لا يزال ملف المعتقلين والمختفين في سوريا، هو الملف الأكثر تعقيدا وأهمية بالنسبة للسوريين، إذ تم تغييب عشرات الآلاف من السوريين في سجون مختلف الأطراف في سوريا، إلا أن غالبيتهم في سجون حكومة دمشق، وفي إحصائية حديثة بلغ عدد المختفين قسريا منذ العام 2011 وحتى الآن ما يربو عن 111 ألف سوري، لا يزال مصيرهم مجهولا.

الآلاف من السوريين مجهولي المصير

في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، والذي يصادف الثلاثين من آب/أغسطس سنويا، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يوم الإثنين تقريرا مفصلا حول المعتقلين والمختفين قسريا في سوريا.

وقال التقرير، إن قرابة 111 ألف مواطن مختفٍ قسريا منذ آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2022، غالبيتهم العظمى لدى “النظام السوري”، مما يشكل جريمة ضد الإنسانية.

وبحسب التقرير، فإن ظاهرة الاختفاء القسري في سوريا ترتبط بظاهرة الاعتقال التعسفي بشكل عضوي، وإن أغلب المعتقلين تعسفياً يصبحون مختفين قسريا، لافتا إلى أن السنوات الأولى من الحراك الجماهيري شهدت أعلى نسبة من المختفين قسريا، لأن المظاهرات كانت تجري بكثافة، وضمن مناطق خاضعة لسيطرة حكومة دمشق، كما وصف التقرير حكومة دمشق بأنها الأسوأ في العالم في القرن الواحد والعشرين، على صعيد إخفاء مواطنيها قسريا.

كما أشار التقرير، إلى أن جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة، مارست عمليات واسعة من الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري للمواطنين السوريين على خلفية النزاع المسلح، وضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، بهدف ترهيب الخصوم السياسيين وإخضاع المجتمع في تلك المناطق.

وحول إحصائيات الأشخاص المختفين قسريا، فقد أوضح التقرير، أن ما لا يقل عن 111907 شخصا، بينهم 3041 طفلاً و6642 سيدة، لا يزالون قيد الاختفاء القسري منذ آذار/مارس 2011 حتى آذار/مارس 2022 على يد أطراف النزاع، والقوى المسيطرة سوريا، بينهم 95696 لدى قوات حكومة دمشق، بينهم 2316 طفلا، و5734 سيدة، و8684 شخصا أُخفوا على يد تنظيم “داعش”، بينهم319 طفلا و255 سيدة، فيما أسند التقرير مسؤولية إخفاء 2071 بينهم 14 طفلا و29 سيدة إلى “هيئة تحرير الشام”، وأضاف أن 2827 شخصا بينهم 249 طفلا و517 سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى مختلف فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني منذ عام 2011 حتى الآن في جميع المناطق التي سيطرت عليها، و2629 شخصا، بينهم 143 طفلا و107سيدة لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية”قسد”.

إقرأ:عفو “الجرائم الإرهابية” في سوريا.. من يشمل وما أهدافه؟

حصيلة المختفين قسريا تنسف مراسيم العفو

تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أكد أن الحصيلة المرتفعة للمعتقلين والمختفين قسريا لدى حكومة دمشق، تؤكد بشكل صارخ أن جميع مراسيم العفو التي أصدرها الرئيس السوري، بشار الأسد، منذ عام 2011 والبالغ عددها 20 مرسوما تشريعيا للعفو العام، لم تؤد إلى الإفراج عن عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسريا لديه، وقد سجل منذ 1/ أيار/ 2022 حتى 30/ آب/ 2022 إفراج حكومة دمشق على خلفية مرسوم العفو 7 / 2022 عن قرابة 569 شخصا من مُختلف السجون المدنية، والعسكرية، والأفرع الأمنية في المحافظات السورية، بينهم 63 سيدة، و17 شخصا كانوا أطفالا حين اعتقالهم، ومن بين حصيلة المفرج عنهم الـ 568 ما لا يقل عن 162 شخصا كانوا قد أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية قبيل اعتقالهم، ومنحوا تعهدا بموجب التسوية بعدم التعرض لهم من قبل الأفرع الأمنية، و28 شخصا اعتقلوا بعد عودتهم إلى سوريا من اللاجئين والمقيمين خارجها بينهم 4 سيدات.

وفي سياق مرسوم العفو الأخير، رقم 7 لعام 2022، وصف رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، المحامي أنور البني، قرار العفو، بأنه “حبر على ورق”، مؤكدا أن السلطات السورية أطلقت حوالي 500 معتقل، وهذا الرقم بالنسبة للقضية السورية “لا شيء يذكر”، كما أنه لا يعبر عن أية فرصة لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، أو كل المعتقلين بسوريا، أو حتى إحالتهم للمحاكم.

وأشار البني، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، إلى أن معظم المعتقلين الذين أفرج عنهم، أنهوا مدة حكمهم، أو أتموا تسوية أوضاعهم في المصالحة التي فرضتها روسيا، على الحكومة السورية والمعارضين لها، فيما تقدر أعداد المعتقلين أو المختفين قسرا لدى الدولة السورية، بأكثر من 150 ألف شخص.

وأكد البني، أن المعتقلين هم أقوى سلاح بيد السلطات السورية، ولن تتخلى عنه، وبالتالي “لن تحل هذه إلا بسقوط النظام نهائيا”. وفق تعبيره.

قد يهمك:مرسوم “الجرائم الإرهابية” في سوريا.. حبر على ورق وأرقام خلبية؟

مرسوم لتبييض صفحة الأسد وتضارب في التفسير

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، يركز مرسوم العفو في بنوده على عودة السوريين اللاجئين في الخارج، حيث يمنح لهم لأول مرة تسهيلات “أمنية”، تتمثل في عدم مراجعة أي جهة أمنية أو قضائية، ما لم يكن الشخص يواجه دعوى بحق شخصي، أو كان قد ارتكب جريمة قتل خلال أعمال إرهابية.

المحامي حسان الأسود، أوضح في وقت سابق لـ”الحل نت”، أنه لا يمكن التنبؤ بسلوك السلطات في دمشق، فيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، خاصة مع تداول معلومات تقول أن الأسد يحاول القيام ببعض الأشياء لتبييض صفحته، من أجل إعادة دمجه إقليميا، ولكن ارتباطه الكلي بإيران، لن يسمح له القيام بشيء.

وأضاف الأسود، أنه لا يمكن الوثوق بأي قوانين، أو وعود تقدمها الحكومة، ولا يوجد في سوريا ما يحمل أي مواطن على العودة إليها طوعا أو كرها، فسوريا بنيتها الاقتصادية مدمرة، إضافة لانعدام الأمن، وعودة اللاجئين تحتاج لترتيب بيئة متكاملة، كما يجب أن يكون هناك تفاهمات حول قضايا معينة، وبالتالي هذا المرسوم لن يساهم بعودة اللاجئين، فهو موجه بالدرجة الأولى كإشارة للدول الفاعلة بأن الحكومة السورية، تحاول تهيئة الظروف من كل النواحي لعودة اللاجئين.

وزير العدل السوري، أحمد السيد، أصدر بيانا في أيار/مايو الماضي جاء كتنفيذ لمرسوم العفو، ورد فيه إلغاء جميع البلاغات والإجراءات المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون الإرهاب، رقم “19” لعام 2012، وذلك “بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان، أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى”.

هذا البيان أثار العديد من الإشكاليات، داخليا فيما يتعلق بإلغاء البلاغات الشرطية، وبلاغات أجهزة الأمن، وخارجيا حين أضاف فقرة تتعلق بالتعامل مع الدول الأخرى، لم تكن أصلا وردت في نص العفو.

المحامي ابراهيم القاسم، عضو مجموعة ملفات قيصر، قال في وقت سابق لـ”الحل نت”، إن إذاعات البحث التي تحدث عنها البيان هي النشرات الشرطية الصادرة عن المحاكم، في حين أنها لا تشمل إذاعات البحث الصادرة عن الأجهزة الأمنية، والتي لا تتم مشاركتها مع الأمن الجنائي بالعادة، وهي سرية وغير معممة على المنافذ الحدودية أو على السجلات العدلية، لذلك فالأمر ليس بهذه السهولة، ويحتاج لقرارات واضحة تشمل إذاعات البحث الصادرة عن الأجهزة الأمنية بشكل واضح.

وحول السوريين في الخارج، أوضح القاسم، أن المرسوم كان واضحا في تحديد الجرائم، والشروط الواجب تطبيقها على المطلوبين ليشملهم العفو، أما شرط عدم الارتباط بدول أخرى فلم يأت المرسوم عليه، إنما أُضيف من قبل وزارة العدل كنوع من المزاودة، وبهذا يحاول البيان التضييق على الأشخاص المشمولين بالعفو، وهذا ما يؤكد أن العفو في الأصل رسالة للخارج كبادرة حسن نية، في حين سيؤثر بشكل لافت على الأشخاص المشمولين به.

إقرأ:ماذا يعني إلغاء المراجعات الأمنية في سوريا بعد عفو “الجرائم الإرهابية”؟

يذكر أن الاختفاء القسري، يُعرف وفق الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، على أنه ” الاعتقال، أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص، أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن، أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته، أو إخفاء مصير الشخص المختفي، أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.