لا تزال التحركات السياسية والعسكرية في المنطقة حبيسة الحدائق الخلفية لمن يرسم السياسات الخارجية في المنطقة عموما، ولا يبدو أن ما يُعلن جهارا على الإعلام هو الخط الوحيد للسياسة الخارجية في المنطقة لاسيما تجاه سوريا. يتجلى ذلك من خلال ما كشفت عنه صحيفة إسرائيلية، بيّنت من خلاله بعضا من الدهاليز التي تنشط فيها إسرائيل تجاه الملف السوري. لعل المثير في تلك الممرات ما يحدث من تواصل مباشر بين تل أبيب، ودمشق مؤخرا.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أشارت في تقرير اطلع عليه موقع “الحل نت” إن اتصالا مباشرا بين الجيش الإسرائيلي وحكومة دمشق قد حصل مؤخرا، بعثت من خلاله تل أبيب رسائل طمأنة للرئيس السوري بشار لأسد، بعدم استهداف قواته، وفي الوقت ذاته بعثت تل أبيب، رسائل تحذير للضغط على إيران.

ما يثير التساؤل هو معاني هذا الاتصال وما تعنيه هذه الرسائل الإسرائيلية، وهل هناك نتائج ملموسة متوقعة لهذا الاتصال يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة، ومدى تأثيره في كبح النفوذ الإيراني من قبل حكومة دمشق، والتبعات المتوقعة.

إسرائيل تستهدف إيران فقط؟

الصحيفة الإسرائيلية، أفادت إن تل أبيب سلّمت مسؤولين في دمشق والقوات الروسية في سوريا رسالة مباشرة، عقب الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مطار حلب، ومواقع بالقرب من العاصمة دمشق.

وأردفت، “يديعوت أحرونوت”، أن نص الرسالة التي سلّمتها تل أبيب لدمشق كانت تأكيدا منها أن الضربات الإسرائيلية لا تريد إلحاق الأذى بالعسكريين السوريين، وإنما تستهدف عناصر “الحرس الثوري”، والميليشيات الإيرانية سواء حاولوا الهبوط في المطارات المدنية، أو تم إيواؤهم في مقار عسكرية تابعة لقوات حكومة دمشق، أو بالقرب من القوات الروسية.

ضمن هذا الإطار، يرى الأكاديمي السياسي، والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، أنه في حال صحة المعلومات الواردة في التقرير الإسرائيلي فهو رسالة إسرائيلية واضحة، وتريد القول إن “أهداف تل أبيب واضحة في سوريا، وأنها لا تريد استهداف قوات الحكومة السورية، بل تستهدف المرافق والقوات المدعومة من إيران، خصوصا، وأن إسرائيل بدأت مؤخرا باستهداف مواقع حساسة مثل موانئ اللاذقية، وطرطوس، ومطاري” دمشق “، و” حلب “، في ظل التوتر الحالي مع روسيا”.

وأردف السبايلة، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه “من الواضح أن إسرائيل ترغب في حصر هذه المسألة بهذه الجزئية وعدم إعطاء أي مبرر للجانب الروسي للانتقال إلى المرحلة التصعيدية، على الأقل في موضوع الدفاعات الجوية”.

إحياء مفاوضات السلام؟

في المقابل، كتب معلق الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة، رون بن يشاي، مقالا، السبت، يفسر فيه تفاصيل الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا، وتعقيداته وتطوراته وتداعياته على الروس والأسد.

وأفاد بن يشاي، إن الجيش الإسرائيلي يحافظ على اتصال مباشر ليس فقط مع الروس، الذين يتحكمون بسوريا، وإنما مع نظام الأسد أيضا. وأشار بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بهيئة الأركان، أن الجيش الإسرائيلي يتبع طريقتين للتعامل مع موسكو، ودمشق في موضوع كبح جماح نشاطات إيران في سوريا.

صورة من “AP”

والطريقة الأولى وفق بن يشاي، هي إرسال رسائل عملياتية عبر استهداف المطارات، والمراكز الحساسة التي تضر بنفوذ روسيا المتراجع في سوريا، وبهيبة الأسد الساعي لبسط سيطرته وتحقيق الاستقرار السياسي. أما الثانية، فهي أن الجيش الإسرائيلي يحتفظ بقناة اتصال وحوار مباشر ليس فقط مع الروس في سوريا، ولكن مع دمشق أيضا.

وبالعودة إلى الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، فقد أشار أثناء حديثه لـ”الحل نت”، إلى جانب مهم آخر في هذا السياق، وهو أن هذا الموضوع يأتي ضمن التكتيك الإسرائيلي في محاولة منه فرض واقع جديد في المنطقة بتوسيع دائرة السلام، وبالتالي باعتبار أن دول الخليج، ولا سيما دولة مثل الإمارات اليوم، تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة السورية، وهي في الوقت نفسه بوابة هذا السلام الجديد، فيمكن اعتبار أن هذا الجزء والتكتيك يمكن أن تستخدمه إسرائيل في إعادة إحياء مفاوضات السلام المتعثرة منذ عام 1997.

قد يهمك: استراتيجية إسرائيلية لضرب المطارات السوريّة.. ماذا وراء ذلك؟

عدم الاستقرار

ذكر المحلل الإسرائيلي، إن إسرائيل سلّمت دمشق رسالة مباشرة أوضحت فيها، أن الجيش الإسرائيلي يحاول عدم إلحاق الأذى بالمدنيين والمنشآت المدنية ولا تريد إلحاق الأذى بالعسكريين السوريين، وإنما يستهدف عناصر “الحرس الثوري”، والميليشيات الإيرانية سواء حاولوا الهبوط في المطارات المدنية أو تم إيواؤهم في مقارّ عسكرية لقوات دمشق، أو بالقرب من القوات الروسية.

وأضاف بن يشاي، أن “الرسالة سُلّمت بعد وقت قصير من الهجوم لتوضح لمسؤولي الحكومة السورية طبيعة الهجوم وأسبابه ومن هوجم”.

في غضون ذلك، تتناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنباء عن ضغوط روسية تمارس على إيران، لحثها على سحب ميليشياتها من المناطق الغربية في سوريا، وأن موسكو، ”طلبت بشكل رسمي من طهران، سحب ميلشياتها من مواقع استراتيجية غربي سوريا، ورأت أن الخطوة تؤشر على نجاح الضغوط العسكرية، والسياسية الإسرائيلية“.

وأشارت تلك الوسائل، إلى وجود حالة من الغضب بين قادة القوات الروسية في سوريا جراء الغارات الإسرائيلية، ولكنهم على يقين بأن روسيا لا يمكنها توريط نفسها في حرب إضافية لا تخدم مصالح الكرملين، ومن ثم لم تعد القوات الروسية في سوريا حريصة على جلب نظم دفاعية قوية، فيما أُعيد الكثير من هذه النظم، مثل “إس-300” إلى روسيا، حيث تُعد الحرب الأوكرانية أولوية.

في حين، أن موسكو تفضل استخدام الضغط الدبلوماسي العلني على إسرائيل، عبر تصريحات تصدر عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، أو ممثل موسكو بالأمم المتحدة، ضد الغارات الإسرائيلية على سوريا.

ووفق تقرير “يديعوت أحرونوت”، فإن الإيرانيين بدأوا مؤخرا في نقل شحنات الأسلحة عبر طائرات مدنية إلى مطارات مدنية وتخزينها في معسكرات، ومنشآت تخزين لجيش النظام، محمية ببطاريات صواريخ أرض – جو سورية، تخضع لإشراف وسيطرة روسية.

هذا وتصاعدت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، خاصة مع ظهور استراتيجية إسرائيلية جديدة، وهي التركيز على قصف النقاط الحيوية والمهمة؛ مثل المطارات في دمشق وحلب والموانئ البحرية على الساحل السوري، بهدف منع إيران من استخدام هذه المطارات، والأماكن لنقل شحنات الأسلحة لميليشياتها.

السفينة “سابيز” ومقاتلون إيرانيون على متنها. مخطط طهران: سلسلة من القواعد البحرية العائمة “صحف غربية”

الاستهداف الإسرائيلي للمواقع العسكرية التي يتواجد بها النفوذ الإيراني في سوريا مستمر منذ سنوات، حيث أن تعزيز إيران لوجودها بشكل كثيف خلال عشرية الحرب السورية، دفعت بإسرائيل للقيام بالعديد من الضربات العسكرية ضدّها بشكل دوري حتى أضحى الأمر اعتياديا. وخلال الأعوام السابقة استهدفت إسرائيل عددا كبيرا من النقاط التي تتمركز بها الفصائل المدعومة من إيران، وبالفعل نجحت إسرائيل في إحباط الغالبية العظمى من شحنات الصواريخ العالية الدقة، والمعدات اللازمة لتصنيع الأسلحة التي يحاول “فيلق القدس”، التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني”، تهريبها إلى سوريا، ولبنان عن طريق البر والبحر أو الجو، وفق مسؤولين أمنيين.

وعليه، فإن هذا التواصل بين تل أبيب ودمشق جوهره مبني على إحجام النفوذ الإيراني، وبالتالي فإن دمشق في وضع حرج وارباك حقيقي، إذ تترنح بين ضغوط هذه الدول، وهيمنة إيران على مناطق واسعة في سوريا منذ سنوات طويلة، وإن كل هذه التحركات لن تعود إلى الحكومة السورية، بأي انفتاح سياسي أو اقتصادي، في ظل عدم جدية دمشق، في إحداث أي انتقال سياسي أو تغيير حقيقي في سوريا وتنفيذ المطالب السورية، وكذا الرفض الدولي للحكومة السورية التي لم تتقدم أي خطوة نحو عملية انتقال سياسي حقيقي وكامل، وإنما المزيد من التصعيدات، والفوضى الأمنية، وعدم الاستقرار في البلاد.

قد يهمك: بين إيران وإسرائيل.. خيارات روسيا في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.