بعد أيام من التحشيد، أقيمت أخيرا صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا لها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بمشاركة آلاف من المواطنين العراقيين الشيعة.

الصلاة التي احتشد فيها الآلاف من أتباع الزعيم الشيعي، بمدينة الصدر وسط العاصمة العراقية بغداد، جاءت بعد أشهر من الشد والجذب بين القوى السياسية حول تشكيل الحكومة، ومن ثم انسحاب الصدر من العملية السياسية.

وجدد زعيم التيار الصدري دعوته إلى حل الفصائل المسلحة، التي تعمل خارج إطار الدولة، في الوقت الذي شدد فيه على ضرورة عدم تولي شخصيات سياسية “مُجرَّبة” مناصب في الحكومة العراقية المقبلة.
جاء ذلك في خطبة صلاة الجمعة الموحدة، التي تلاها نيابة عن الصدر ممثله محمود الجياشي.

وقال الجياشي في الخطبة: “إننا في مفترقِ طريق صعب ووعر، إذ هناك إقبال على تشكيل الحكومة من قبل البعض، ممن لا نحسن الظن بهم، والذين جربناهم سابقا”.

ويرى مراقبون أن، خطوة الصدر الأخيرة، بإقامة صلاة الجمعة الموحدة، ستتبعها خطوات أخرى، خاصة وأن التيار الصدري يمتلك الأغلبية السياسية في العراق، بعد حصوله على ثلاثة وسبعين مقعدا في البرلمان، ولن يرضى أن تذهب تلك المقاعد سدى؛ وأن يترك الإطار التنسيقي، المقرب من إيران، يقوم بتشكيل الحكومة العراقية بصورة طبيعية.

التصعيد عبر الشارع

الكاتب والمحلل السياسي يوسف الجبوري يرى أن “الأيام المقبلة ستشهد تظاهرات واعتصامات مفتوحة، من قبل جمهور التيار الصدري”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الصدر أراد من خلال صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا لها، أن يثبت لباقي القوى السياسية، وتحديدا الموالية لإيران، قدرته وقوته في تحريك الشارع العراقي”.

وأضاف أن “الصدر سيقوم بتحريك الشارع، عبر التظاهر والاعتصام المفتوح أمام المنطقة الخضراء، للضغط على القوى السياسية، وهذا يعني أنه لن تتشكل أي حكومة بدون الصدر وأتباعه”.

وخلال شهر حزيران/يونيو الماضي انسحب الصدر، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات العراقية، من البرلمان، بعد ثمانية أشهر من الجمود، وعجزه عن تشكيل حكومة الأغلبية التي كان ينادي بها.

وصوّت البرلمان العراقي على انتخاب بدلاء لنواب التيار الصدري، فيما دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى عقد جلسة جديدة لمجلس النواب العراقي، لانتخاب رئيس الجمهورية.

الصلاة رسالة مهمة، ولا حكومة بدون الصدر

من جهته يرى محمد البغدادي، الباحث في الشأن السياسي العراقي، أن “صلاة الجمعة الموحدة، التي أقيمت في العاصمة بغداد، وتحديدا في مدينة الصدر، في معقلِ أتباع التيار الصدري، كشفت عن حجم وقدرة الصدر على قلب الموازين، وإحداث شرخ كبير في العملية السياسية”.

مؤكدا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الحشود التي ملأت العاصمة بغداد، مصدر القرار السياسي، أوصلت رسالة مهمة، مفادها أنه لا عملية سياسية دون مشاركة التيار الصدري فيها”.

ويشير البغدادي إلى أنه “من السذاجة تمرير الإطار التنسيقي لمرشحيه، دون النظر إلى غضب التيار الصدري، وخلفيات سحب نوابه من البرلمان، خاصة وهو الفائز بالاغلبية البرلمانية. إذ من غير المعقول أن يتجاوز الإطار التنسيقي وحلفاؤه التيار الصدري، ويتصرفوا على هواهم”.

مختتما حديثه بالقول “سوف يكون العراق على أبواب مرحلة تغيير سياسي هائل، ولن يقف التيار عند التحشيد ولبس الأكفان ووصايا الإصلاح فقط، كما حصل في صلاة الجمعة الموحدة، بل سيقوم بمزيد من الخطوات التصعيدية”.

وسعى الصدر إلى تشكيل حكومة، تضم حلفاء من السنة والأكراد، وتستبعد الأحزاب المدعومة من إيران، بقيادة منافسه العتيد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

لكن الصدر فشل في تحقيق رغبته، وذلك بعد إصرار الإطار التنسيقي والقوى المتحالفة معه على مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك بالاستفادة من قرار المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، الذي اشترط حضور مائتين وعشرين نائبا لجلسة انتخاب الرئيس.

واعتاد الصدر على استخدام ورقة الشارع، كلما أراد الضغط على الحكومات والسلطات العراقية المتعاقبة، ففي عام 2016 اقتحم أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء المحصّنة، ودخلوا إلى مبنى البرلمان العراقي، فيما نصب الصدر خيمة له داخل المنطقة، وذلك بسبب اعتراضه على عمل الحكومة آنذاك، التي كان يترأسها حيدر العبادي.

ماذا بعد صلاة الجمعة الموحدة؟

رياض المسعودي، القيادي في التيار الصدري، يقول إن “صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا لها الصدر، وشارك فيها الآلاف، هي خطوة أولى للمضي على طريق الإصلاح”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الأعداد التي شاركت في الصلاة الموحدة لا تمثل العدد الحقيقي لأنصار التيار الصدري، فهناك آلاف آخرون”.

موضحا أن “هذه هي الخطوة الأولى، والصدر ترك الخيار للشارع في أي خطوة يراها مناسبة”.

قيادات ونواب من المكون السُني عبروا عن تثمينهم لمواقف الصدر الأخيرة، ودعوته لإخراج الفصائل المسلحة من المناطق المحررة.

فيما اعتبرت قيادات كردية، وتحديدا أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن صلاة الجمعة الموحدة رسالة وطنية مهمة.

سياسيون عراقيون أشاروا إلى أن دول العالم، سواء كانت إيران، أو حتى الولايات المتحدة وحلفائها، ستأخذ بعين الاعتبار التجمع الأخير لأنصار التيار الصدري، بعد إدراكها أنه لا يمكن المضي بتشكيل حكومة عراقية والتعامل معها، دون أي يرضى عليها الصدر.

وقالت مصادر سياسية مقربة من التيار الصدري لموقع “الحل نت” إن “الصدر سيدعم التظاهرات الشعبية التي ستخرج في الأيام المقبلة في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق”.

وبينت المصادر أن “الهدف الرئيسي للتظاهرات سيكون منع القوى السياسية، وتحديدا الإطار التنسيقي، من المضي بتشكيل الحكومة الجديدة”.

بدوره عقد الإطار التنسيقي، الذي يضم الفصائل المسلحة الموالية لإيران، اجتماعا أكد فيه بأنه سيتم اختيار الرئيس الجديد للحكومة خلال الأيام المقبلة، وهناك مواصفات محددة، سيتم تطبيقها على الشخصية المرشحة. وهكذا فإن صلاة الجمعة الموحدة، التي أقامها الصدر، قد تكون خطوة على طريق تصاعد الصراع بين الفرقاء السياسيين في العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.