بعد أن تم عزله عن الإمبراطورية الاقتصادية في سوريا، يبدو أن رامي مخلوف، على موعد من كتابة الحلقة الأخيرة، من مسلسل الإمبراطور الاقتصادي في البلاد.

مخلوف أعلن عبر صفحته الشخصية في “فيسبوك” الثلاثاء، والتي أصبحت منبره الوحيد خلال السنوات الأخيرة، أنه تلقى تبليغا يفيد بصدور حكم قضائي بحقه، دون أن يوضح الجهة التي أصدرت الحكم، والسبب الصادر عنه

واعتبر مخلوف في منشوره، أن “الحكم القضائي جاء على خلفية، أعمال لم نقم بها، ومع جهات لا تربطنا بهم أي علاقة قانونية موثقة“، مشيرا إلى أن أحكاما قضائية ستصدر بحقه خلال الفترة المقبلة.

فبعد أن كان مخلوف (ابن خال الرئيس بشار الأسد)، رجل الاقتصاد والاستثمارات الأول في سوريا، أصبح من أكثر الأشخاص الملاحقين في محاولات من الحكومة للسيطرة على مفاصل إمبراطوريته الاقتصادية.

بداية الصعود

بدأ مسلسل “رحلة صعود رامي” عام 2000، عندما استلم بشار الأسد الحكم في سوريا، خلفا لأبيه الراحل حافظ الأسد، حيث بدأ مخلوف بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري بدعم من أبيه محمد مخلوف.

في البداية أسس مخلوف “راماك“، التي سيطرت على البوابات الحدودية كلها وعلى الأسواق الحرة، قبل أن تلحقها شركات أخرى، لكن ذروة إمبراطورية “فساده”، ظهرت للعلن بعد أشهر قليلة من حصوله على عقد احتكاري لإنشاء “سيرياتل” واحتكار قطاع الاتصالات اللاسلكية عام 2001.

استخدم مخلوف، مسؤولي المخابرات لترويع خصومه من رجال الأعمال الآخرين داخل سوريا، فكان لا بد من أي رجل أعمال يريد الاستثمار في المجال الاقتصادي في سوريا، الرجوع لمخلوف، لأخذ الموافقة على مشاريعهم، وكثير من رجال الأعمال اضطروا لمشاركة مخلوف في مشاريعهم، من أجل السماح لهم بالعمل في البلاد، بينما عزف الكثير عن العمل في سوريا، وفضلوا الخروج منها على مشاركة مخلوف.

وفقا لصحيفة “فاينانشال تايمز“، فإن لدى رامي مخلوف، “العديد من المصالح التجارية والتي تشمل الاتصالات السلكية واللاسلكية والنفط والغاز، والتشييد، والخدمات المصرفية، وشركات الطيران والتجزئة“.

قد يهمك: الفساد في الجامعات السورية.. ابتزاز جنسي ورشاوى وانتهاكات

وقد حاول مخلوف السيطرة على قطاع تجارة السيارات، لكنه اصطدم بشركة أبناء عمر سنقر، الوكيل الحصري لسيارات “مرسيدس” الألمانية، وقد وقفت “مرسيدس” إلى جانب سنقر، ما دفع الحكومة السورية آنذاك لإلغاء الوكالات الحصرية، وفرض عقوبات على “مرسيدس“.

كما استولى مخلوف، على وكالة “بي إم دبليو”، وصارت وزارة الدفاع ملزمة بشراء السيارات للضباط المسرّحين والمتقاعدين برتبة لواء وعميد منه. كما أسس مخلوف شركة خاصة لمراقبة تطابق السيارات المستوردة مع المواصفات الحكومية، بالشراكة مع إميل لحود.

عام 2008، فرضت واشنطن على رامي مخلوف، عقوبات بتهم الاحتكار والترهيب، بعدما انتبهت لنشاطاته المشبوهة. ومع ذلك، أسس شركات بواجهات اقتصادية مختلفة حول العالم.

ولفتت صحيفة “فايننشل تايمز“، إلى أن مخلوف كان حتى عام 2011 يتحكم بـ60 بالمئة، من الاقتصاد السوري.

بعد اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة السورية، أواخر الربع الأول من عام 2011، أعلن مخلوف في مؤتمر صحفي، أنه اعتزل العمل في الاقتصاد والأعمال التجارية، مؤكدا أنه اتجه للعمل الإنساني، وأسس جمعية “البستان الخيرية“، التي لم تكن إلا غطاء جديدا لتمويل أعماله، وموّلت ميليشيات مسلحة بحسب تحقيقات صحفية حول الجمعية.

جمعية “البستان الخيرية“، كانت الذراع الأبرز لرامي مخلوف في المجال الإنساني، لكن هذه الجمعية وبعد انقلاب الأسد على ابن خاله، أصدرت في أيار/مايو 2020، بيانا أكدت فيه أنها تعمل تحت إشراف ومتابعة من الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك بعد ساعات من إعلان رامي مخلوف تقديم ما يقارب مليار ونصف المليار ليرة سورية، لـ “الجمعية“.

ويأتي ذلك في إطار الحرب التي تشهدها سوريا للسيطرة على الموارد الاقتصادية في البلاد، حيث أصدرت حكومة دمشق قرارا بمنع “مخلوف”، من مغادرة سوريا إلى حين تسديد ما عليه من مبالغ مستحقة على شركة “سيريتل”، لصالح “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد“، وقبلها أصدرت قرارا بالحجز الاحتياطي على أموال مخلوف، وأموال زوجته وأولاده، إضافة لحرمانه من التعاقد مع الجهات العامة لمدة 5 أعوام.

وفي أيلول/سبتمبر من العام ذاته، غيّرت “جمعية البستان الخيرية“، مسماها رسميا إلى “مؤسسة العرين الخيرية“.

وقالت مصادر محلية آنذاك، أنه تم تغيير اسم الجمعية عقب السيطرة عليها من قبل أسماء الأخرس زوجة الرئيس السوري بشار الأسد.

نهاية العلاقة مع الأسد

بداية 2020، بدأت الحرب تشتعل بين مخلوف وعائلة بشار الأسد، لتنهي سنوات طويل من السيطرة الاقتصادية لمخلوف على “الغرفة المالية للقصر الجمهوري“، حيث استطاعت “أسماء الأخرس” زوجة الرئيس السوري “بشار الأسد”، عبر تحركات متعددة مجابهة نفوذ مخلوف.

وفي خطوة غير متوقعة، حجزت دمشق على أموال مخلوف وأولاده وزوجته بما فيها أسهمه في 12 مصرفا عاملا في سوريا، وأُطلقت يد الأمن الطولى على شركاته.

ثم تتالى ظهور مخلوف مثيرا الكثير من اللغط بين السوريين، ومحاولا الاستنجاد بالشريحة الموالية له. كما أحرجت منشوراته “الفيسبوكية”، بشأن تهريب الأموال عائلة الأسد.

أسماء الأسد وجهت لمخلوف على ما يبدو، في النهاية الضربة القاضية إثر تعيين رئيس جديد لمجلس إدارة شركة “سيريتل“، بعد رفع الحراسة القضائية عن الشركة، منتصف شهر تموز/يوليو الماضي.

كما بدأت بالاستيلاء على العديد من الشركات القابضة لرامي مخلوف، وتعيين مدراء جدد من طرفها، بهدف إقصاء مخلوف عن المشهد الاقتصادي السوري.

حقق تيار أسماء الأسد، الهدف الأكبر له من خلال السيطرة التامة على “سيريتل“، ما يتيح لها خلال الفترة القريبة المقبلة بتفعيل عمل “وفاتيل” والتي تقول عنها مصادر لموقع (الحل نت)، بأنها الشركة البديلة عن “ايماتيل”، حيث كان من المقرر أن تتولى هي عملية إطلاق المشغل الجديد للاتصالات.

وكان رامي مخلوف، تحدث في مقاطع فيديو ظهر فيها في أيار/مايو 2020 يستنجد بالرئيس الأسد بعد ادعاءاته بوجود تهديدات ومضايقات أمنية تتعرض لها شركاته، فيما أرجع محللون في حينها أن انفجار قضية رامي مخلوف، جاءت نتيجة درجة الإفلاس التي وصلت لها مؤسسات الدولة، وعدم بقاء أي مجالات للأسد سوى التحرك ضد الدائرة المحيطة به ومصادرة جزء من ثرواتها للتخفيف من الضغط الاقتصادي الهائل الذي يتعرض له.

واشتكى مخلوف ممّن وصفهم بـ “أثرياء الحرب“، مشيرا إلى أنهم استولوا على ممتلكاته وشركاته في سوريا، ومعتبرا أن هذا الأمر يشكل “أكبر ملف فساد في تاريخ سوريا“.

اقرأ أيضا: المطالبة بمسارات جديدة للحل في سوريا.. اللجنة الدستورية “باي باي“؟

وقال مخلوف في رسالته آنذاك، إن تلك “العصابات” استولت على شركاته وأملاكه، وأنه بات “محاصرا” لا يستطيع تنظيم، أو وكالات لتعيين أي محامي، أو رفع أي دعوى للدفاع عن نفسه، ولا اتخاذ أيّ إجراءات، أو وضع أي إشارات تحفظ حقوقه أو أملاكه.

واشتكى مخلوف أيضا من تمتع تلك “العصابات” بسلطات واسعة، من أهمها السلطة الأمنية، واعتبرها سيف مسلط على رقاب الجميع دون استثناء، فضلا عن قدرتها على توقيف أيّ معاملة له أمام أي جهة حكوميّة، فضلا عن انتهاجها أسلوبا جديدا وصفه بـ “السابقة الإجرامية“، من خلال تزوير العقود، ووكالات البيع وتسجيلها بتواريخ قديمة.

شهد هذا العام أيضا، شمول رامي مخلوف، بالعقوبات الكبيرة التي فرضتها واشنطن، على الحكومة السورية والشخصيات الداعمة لها، بموجب ما يعرف بقانون “قيصر“.

تقرير لصحيفة “التايمز” الأميركية، قال إن سبب الخلاف بين الأسد ومخلوف هو رفض الأخير سداد ديون الحرب في البلاد، وإن الأسد يحاول استخدام أموال مخلوف لتمويل الميليشيات للقتال معه في محاولات بسط السيطرة على كافة المدن والبلدات السورية.

توفي والد رامي مخلوف، محمد مخلوف، أواخر عام 2020، وهو خال الرئيس السوري بشار الأسد.

ومحمد مخلوف، كان رجل الاقتصاد في عهد حافظ الأسد، حيث أتاحت صلة القربى لمحمد شغل منصب مدير المؤسسة العامة للتبغ أو ما يعرف باسم “الريجة“، ليبدأ من تلك المؤسسة ممارسة الفساد على نطاق واسع، بحسب فراس طلاس ابن وزير الدفاع السوري السابق، مصطفى طلاس، الذي وصف مخلوف بـ“بطريرك العائلة“.

وبحسب طلاس، استعان محمد مخلوف بخبراء من لبنان وبريطانيا، في تأسيس إمبراطورية مالية استندت إلى مبيعات النفط، كما ساهم بتمهيد الطريق لابنه رامي، لاستلام زمام الاقتصاد السوري بعد عام 2000.

خلافا لبقية أفراد العائلة، لا يكاد اسم محمد مخلوف يظهر إلى العلن ضمن أي أنشطة تجارية، غير أن الوثائق المسربة من حسابات بنك “إتش إس بي سي” في سويسرا عام 2015، كشفت أن محمد مخلوف قدم بياناته المصرفية إلى البنك، باعتباره وكيلا لشركة التبغ الأميركية “فيليب موريس” مالكة العلامة التجارية “مارلبورو“، وشركة “ميتسوبيشي” اليابانية، وشركة “كوكا كولا” الأميركية في سوريا.

مصير رامي مخلوف

مصدر خاص لـ“الحل نت”، أكد في وقت سابق أن رامي مخلوف، خضع للإقامة الجبرية خلال الفترة القريبة الماضية في قصره في منطقة الصبورة قرب العاصمة دمشق، وهو ممنوع من استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال ولديه تواصل محدود مع أشخاص معينين.

وأكد المصدر المقرب من عائلة مخلوف، أن رجل الأعمال السوري رفض التسوية التي عُرضت عليه من قبل آل الأسد وبوساطة روسية، والتي تضمنت الاستيلاء على ثلثي ثروته، مناصفة بين آل الأسد وروسيا.

وبحسب المصدر: “رفض رامي مخلوف التوقيع على الضمانات وهو داخل سوريا، وطلب الخروج من البلاد من ثم التوقيع، الأمر الذي رفضه الطرف المقابل لتبقى الأمور كما هي عليه الآن، ويتم وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية“، كما أكد المصدر أن مخلوف يتعرض للإهانة والضغط بشكل مستمر من قبل أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري.

مجددا لم تستبعد مصادر مقربة من مخلوف لـ“الحل نت“، أن يتعرض الأخير “لإيذاء جسدي بهدف الضغط عليه لتوقيع التنازل على ثروته وتصفيته بعد ذلك” حسب المصدر.

مطلع تموز/يوليو الماضي، كذّب رامي مخلوف، الإشاعات التي تتحدث عن وفاته في محافظة طرطوس، معتبرا أنها “فقاعة اختبار” لشيء يحاك ضده، مهددا بـ“انقلاب السحر على الساحر“.

وتداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب شبكات محلية، حينها، أنباء عن وفاة مخلوف، إثر حادث سير وقع على طريق الشيخ بدر، في محافظة طرطوس.

وبالعودة إلى منشور رامي مخلوف الذي كتبه أمس الثلاثاء، تحدث رامي مخلوف، عن تلقيه أحكاما قضائية، ما يوحي بحسب مراقبين، بأن عصر رامي مخلوف، انتهى تماما، ولا سبيل لعودة علاقاته مع العائلة الحاكمة، في حين ذهب العديد من المحللين إلى سيناريوهات من قبيل “انتحار مخلوف“، أو دخوله إلى المشفى وموته، على غرار ما حصل مع العديد من الشخصيات السورية الهامة، بعد تدهور علاقاتها مع السلطة.

وانتقد مخلوف الحكم، متهكما بالقول، “تبلغت منذ أيام وبكل فخر واعتزاز أول شهادة تقدير تصدر من جهة رسمية نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلناها في سنوات الحرب والتي بموجبها عززت صمود بلدنا الحبيب سوريا”.

قد يهمك: تطور علاقات دمشق وأنقرة بعد التدخل الروسي.. من الأمني إلى السياسي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.