بعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحرب على أوكرانيا صباح اليوم الخميس، يبدو الآن أن خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” قد مات بالفعل داخل المياه قبل أن تبدأ أي عملية تجارية له على الإطلاق. إذ يرى المراقبون أن موسكو أعطت أولوية لمساندة الانفصاليين في دونباس، على استمرارية مصالح اقتصادها مع أوروبا.

موسكو تفارق أوروبا؟

يقول الباحث في العلاقات الدولية، طارق وهبي،  الآن هناك تجميد لكل العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، بل حتى في المستقبل القريب، كما حصل بعد اجتياح شبه جزيرة القرم، مشيرا إلى أنه سيعاد طرح نوع من العلاقات المشروطة، ولكن القيادة الروسية لن تبالي.

وأوضح وهبي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن العالم استفاق على تكملة خطة بوتين، أي وضع خطوط جديدة للحدود مع أوكرانيا، إذ إن هذا الزحف الروسي يستهدف ضم كيلومترات مربعة جديدة من أوكرانيا، للعمل لاحقا للمفاوضة على نوع من وقف إطلاق النار على هذه الحدود الجديدة. 

ويتابع وهبي، “لسخرية القدر كان بوتين يقول إن الهجوم على أوكرانيا هو هراء غربي بامتياز. لكن الأيام بيّنت أن الرجل مصمم على عرض عضلات للقوى العسكرية الروسية والتي تذكره بالحقبة السوفياتية. هو يشد عصب السلاف الروس ويدعوهم للصمود، وأكثرمن ذلك يطلب من بعض الأوكرانيين أن يساندوه ويتركوا الجيش الأوكراني”.

ويرى الباحث، أنه بعد الحزمة الأولى للعقوبات الاقتصادية التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي، وكذلك من بريطانيا وأميركا وحتى القرار السيادي الألماني وقف العمل بمشروع “نورد ستريم 2″، لن يؤثر؛ لأن الخاسر الأكبر هم الأوروبيين الذين يعتمدون على الغاز الروسي الرخيص نسبيا.

ويعتقد وهبي، أن بوتين هدفه واضح “إركاع الحكومة الأوكرانية” التي يصفها بالانقلابية، وضم أراضي أكثر. وإقفال بحر أزوف كليا لمصلحة روسيا، وعدم السماح لأوكرانيا أو غير أوكرانيا الدخول إليه.

للقراءة أو الاستماع: بدأت الحرب.. بعد أشهر من التوترات روسيا تغزو أوكرانيا

هل تنقذ أميركا الموقف؟

يقول الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، لـ”الحل نت”، إن موضوع العقوبات على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” قديم جديد، فالولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على الخط سابقا بسبب قضايا كانت خلافية مع روسيا. 

ذلك ساهم في تأخير عجلة إتمام المشروع، لكن الأوروبيين كانوا غيرمتفقين مع واشنطن بشأن هذا الإجراء وخصوصا ألمانيا كون هذا الأنبوب سيساعدها في تخليصها من استخدام مصادر الطاقة الأخرى الأقل نظافة، والاعتماد أكثر على الغاز الروسي.

ويشير القاروط، إلى أن ألمانيا لم تفرض عقوبات على “نورد ستريم 2″، إنّما هي علقت الاتفاق. متوقعا في الوقت ذاته، أن هذا لن يؤثر حاليا كثيرا على أوروبا. نافيا أن يكون التعليق للمشروع أو لاستخدام هذا الأنبوب امتداد مستقبلي. لأن دول الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف وألمانيا بالخصوص، معنيون جدا بالغاز الروسي بسبب قيمته الرخيصة وسهولة توريده.

الجغرافيا السياسية لمنطقة أوروبا والعلاقة الجغرافية والعلاقة الاقتصادية الروسية الألمانية، تحد من قدرة ألمانيا على المناورة في هذا الخصوص. وطالما أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستبقى محدودة وفي أطر يستطاع استيعابها وابتلاع حممها. فالعقوبات هذه لن تؤثر مستقبلا بالضرورة على خطط ألمانيا الحصول على الغاز من روسيا، وفق رأي القاروط.

وحول تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا، أوضح القاروط، أن الضرر الحاصل لروسيا هو خسارتها في المبيعات. بالإضافة إلى هناك احتمالية أن الولايات المتحدة الأميركية ستدخل بشكل أكبر على سوق الطاقة الأوروبي. إذ إن أميركا تعتبر اليوم أكبر مصادر للطاقة في العالم. 

للقراءة أو الاستماع: الحرب الروسية ضد أوكرانيا تلهب أسواق النفط والذهب والمال

المشروع المثير للجدل

مع قيام روسيا الخميس، بشن هجوم عسكري ضد أوكرانيا، فإن أي طريق للعودة إلى المشروع المثير للجدل يبدو مستبعدا للغاية. لا سيما بعد معارضة المسؤولين الأميركيين له، لأنه سيسمح لروسيا بتصدير الغاز مباشرة إلى ألمانيا وربما إلى الدول الأخرى، مما يزيد من سيطرة الروس على القارة العجوز.

يقطع “نورد ستريم 2” خمس دول؛ هي (روسيا وألمانيا والدنمارك وفنلندا والسويد) عبر منطقة أوست لوغا في خليج فنلندا. ليمتد في بحر البلطيق ويصل شمال شرق ألمانيا عند مدينة غرايفسفالد. وهو ثاني خط غاز يربط روسيا بشمال ألمانيا، بموازاة مسار الخط الأول الذي بدأ العمل خلال العام 2011. بما يكرس اعتماد برلين بشكل أساسي على واردات الغاز الروسية. وذلك أن الخط الثاني -على امتداد 1230 كيلومتر تحت بحر البلطيق- يُضاعف إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا بأسعار منافسة.

ومن المخطط أن ينقل “نورد ستريم 2” ما مجموعه 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا (لتتضاعف إجمالي كميات الغاز الروسي إلى ألمانيا وصولا إلى 110 مليار متر مكعب سنويا)، ليُنقل الغاز من ألمانيا إلى باقي دول غرب أوروبا عبر شبكة الغاز الطبيعي.

وفي الوقت الذي انخفضت فيه إمدادات الغاز في أوروبا إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، وبلغت فواتير الطاقة ذروتها. يجادل بعض الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الروس بأن قرار وقف افتتاح خط الأنابيب الجديد سيؤدي إلى أسعار غاز لا يمكن السيطرة عليها في أوروبا، وأزمة طاقة محتملة. 

لكن آخرين يجادلون بأن رهان روسيا على الغاز الجيوسياسي جاء متأخرا بعض الشيء. فبينما كانت “غازبروم”، وهي شركة طاقة روسية، منشغلة ببناء خط الأنابيب الذي سيرسل الغاز الروسي في نهاية المطاف عبر أوكرانيا إلى ألمانيا، كان الاتحاد الأوروبي، خوفا من أن يمنح خط الأنابيب المكتمل لروسيا مستوى هائلا من النفوذ على أراضيه، يقلل بشكل مطرد من اعتماده على الغاز الروسي. 

وبدلا من ذلك، عمل الاتحاد الأوروبي على بناء مرافق استيراد الغاز الطبيعي المسال على ساحل أوروبا الغربية على مدى السنوات القليلة الماضية. بالإضافة لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة للتخلص من مصادر الطاقة الروسية.

للقراءة أو الاستماع: عقوبات أميركية وأوروبية على روسيا.. التفاصيل الكاملة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة