في خضم استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، تتصاعد أزمة الطاقة في أوروبا بشكل غير مسبوق، حيث أعلنت شركة “غازبروم” الروسية، الجمعة، أن خط الأنابيب “نورد ستريم 1″، الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، سيخضع لمزيد من أعمال الصيانة، وبالتالي روسيا توقف نقل الغاز لأوروبا إلى أجل غير مسمى، مما يزيد المصاعب التي تواجه أوروبا في الحصول على احتياجاتها من الوقود، ويطرح التساؤلات حول بدائل الغاز الروسي لدى الأوروبيين.

وجاء هذا القرار قبل يوم من موعد استئناف تدفقات الغاز الطبيعي لأوروبا، وكانت “غازبروم”، تنفذ بالفعل أعمال صيانة في الخط في الفترة من 31 آب/أغسطس، إلى الثاني من أيلول/سبتمبر الجاري مما أثار مخاوف بشأن الإمدادات لأوروبا قبل بداية فصل الشتاء، إذا تم تمديد وقف الضخ، وفقا لوكالة “رويترز”.

إيقاف الغاز تماما

ضمن السياق ذاته، علّقت روسيا تدفقات الغاز الطبيعي للقارة العجوز إلى أجل غير مسمى، بعد ساعات من موافقة مجموعة الدول السبع على حد أقصى لسعر النفط الخام الروسي، وسط حرب اقتصادية بين الغرب، وموسكو بالتوازي مع استمرار روسيا في غزوها لجارتها الغربية أوكرانيا.

وأفادت شركة الطاقة الروسية “غازبروم”، الجمعة، إنها لن تستأنف التدفقات عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، كما كان مخططا، لأنها رصدت تسربا نفطيا في محطة بورتوفايا، دون أن تذكر جدولا زمنيا لموعد استئناف صادرات الغاز، عبر خط “نورد ستريم 1″، المغلق منذ الأربعاء الماضي بسبب أعمال الصيانة.

وقالت “غازبروم” في بيان: “إلى أن يتم حل المشكلات المتعلقة بتشغيل المعدات، تم إيقاف إمدادات الغاز إلى خط أنابيب نورد ستريم تماما”.

هذا ويُعد خط أنابيب “نورد ستريم 1” شريانا رئيسيا ينقل إمدادات الغاز الروسية الضخمة إلى أوروبا، والذي تم من خلاله نقل 35 بالمئة، من إجمالي واردات أوروبا من الغاز الروسي العام الماضي. كما ويتدفق الغاز “نورد ستريم 1″، مباشرة إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي تعتمد بشكل خاص على غاز موسكو لتزويد منازلها وصناعاتها الثقيلة بالطاقة.

من جانبه، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، إريك مامير، وصف الخطوة الروسية بأنها “دليل على استخفاف روسيا”، حيث تتصاعد المخاوف من الإغلاق المطوّل في أوروبا، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

نقص حاد في الطاقة

في المقابل، حذّر الخبراء من النقص الحاد في الطاقة في فصل الشتاء بأوروبا، والذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، وفقا لصحيفة “التايمز” البريطانية.

وتأتي هذه المواجهة في مجال الطاقة بين روسيا، وأوروبا منذ أن غزت الأولى أوكرانيا في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وكانت روسيا قد هددت بالفعل بالانتقام من خلال حظر صادرات النفط إلى الدول التي تطبق سقفا للسعر.

وكان خط أنابيب “نورد ستريم 1″، أيضا مركزيا للصراع الاقتصادي المستمر بين روسيا، والغرب. فمنذ حزيران/يونيو الماضي، قلّصت “غازبروم”، التدفقات عبر “نورد ستريم 1″، إلى 20 بالمئة فقط من طاقتها، مشيرة إلى مشكلات الصيانة والخلاف حول نقص التوربينات إثر عقوبات التصدير التي فرضتها الدول الغربية.

وتزوّد روسيا أوروبا بنحو 40 بالمئة من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب. وعن طريق أوكرانيا، يصل الغاز إلى النمسا وإيطاليا وسلوفاكيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية، وأغلقت أوكرانيا خط الأنابيب سوخرانوفكا، الذي يمر في الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق البلاد.

قد يهمك: ابتزاز روسي لأوروبا في ملف الطاقة.. الغاز سلاح سياسي لموسكو؟

البدائل

ضمن الإطار، تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد إمدادات بديلة، ويشمل ذلك بعض الغاز الروسي، الذي أوقفت موسكو ضخه بعد رفض طلب روسيا “دفع ثمن الغاز بالروبل”.

وتشمل الطرق البديلة إلى أوروبا، والتي لا تمر عبر أوكرانيا، خط الأنابيب “يامال-أوروبا”، الذي يمر عبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا، وفق تقارير صحفية.

وتبلغ طاقة خط “يامال-أوروبا” 33 مليار متر مكعب، أي نحو سُدس صادرات الغاز الطبيعي الروسية لأوروبا، ومنذ بداية العام الجاري تم عكس التدفقات لتكون إلى الشرق بين ألمانيا، وبولندا.

لكن، موسكو فرضت عقوبات على مالك الجزء البولندي من الخط “يامال-أوروبا”، ومع ذلك، قال وزير المناخ البولندي إن بإمكان بلاده أن تستخدم الخط دون عكس تدفق الغاز في الخط، بحسب وكالة “رويترز”.

ووفق تقرير لـ”نيويورك تايمز”، فإن بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة، وشبكة غاز أوروبية متصلة ببعضها بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت شحيحة حتى قبل الأزمة الأوكرانية.

وربما تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2″، الجديد القادم من روسيا بسبب حرب أوكرانيا، الغاز من بريطانيا، والدنمارك، والنرويج، وهولندا عبر خطوط أنابيب.

وصرّح وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، هذا الأسبوع، إن البلاد لا يمكنها الاعتماد على خط “نورد ستريم1″، خلال فصل الشتاء، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”.

بينما تعمل النرويج، التي تعد ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، على زيادة الإنتاج لمساعدة الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدفه المتمثل في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي، بحلول عام 2027.

من جانبها، أبرمت شركة “سنتريكا” البريطانية، اتفاقا مع شركة “إكوينور” النرويجية، لزيادة الإمدادات في فصول الشتاء الثلاثة المقبلة، ولا تعتمد بريطانيا على الغاز الروسي، ويمكنها أيضا التصدير إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب.

ورغم أن بريطانيا لا تعتمد على الغاز الروسي، فمن المرجح أن يؤدي تعليق خط الأنابيب إلى ارتفاع تكلفة الغاز بالجملة، وهو ما كان وراء الارتفاع المتصاعد في سقف أسعار الطاقة.

وضمن البدائل أيضا، يمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا، وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا.

كما وأشارت الولايات المتحدة إلى إنها تستطيع توريد 15 مليار متر مكعب، من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام. لكن، مصانع الغاز الطبيعي المسال الأميركية تنتج بكامل طاقتها، وسيؤدي انفجار وقع في محطة تصدير الغاز الطبيعي المسال الرئيسية في تكساس، إلى بقائها معطلة حتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، وفقا لـ”رويترز”.

ولدى محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا، قدرة محدودة أيضا على توريد كميات إضافية، على الرغم من أن بعض الدول تقول إنها تبحث عن طرق لزيادة الواردات والتخزين.

وقالت بولندا، التي تعتمد على روسيا في نحو 50 بالمئة من استهلاكها من الغاز، أو نحو عشرة مليارات متر مكعب، إنها تستطيع الحصول على الغاز عبر وصلتين مع ألمانيا.

وسيُفتتح خط أنابيب جديد يسمح بتدفق ما يصل إلى عشرة مليارات متر مكعب، من الغاز سنويا بين بولندا، والنرويج في تشرين الأول/أكتوبر، وتم تشغيل وصلة غاز جديدة بين بولندا، وسلوفاكيا الأسبوع الماضي.

كما أن إسبانيا، قالت إنها تريد إحياء مشروع لبناء خط ثالث للغاز عبر جبال البرانس، لكن فرنسا، قالت إن محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي يمكن أن تكون عائمة، ستكون خيارا أسرع وأرخص من عمل خط أنابيب جديد.

الدكتور كرم الشعار، الباحث في “مركز السياسات وبحوث العمليات”، رأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن استخدام الغاز الروسي كورقة ضغط أو سلاح، في وجه أوروبا، هي ورقة كانت موجودة وسوف تستمر لسنوات، لأن الخطط الأوروبية الحالية والمتعلقة بالغاز هي جميعها خطط طويلة الأجل، تسعى أوروبا من خلالها لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي.

ويهدف الاتحاد الأوروبي، إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الروسي بحلول عام 2027 وبدأ في البحث عن بدائل، لكن وبحسب كرم الشعار، فإن نقل الغاز المسال، وإنشاء أنابيب لنقله ليست بالأمر السهل، حيث يرى أن الخطط الأوروبية، تتطلب سنوات عديدة ليتم تطبيقها، والأمر الثاني، فإن ما يتم دراسته لمد أنبوب للغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا أمر صعب، فالخط بحاجة للإنشاء وهذا يحتاج لعدة سنوات، فعندما يتم الإعلان عن مشروع كهذا يكون محددا بخطة زمنية، ولكن في هذا النوع من المشاريع عادة ما يحصل تأخير في التسليم قد يتجاوز العامين، لذلك من المحتمل أن تجد أوروبا معاناة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل ما لم يتم التوصل إلى حل في موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا، أو في الجزئية المتعلقة بإمدادات الغاز.

ومن جهة ثانية، بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة، وشبكة الغاز الأوروبية مرتبطة ببعضها بعضا، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت ضيقة حتى قبل الأزمة الأوكرانية.

ووفق “فاينينشال تايمز“، فإنه من المقرر أن يجتمع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في جلسة طارئة في بروكسل، الجمعة المقبل، لمواصلة مناقشة استعداداتهم لفصل الشتاء، بما في ذلك سبل التخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الغاز على تكاليف الكهرباء.

قد يهمك: كيف ستواجه أوروبا سطوة الغاز الروسي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.