مرة أخرى، عاد التوتر على خط أثينا أنقرة، فقد جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيراته وتهديداته لليونان. وتوعد أردوغان، اليونان بأنها ستدفع “ثمنا باهظا”، إذا استمرت في انتهاك المجال الجوي لبلاده و”مضايقة”، طائراتها فوق بحر إيجه.

الأحد الماضي، أعلنت تركيا أن طائرات تركية كانت في مهمة في بحر إيجه وفي شرق البحر المتوسط استُهدفت من جانب اليونان بنظام الدفاع الجوي “إس-300″، منددة بـ”عمل عدائي”.

“لدينا كلمة واحدة”

أمام حشد في منطقة البحر الأسود، قال أردوغان، يوم أمس السبت “أيها اليونان، ألقي نظرة على التاريخ. إذا مضيتِ قدما، ستدفعين ثمنا باهظا”.

وأردف أردوغان، “لدينا كلمة واحدة لليونان: لا تنسوا إزمير”، في إشارة إلى المدينة المطلّة على بحر إيجه والتي يسميها اليونانيون سميرنا. وجاء حديث أردوغان أثناء مشاركته بمعرض “تكنوفست” للبحر الأسود، ومهرجان الطيران والفضاء والتكنولوجيا.

وتابع أردوغان، مشددا على أن “احتلالكم لجزر بحر إيجه القريبة من تركيا لا يلزمنا. حين تأتي اللحظة، سنفعل ما يلزم. قد نصل فجأة خلال الليل”، مكررا عبارة غالبا ما كان يستخدمها لإطلاق عملياته في شمال سوريا، وفق تقارير صحفية.

من جانبها، تتهم اليونان، الطائرات التركية بالتحليق فوق جزر يونانية قريبة من الحدود التركية، وينعكس الخلاف بين الدولتين العدوتين من خلال تسيير عدد كبير من الدوريات، وقالت وزارة الخارجية اليونانية: “سنبلغ حلفاءنا وشركاءنا بمحتوى التصريحات الاستفزازية لنوضح مَن الذي يضع الديناميت في تماسك تحالفنا خلال فترة خطيرة”.

في حين أن أنقرة، تندد بوجود قوات على هذه الجزر وتعتبر ذلك مخالفا لمعاهدات السلام الموقّعة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وفي حزيران/ يونيو، صرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، بأن أنقرة ستتحدى سيادة اليونان على هذه الجزر إذا واصلت إرسال قوات إليها.

يشار إلى أن اليونان كانت احتلت سميرنا، بعدما نُسبت إليها بموجب معاهدة في نهاية الحرب العالمية الأولى لم تعترف بها تركيا إطلاقا، في حين أن الأتراك استعادوها عام 1922.

قد يهمك: روسيا توقف نقل الغاز لأوروبا عبر “نورد ستريم 1”.. ما البدائل؟

اتهامات لليونان

يبدو أن الخلاف بين أنقرة، وأثينا حول جزر بحر إيجه، قد دخل مرحلة خطيرة من التوترات، بعد وصف أردوغان، لأول مرة الجزر بـ”المحتلة”، ملوحا بأن بلاده قد تلجأ إلى استعادتها عسكريا من خلال استخدام مقولته الشهيرة: “قد نأت على حين غرة ذات ليلة”. كما وقد هددت تركيا منذ أشهر بـ” إعادة بحث السيادة”، اليونانية على الجزر.

وخلال السنوات الفائتة، كانت تركيا، تتهم اليونان بتسليح الجزر القريبة من سواحلها، والمصنفة على أنها “منزوعة السلاح” بموجب الاتفاقيات الدولية، وأبرزها معاهدتا 1923 و1947 والتي منحت هذه الجزر بموجبها لليونان، حيث تزعم أنقرة إن الجيش اليوناني حوّل هذه الجزر القريبة من تركيا إلى “ثكنات عسكرية”، وهو ما اعتبره وزير الدفاع خلوصي أكار، “تهديدا للأمن القومي التركي”، وفق تقارير صحفية.

بحر إيجه (أرشيفية- فرانس برس)

من جانب آخر، تداولت وسائل إعلام تركية بشكل مكثف، مسألة تسليح اليونان للجزر منزوعة السلاح، وأنه وصل إلى مراحل متقدمة ومقلقة، وتحدثت تقارير إعلامية غير رسمية عن نقل عشرات آلاف الجنود ومئات الدبابات والمدرعات إلى جانب العمل على تأهيل مطارات عسكرية، وبناء موانئ عسكرية لتصبح جاهزة لاستقبال طائرات وسفن عسكرية، وهو ما كررته شخصيات سياسية، وعسكرية تركية باعتباره تهديدا للأمن القومي التركي.

كما وأشار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في وقت سابق إلى أن اليونان انتهكت الوضع القائم في جزر شرق بحر إيجه، وأكد أن عليها نزع الأسلحة وإلا فسيبدأ بحث مسألة السيادة، في تهديد كررته تركيا في السنوات الأخيرة واعتبرته اليونان من جانبها “تشكيكا في سيادتها على جزرها”.

وأردف أوغلو، إنه تم وضع عدد من الجزر تحت سيطرة اليونان عام 1923 بموجب اتفاقية لوزان، وعدد آخر وفقا لاتفاقية باريس عام 1947، مشيرا إلى أن الاتفاقيتين تضمنتا شرط عدم تسليح هذه الجزر.

قد يهمك: نفوذ صيني يمتد إلى سريلانكا.. تهديد جديد للأمن الدولي؟

يونان تجهز نفسها

في وقت سابق لجأت أثينا إلى تل أبيب، نتيجة التحدي الذي تشكله الطائرات المسيرة التركية “البيرقدار” لليونان، فاختارت الأخيرة الذهاب لشراء نظام صاروخي يهدف للتصدي للمسيرات التركية، يعرف باسم “القبة الحديدية”.

وفي آخر شهرين، نفذت اليونان سرا نظام نشر “مظلة للتصدي للمركبات الجوية غير المأهولة للعدو”، فوق جزر ومواقع مهمة أخرى في جميع أنحاء البلاد، ويستخدم هذا النظام تكنولوجيا إسرائيلية لتعمية الطائرات بدون طيار، وتعطيل خطط رحلاتها.

النظام هو نسخة من نظام مضاد للطائرات بدون طيار، يحتوي على ميزات مشابهة لتلك الموجودة في قبة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، وهو نظام مشتق من “القبة الحديدية” الإسرائيلية المضادة للصواريخ، طورته تل أبيب، للتصدي للطائرات بدون الطيار أيضا.

ويتكيف النظام الذي صدّرته تل أبيب لأثينا، مع الاحتياجات الخاصة لليونان، والتضاريس الجغرافية للجزر، والمناطق الحدودية اليونانية الأخرى، حسب تقرير لمجلة “فوربس” الأميركية.

ورغم تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية مؤخرا، يبدو أن التنسيق بين أثينا، وتل أبيب ما زال مستمرا، حيث يُعتقد أن اليونان استحوذت أنظمة إسرائيلية أخرى إضافة إلى “القبة الحديدية”.

طائرات حربية تركية “انترنت”

وفي مواجهة امتلاك تركيا لثالث أكبر أسطول من طائرات “إف 16” الأميركية، بعد أميركا وإسرائيل، سعت اليونان لتعزيز أسطولها الجوي، حيث استحوذت على 24 طائرة مقاتلة من الجيل 4.5 من طراز “رافال” من فرنسا، وتعاقدت مع واشنطن على ترقية 84 طائرة من طراز “إف 16″، إلى أحدث تكوين “بلوك 72”.

في المقابل، تركز أنقرة على التصنيع المحلي للمعدات العسكرية، والذي شمل سفنا حربية وطائرات مروحية، والدبابة “ألتاي” التي اقتربت من دخول الخدمة، وفي الجو، تسعى تركيا للحصول على 40 طائرة “إف 16” الأميركية، وتحديث جزء من أسطولها من الطائرة ذاتها الذي بدأ يتقادم.

وتسعى اليونان، لعرقلة حصول تركيا على صفقة الـ “إف 16″، والتي تشمل تحديث نحو 80 طائرة موجودة لدى تركيا إضافة لشراء نحو 40 طائرة جديدة، وهي صفقة مهمة لأنقرة في ضوء إخراجها من برنامج “إف 35″، وحاجتها لطائرات حديثة إلى حين دخول الطائرة الشبحية محلية الصنع للخدمة.

خلاف تاريخي

يوجد عددا من الجزر  الصغيرة في بحر إيجه، والقريبة من اليابس التركي، يعتبر محل خلاف بين البلدين، وكانت الدولة العثمانية تسيطر تاريخيا على معظم جزر بحر إيجه، قبل أن تعود ملكية عدد منها لليونان مع إعلان استقلالها عام 1830، وعقب معركة طرابلس بين الدولة العثمانية وإيطاليا، سيطرت الأخيرة على عدد كبير من الجزر، أبرزها جزر “منتشه” محل الخلاف الحالي، ورفضت لاحقا التخلي عنها لتركيا بحجة أن انسحابها سيعطي فرصة لليونان لاحتلالها خلال حرب البلقان، لكن اليونان بالمقابل استغلت فرصة انشغال الدولة العثمانية بحرب البلقان، وفرضت سيطرتها عليها.

وعقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، اضطرت للاعتراف بسيادة اليونان على الجزر، ورغم تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، بقيت الجزر تتبع لليونان، وإيطاليا التي تنازلت عنها لاحقا لألمانيا، قبل أن تنتقل لبريطانيا وأخيرا لليونان بشكل رسمي بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين الحفاء وإيطاليا عقب الحرب العالمية الثانية 1947، لكن جميع الاتفاقيات نصت على أن تبقى هذه الجزر منزوعة السلاح، وفق تقارير صحفية.

قد يهمك: ما قصة المنافسة الإسرائيلية التركية بسبب اليونان؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.