هناك حاليا منظورات مختلفة بشأن التجارة الداخلية والركود في سوق العقارات السورية، إذ يرى البعض أنها تجارة مربحة، داعمين اعتقادهم أن شراء أي منزل في أي مكان والانتظار بضعة أشهر سيحقق لصاحب العقار ربحا بملايين الدولارات، ولكن آخرين يعتقدون أن إمكانية خفض قيمة العملة خلال هذه الفترة، إلى جانب زيادة التضخم، من شأنها أن تجعل الربح مبلغا وهميا.

الشقة بـ3 مليارات ليرة؟

في تقرير حديث لصحيفة “الوطن” المحلية، اعتبرت جميع المكاتب العقارية، أن الأوضاع الحالية للصناعات السكنية والعقارية تتسم بالركود وتراجع الربحية.

وقال مجد، وهو أحد مالكي مكاتب العقارات في جرمانا، إن الإجراءات التي اتخذت في ما يتعلق بعمليات الشراء والبيع (قانون بيع العقارات)، أثرت بشكل كبير على سوق العقارات بسبب أوضاع التحويلات المالية والمصرفية والموافقات الأمنية واللجان التي أنشئت لتحديد متوسط أسعار المنازل في كل منطقة.

فبالإضافة إلى مواد البناء الباهظة الثمن والكسوة التي قد تصل تكلفة الإكساء إلى 600 ألف ليرة للمتر المربع، يفضل المغتربون شراء المنازل في مناطق إقامتهم، بعد مقارنة الأسعار ببلاد الاغتراب فيجد أن السعر ذاته، وعليه فقد تأثر هذا السوق بسبب عزوف بعض المغتربين عن الشراء نهائيا.

ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن أسعار العقارات لم تزد إلا بنسبة لا تتجاوز 5 بالمئة منذ بداية العام الجاري، ولكن في عامي 2020 و2021، أي بعد تفشي وباء فيروس “كورونا”، ارتفعت الأسعار بنحو 50 بالمئة.

وبحسب مالك المكتب، فإن سعر أي منزل بأسوأ منطقة في جرمانا يتجاوز الـ 100 مليون ليرة، أما المناطق الجيدة فيتراوح سعر المنزل فيها بين 300 – 600 مليون ليرة، وينخفض السعر إلى نحو 60 مليون ليرة في مناطق الغوطة.

وأشار إلى أن سعر المتر في العاصمة يصل إلى 20 مليون ليرة، أي إن سعر الشقة التي تبلغ مساحتها 100 متر في منطقة كفرسوسة يتراوح بين 2-3 مليارات ليرة، أما سعر ذات الشقة في ضاحية قدسيا فيصل إلى 500 مليون ليرة أي إن سعر المتر الواحد يبلغ 5 ملايين ليرة.

ما أسباب ركود العقارات؟

لا تزال العقارات في سوريا، تشهد ارتفاعا في الأسعار منذ عدة سنوات، وذلك نتيجة لأسباب كثيرة، من بينها زيادة أسعار مواد البناء، وانخفاض قيمة الليرة مع بقاء الانخفاض في الدخل، وأخيرا أسباب تتعلق بتصرفات حكومية خاطئة، رافق ذلك ركود في السوق.

من جهته، أوضح الخبير الهندسي، الدكتور محمد الجلالي، أن التجارة الداخلية حاليا في حالة ركود بسبب تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية وتقلبها المستمر، مضيفا: “أما الذين يلجأون حاليا إلى بيع منازلهم للمتاجرة بها واستئجار منزل آخر للسكن. وهو يفعل هذا لأن تكاليف العقارات مرتفعة نسبة إلى الدخل، الأمر الذي يجعل الإيجار أقل أشكال الاستثمار تكلفة. ونتيجة لذلك، قد يساعد شراء وبيع المساكن الشخص على زيادة قيمة مضافة”.

واعتبر الجلالي أن الارتفاع في أسعار العقارات أمر طبيعي وخاصة أمام التضخم الجامح، الذي تعيشه البلاد؛ وبعبارة أخرى، فمع ارتفاع الأسعار بشكل عام مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011، انخفضت أسعار العقارات، حسب تعبيره.

وتابع الجلالي، “لا يمكننا تحديد ما إذا كانت التجارة الداخلية مربحة بالفعل أم لا، لأن الاقتصاد يميز بين الربح المالي وهو يساوي الإيرادات ناقص المصروفات، والربح الاقتصادي يساوي الإيرادات ناقص المصروفات ناقص تكلفة الفرصة البديلة، وهو العائد الذي كانت هذه الأموال ستتلقاه لو تم استثمارها في مكان آخر”.

وأكد الجلالي أنه رغم وفرة العرض والطلب في السوق، إلا أن أسعار العقارات في الوقت الراهن راكدة وتكاد تكون أقل من التكلفة. وأضاف: “لو قسنا الزيادات على أسعار التاكسي مثلا، فأجرة التاكسي اليوم من منطقة التضامن إلى العاصمة 10 آلاف ليرة، بينما كانت قبل عام 2011، 25 ليرة،  أما المنزل في نفس المنطقة الذي يبلغ سعره 50 مليون ليرة فكان سعره في الفترة ذاتها مليون ليرة، أي إن المنازل ارتفع سعرها 50 مرة فقط في حين التكاسي ارتفع سعرها 400 مرة.

المغتربين في مواجهة الركود؟

يتأثر سوق العقارات في سوريا بعدة عوامل مرتبطة بشكل غير مباشر بالهجرة من جهة وإصدار الحكومة السورية تعديلات على قوانين المالية العقارية من جهة أخرى. إلا أن خبراء اقتصاديون أكدوا أن أسعار العقارات في سوريا لا تزال شبه ثابتة، وسبب ارتفاع أسعارها هو انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية أي أن هذا الارتفاع غير حقيقي.

بالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، أوضح الخبير العقاري، عمار يوسف، أن عدة عوامل ساهمت في ركود السوق العقاري، أولها الضرائب الحكومية “ضريبة مبيعات العقارات”، والتي كان لها أثر كبير على تداول في سوق العقارات، حيث ينتج عن أي تداول عقاري خسارة بنسبة 1.5 بالمئة للبائع والمشتري.

وتابع في حديثه لموقع “الاقتصادي” المحلي، أن إجراءات مصرف سوريا المركزي لتقييد تدفق السيولة، لعبت دورا مهما في ركود سوق العقارات؛ لأن البنك المركزي لا يسمح بسحب مبالغ كبيرة تعادل سعر المنزل دفعة واحدة، و أن تحويل الأموال من حساب إلى آخر لا يحقق هدف البائع الذي باعه بشكل متكرر؛ للحصول على سيولة أو تحويلها إلى ذهب أو دولار بديلا للعملة المحلية التي لا ثقة فيها.

وأشار يوسف، إلى أن التوقف الحالي في عملية التداول العقاري في سوريا، خاصة في ظل عدم وجود أي استثمار آخر، يمثل مشكلة خطيرة للاقتصاد، في ظل عدم ثقة المستثمر في الاستثمار الصناعي والزراعي نتيجة لعدد من القضايا، أولها حاملات الطاقة، لافتا إلى أن هذه العقلية تعمل منذ أكثر من ثلاث سنوات وستؤدي إلى تدمير الاقتصاد.

وبيّن في حديثه، أن المغترب السوري هو أفضل عميل في سوق العقارات المحلي، والشخص الوحيد الذي يستطيع الشراء اليوم، لكنه يواجه أيضا مخاطر عمليات التحويل، التي يخسر فيها ثلث قيمة أمواله عند تحويل الأموال إلى سوريا بالطريقة النظامية، التي فيها فرق واضح عن أسعار السوق السوداء.

وبحسب يوسف، فإن الاستثمار في العقارات اليوم غير متوفر ولا طائل من ورائه، وأن السعر لا يرتبط في الغالب بتكاليف الإنتاج، بل بالحي الذي يقع فيه العقار، حيث ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 0.25 بالمئة فقط نتيجة مصاريف الإنتاج.

كما أن أثر تكاليف الإنتاج واضح للعيان وللمقاولين الذين يلجؤون إلى البيع على الخريطة، لأن المقاول غير قادر على تحمل تكاليف البناء بمفرده، لذلك يلجأ إلى البيع على الخارطة، ولا يستطيع تحديد السعر فعلي وأكيد، بسبب أن الأسعار في ارتفاع مستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.