحصول على الفوسفات بطريقة خفية عن طريق الميليشيات الإيرانية أو الموالية لإيران خاصة تلك المنتشرة في منطقة خنيفيس، أو عن طريق الاستحواذ على حصة الدولة السورية البالغة 30%، وهذا الأمر يعني أن الدولة السورية ستخسر غالبية الفوسفات وهو ما ينعكس سلبا على الإنتاج الزراعي السوري.

 أما فيما يتعلق بمقايضة الفوسفات السوري بالغاز الإيراني المسال، فهو يشكل خسارة للدولة السورية كونه سيؤثر على العملية الزراعية، ويسبب تلاشي الثروات السورية بأيدي حلفاء دمشق، حسب السيد عمر.

قد يهمك:شركةٌ بيلاروسية تعرض النتائج الأولية لاستكشاف حَقْلَي نفط في سوريا

من الجدير بالذكر أن سوريا باتت بلدا مفككا ومطمعا لحلفاء دمشق، الذين ينصب كل اهتمامهم على الاستحواذ على الثروات السورية، لاسترداد الأموال التي قاموا بضخها من أجل الإبقاء على الحكومة السورية الحليفة لهم، ومنع انهيارها وسقوطها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.