في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الاضطرابات التي تعانيها سوق الطاقة الأوروبية تتزايد بسبب تأثير إمدادات الغاز الروسية التي تصل القارة العجوز، هذه الاضطرابات يعود العامل الرئيسي فيها إلى تحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بورقة الغاز المصدر إلى أوروبا كورقة سياسية يلوح بها مرارا خلال الفترة القريبة الماضية، في سعيه لتخفيف أثر الضغوط الاقتصادية والعقوبات المفروضة عليه من المجتمع الدولي.

العديد من الأزمات التي تخلقها روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، فهناك أزمة الغذاء في العالم التي قد تزداد بفعل مساومات موسكو وحصار القوات الروسية لموانئ التصدير وسعيها للسيطرة على مخزون القمح الأوكراني وسرقته وتهريبه، ينضم إليها ملف تساوم عليه روسيا وتبتز فيه القارة الأوروبية على وجه الخصوص، وهو ملف الغاز الروسي الواصل إلى أوروبا.

الغاز الروسي سلاح ضد أوروبا؟

لا تزال أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا الآن أقل كثيرا من مستوياتها القياسية التي سجلتها في آذار/مارس الماضي، ومع ذلك تشير التطورات إلى أن اضطراب الإمدادات كان أسوأ مما توقعته الأسواق في أعقاب بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر شباط/فبراير الماضي.

وفي الوقت الذي راهنت سوق الغاز على أزمة قصيرة الأجل تستمر لعدة شهور، في ذلك الوقت، فإن الأمر يشير الآن إلى أزمة حادة خلال الشتاء المقبل، وتستمر خلال العام المقبل وحتى عام 2024، وذلك بعدما ارتفعت أسعار الغاز الأوروبي خلال الأيام القليلة الماضية.

العديد من الدول تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة الروسية، وردا على ذلك أوقفت موسكو إمدادات الغاز إلى العديد من الدول، في ما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه رد انتقامي.

الدكتور كرم الشعار، الباحث في مركز السياسات وبحوث العمليات، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن استخدام الغاز الروسي كورقة ضغط أو سلاح، في وجه أوروبا، هي ورقة كانت موجودة وسوف تستمر لسنوات، لأن الخطط الأوروبية الحالية والمتعلقة بالغاز هي جميعها خطط طويلة الأجل، تسعى أوروبا من خلالها لتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي.

إقرأ:تصعيد جديد بين الروس والأوروبيين بسبب الغاز وأوكرانيا

حرب الغاز والبدائل الصعبة

في نهاية نيسان/أبريل الماضي، أبلغت شركة الطاقة الروسية “غازبروم”، كل من بولندا وبلغاريا، أنها ستوقف إمدادات الغاز على طول خط أنابيب “يامال”، وذلك بعدما رفض البلدان دفع كلفة الغاز بالروبل الروسي، التزاما بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويوم الإثنين الماضي، بدأت روسيا بعمليات صيانة سنوية لأكبر خط أنابيب منفرد ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا “نورد ستريم”، مع توقع توقف تدفق الغاز لمدة عشرة أيام، الأمر الذي جعل الحكومات والأسواق والشركات تخشى أن يتم تمديد الإغلاق بسبب الحرب في أوكرانيا. هذا ويتم نقل 55 مليار متر مكعب سنويا من الغاز عبر خط الأنابيب من روسيا إلى ألمانيا، وستتواصل عملية الصيانة من 11 إلى غاية 21 تموز/يوليو الحالي.

وفي هذا السياق، قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يتعين على البلاد مواجهة احتمال أن تعلق روسيا تدفقات الغاز عبر “نورد ستريم 1” إلى ما بعد فترة الصيانة المقررة.

هناك خطوط أنابيب كبيرة أخرى تنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا، لكن التدفقات بدأت في الانخفاض تدريجيا، خاصة بعد أن أوقفت أوكرانيا أحد خطوط نقل الغاز في أيار/مايو وألقت باللوم في ذلك على الغزو الروسي.

وحول البدائل، يهدف الاتحاد الأوروبي، إلى إنهاء الاعتماد على الوقود الروسي بحلول عام 2027، حيث بدأ في البحث عن بدائل، مثل زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال العالمي، كما لجأت واشنطن إلى طلب مساعدة من بعض دول الخليج، من بينها قطر، للمساعدة في سد ثغرة النقص الأوروبية.

وقالت المفوضية الأوروبية إن الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة وقطر يمكن أن يحل هذا العام محل 60 مليار متر مكعب من الإمدادات الروسية، بحلول عام 2030، كما يمكن أن تساعد زيادة استخدام الميثان الحيوي والهيدروجين.

ولكن وبحسب كرم الشعار فإن نقل الغاز المسال، وإنشاء أنابيب لنقله ليست بالأمر السهل، حيث يرى أن الخطط الأوروبية، تتطلب سنوات عديدة ليتم تطبيقها، والأمر الثاني، فإن ما يتم دراسته لمد أنبوب للغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا أمر صعب، فالخط بحاجة للإنشاء وهذا يحتاج لعدة سنوات، فعندما يتم الإعلان عن مشروع كهذا يكون محددا بخطة زمنية، ولكن في هذا النوع من المشاريع عادة ما يحصل تأخير في التسليم قد يتجاوز العامين، لذلك من المحتمل أن تجد أوروبا معاناة خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل، ما لم يتم التوصل إلى حل في موضوع الغزو الروسي لأوكرانيا، أو في الجزئية المتعلقة بإمدادات الغاز.

وأوضح الشعار، أن بعض البلدان لديها خيارات إمداد بديلة، وشبكة الغاز الأوروبية مرتبطة ببعضها بعضا، بحيث يمكن تقاسم الإمدادات، على الرغم من أن سوق الغاز العالمية كانت ضيقة حتى قبل الأزمة الأوكرانية.

فيمكن أن تستورد ألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي في أوروبا، والتي أوقفت التصديق على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد من روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، الغاز من بريطانيا والدنمارك والنرويج وهولندا عبر خطوط الأنابيب.

وقالت شركة “إيكوينر” النرويجية إنها تدرس طرقا لإنتاج المزيد من الغاز من حقولها النرويجية خلال الصيف المقبل في أوروبا، وهو موسم يتأثر فيه الإنتاج عادة بالصيانة، كما يمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا، وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول “تانب” عبر تركيا.

ومن جهتها، الولايات المتحدة ستعمل على توريد 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام.

قد يهمك:خط الغاز نورد ستريم 2: هل تتم إعادة تأهيل النظام الإيراني لإيجاد بديل للغاز الروسي؟

ما هي خطوط الغاز الروسية؟

هناك عدة خطوط للغاز الروسي، تمد أوروبا بالغاز، ومن أبرزها، خط أنابيب “يامال – أوروبا”، وهو نظام لتوزيع الغاز الطبيعي، يعمل عبر أربع دول، وينطلق من روسيا إلى بيلاروسيا وبولندا وألمانيا، يبلغ طول خط الأنابيب 4107 كيلومترات، ويبلغ قطره 1420 ملم، ويمكن أن يحمل 33 مليار متر مكعب في السنة، وهذا الخط ينقل الغاز الطبيعي من شبه جزيرة يامال إلى المستهلكين الأوروبيين.

ويعادل ما ينقله هذا الأنبوب 18-25 بالمئة، من الصادرات الروسية إلى أوروبا، وفق حجم الطلب السنوي.
أما الخط الرئيسي الثاني، فهو” نورد ستريم 1″، وهو شريان الغاز الرئيسي من روسيا إلى ألمانيا، و بدأ تشغيل” نورد ستريم 1″ الذي ينقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق إلى ألمانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

إقرأ:قمة أوروبية طارئة بسبب روسيا.. ماذا عن إيقاف خط الغاز نورد ستريم؟

يبلغ طول الأنبوب أكثر من 1200 كلم وتقدر طاقته السنوية بنحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، في الوقت الذي تحتاج فيه ألمانيا إلى 85 مليار متر مكعب في السنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة